2015-10-10 

درس الأباتشى المزدوج!

سليمان جودة

أتصور أن هناك علاقة من نوع ما بين الـ24 طائرة «رافال» المقاتلة الفرنسية التى جرى توقيع عقد توريدها لنا، الاثنين الماضى، وقصة طائرات الأباتشى الأمريكية، التى كانت حديث الناس طول العام الماضى! وإذا أردنا أن نتكلم بلغة أهل المنطق، فإن الأباتشى كانت هى المقدمات، كما أن الـ«رافال» كانت هى النتائج التى تقوم على مقدماتها! والقصة من بدايتها أن القاهرة كانت فيما بعد 30 يونيو 2013 قد أرسلت عدة طائرات أباتشى إلى الولايات المتحدة، بهدف إجراء بعض عمليات الصيانة المطلوبة. إلى هنا يبدو الأمر عادياً، ليصبح على أغرب ما يكون حين راحت الإدارة الأمريكية، فى مرحلة لاحقة، تساوم فى إعادة الطائرات إلينا، وكانت فى كل مرة تطلب القاهرة عودة طائراتها إليها ترد تلك الإدارة وتقول: غداً!.. فإذا جاء الغد قالت من جديد: غداً.. وهكذا بامتداد عام كامل، وربما لأكثر من عام! وكانت القصة على بعضها فى غاية الغرابة، لأننا فى مصر لم نكن نطلب توريد أو شراء طائرات جديدة، بحيث يكون من حق الذى يبيع أو يورد أن يرفض أو يقبل، وإنما كنا نطلب عودة طائرات نملكها إلينا بعد أن أنهت عمليات الصيانة هناك! ولم يكن خافياً على أحد أن واشنطن فى غمرة تعاطفها الأعمى مع جماعة إخوانية إرهابية قد قررت أن تستخدم الطائرات كورقة تساومنا بها دون أى حياء، إذا كان للحياء مكان فى السياسة! وكان كل متابع للقصة وتطوراتها يدرك أن الطائرات يمكن أن تكون على أرضنا، وفى قواعدها خلال 24 ساعة، إذا ما استجابت القاهرة لضغوطهم فى اتجاه منح موطئ قدم للجماعة الإخوانية فى الحياة السياسية.. فقد كان هذا هو كل ما يهمهم، وكانوا مستعدين فى الولايات المتحدة لإعطائنا ما نريد وما نحب، بشرط أن يكون للإخوان أى مساحة فى خريطة السياسة فى البلد، وبالطبع فإن ذلك كان لأهداف ليست بريئة بالمرة! وكانت الإدارة الأمريكية نفسها هى من نسيت، أو تناست، أن موطئ القدم هذا الذى كانت تقاتل من أجله، ولاتزال، كان متاحاً للإخوان، شأنهم شأن غيرهم يوم إعلان خريطة الطريق فى 3 يوليو 2013، عندما تلقى سعد الكتاتنى، رئيس حزب «الحرية والعدالة» الإخوانى وقتها، دعوة لحضور اجتماع صياغة الخريطة، غير أنه رفض، ثم إنه لم يرفض وفقط، وإنما اختار هو وجماعته إعلان الحرب على المصريين، منذ ذلك اليوم إلى يومنا هذا! كانت إدارة أوباما تتناسى هذا كله، ثم تساوم على ما كانت القاهرة تعلن فى كل لحظة بوضوح كامل أنه ليس محل مساومة فى الحاضر، ولن يكون فى المستقبل! وكانت القصة فى جانب آخر منها تكشف عدم جدية الإدارة الأمريكية فى مقاومة الإرهاب، وكيف أنها تقول الشىء فى هذا الاتجاه، ثم تفعل عكسه على طول الخط! وإلا.. فما معنى أنها كانت فى كل مناسبة تؤكد أنها تدعمنا فى حربنا ضد الإرهاب، ثم فى الوقت ذاته تمنع عنا طائراتنا التى هى فى الأساس طائرات مهاجمة لأوكار الإرهاب، فى سيناء على وجه الخصوص، بل ومتخصصة فى مهاجمة مثل هذه الأوكار؟! منذ تلك اللحظة أظن أن صانع القرار قد أدرك أن الاعتماد على الولايات المتحدة وحدها فى توريد أو إتاحة السلاح الذى نريده ونحتاجه مسألة خطرة، وأنه لابد من البحث عن مورد آخر، فكانت زيارة الرئيس لروسيا، ثم زيارة «بوتين» لنا، ثم البحث أيضاً عن مورد ثالث، فكانت صفقة «رافال» الشهيرة. وأتصور أكثر أنه لم يكن درساً لنا، فى القاهرة فقط، وإنما كان درساً لهم فى الولايات المتحدة بالدرجة نفسها! كان درساً مزدوجاً، وواصلاً إلى الطرفين، سواء بسواء!.. وكانت الحكاية فى مجملها موحية بشتى المعانى! *نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه