2015-10-10 

جدّي... والملك سلمان

مشعل المطيري

الوقت: صباح يوم صيفي في أوائل الثمانينات المكان: مدينة الرياض. جدتي لأمي (هيا المطيري) رحمها الله توقظني من النوم وهي تمازحني بجملة (طش الريق) الجملة التي أحببتها منها الى درجة أني حولتها الى أغنية بلحن راقص تضحكها الى درجة انها احيانا كثيرة تخجل من ضحكتها العالية وما أجمل خجل الجدات وضحكاتهن. المشهد هنا لا ينتهي لان أهم ما فيه قادم.هي تعرف أنى متعلق بجدي (علي الشيباني) وكذلك تعلم ان جدي يحب أن يراني في الأوقات التي كنت أنام فيها في بيتهم أوقات الإجازات. أنا أكبر الأحفاد وأنا من أعطاني جدي الاسم الذي أحمله. جدتي تضع اللمسات الاخيرة على (قرصها).بعد أن تأكدت من القهوة والشاي والحليب. يخرج جدي علينا من غرفته المستقلة ذلك الخروج المهيب وهو متحزماً (بمجلده) الذي لا يفارقه في كل المناسبات. وفي يده يحمل سيفه ذا الغمد الذهبي. وعلى وجهه الأبيض ابتسامة جميلة يتشكل معها شنبه وسكسوكته الكثيفين. لا اذكر شيء من أثاث او ديكور المكان إلا هالات وجهيهما المضيئة. ولا من كل أحاديثهما إلا اسم (سلمان) بكل سياقاته: (الأمير) و (أبو فهد) و(طويل العمر) كان جدي يذكر أهم المواقف التي حدثت له في قصر الحكم وكذلك عن المهمات التي يوكلها لهم في المناطق النائية. يتحدث جدي بفخر عن حل ألأمير للمشكلة الكبيرة بين تلك القبيلتين. وعن تدخله تارة للمساعدة إحدى القرى في موضوع كان يشكل أزمة لأهلها. وعن تعامله تارة مع فلان بن فلان بحزم وقوة عندما ارتكب خطأ في حق غيره. وعن فلان غيره حين خرج فرحاً مرفوع الرأس من مجلس أبو فهد بعد أن اقتص له حقه وقضى له (لزومه). وعن عيادة أبو فهد لفلان في المستشفى وزيارة فلان اخر في بيته وكل هؤلاء من أبناء الوطن من كل القبائل والعوائل ومن كل الاطياف والطبقات ... الأحاديث كثيرة والأحداث أكثر وشعور جدي بالحب والفخر (بالأمير) والعمل الذي يقوم به، جعلتني وكأني أرى أميراً وحاكماً من الأساطير، وأحد فرسانه المخلصين له، المُحبّين المؤمنين بما يفعل، المستعدين للتضحية في سبيل كل ذلك. في ذلك الوقت كان عهد الملك فهد المعظم. الملك المهاب. الملك الذي قال لي أحد أصدقائي في الجامعة انه كان وهو صغير يسجل خطابات الملك فهد ليعيد سماعها مرة أخرى. ومنها ذلك الخطاب الشهير الذي غير لقب الملوك في هذه الأرض الطيبة الى خدام للحرمين الشريفين. نشأت في هذا العهد ودرست وتخرجت. تعب الملك. قلق الجميع. ظهر لنا عبد الله بن عبد العزيز أكمل العهد وهو تحت ظل الفهد. مات ملك وعاش ملك.لأول مرة أعيش لحظة موت ملك تربينا وترعرعنا في عهده سنوات طويلة. فرغم أنى ولدت في آخر عهد الملك خالد فأنا لأذكر سوى مشهد (فلاش باك) لخالي الشاب حينها وهو يبكي بحرقة غربية. أول مرة أشاهد كبيراً يبكي بهذه الطريقة. عرفت بعدها بفترة ان ملكاً محبوباً مات. لحظة غريبة ان يموت الملك. مشاعر غريبة يتناقلها الناس. لكن الخلف الذي عرفه الناس جيداً في عهد السلف، وتعرفوا أكثر عليه ملكاً غير متوج، في مرحلة المرض التي مر بها الملك المهاب، جعلت الناس تطمئن. أكمل أبو متعب المسيرة وعاش الوطن في عهده تطوراً لافتاً في كل مجال. كل هذه العهود وكل هؤلاء الملوك و(سلمان) كان حاضراً كان جزء من الصورة الملكية وجزءً مهماً من كل السياسات، والقرارات. كان الأمين، والمستشار، واليد اليمنى للملوك في إدارة الوطن. وكان الأخ المحب والرفيق في كل الرحلات، سواء كانت للاستجمام أو للعلاج، للملوك وأولياء العهد، إخوانه الذين سبقوه. كان دائماً بوقفته بجانبهم في الصور رسالة وانطباع يصل لكل أبناء هذا الوطن يقول فيها أنا الأخ والرفيق أنا المحب والعضيد وأنا السند لكم. كان الحاكم سلمان وهو يدير قصر الحكم في الرياض يصل الى كل البيوت في المملكة. لا أحد الا ويمر له أمر من خلال الرياض او لأحد من أقربائه أو معارفه. فسلمان كان حاضراً في كل البيوت على مدى تلك العهود. وسلمان الأب لا يختلف عن الحاكم هو أبو الأيتام، وراعي العلم، والتعليم والثقافة والأخلاق، وهذا كله لم يكن إلا أصيلاً في داخلة. عندما ترى أبناء الملك وأخلاقهم ورقي نفوسهم وتواضعهم ونجاحاتهم، تعرف ان خلفهم أباً استثنائياً يرى انه قدوة لكل إخوانه أبناء الوطن، حتى في رعاية ابناءه وأحفاده. أما عن الرياض فالحديث هنا لا يكفي ولا يوفي. يكفي ان أتذكر ما قالته ابنة الملك الوحيدة أنها كانت تغار من الرياض عندما كانت طفلة وجعلت بعد ذلك من (أخت الرياض) لقباً لها عندما كبرت لأنها عرفت في حينها ان انشغال أباها بالرياض وأهلها ما هو إلا عشق أبدي للرياض فهي الأصل والتاريخ وهي المستقبل الحلم الذي يبنيه الآن. الرياض هي المثال الواضح والنموذج المصغر للمملكة التي يراها سلمان بن عبد العزيز. وليس أكبر دليل على عظمة هذا الإنسان إلا قرارته. فعندما يفقد الوطن ملكًا كعبد الله بن عبد العزيز له كل هذا الحب في قلوب أبنائه. ويحزنون ويقلقون على ما بعده. لا ينتظرون أكثر من سويعات حتى وقد اطمأنت قلوبهم. على الوطن ومستقبله. وعلى رخاءه واستقراره. كل ذلك يحدث ولازال مشهد جدي في ذاكرتي. جدي الذي أتى بعد اخر مهمة له في رئاسة أحد مراكز منطقة الرياض قضى بها عدة سنوات وهو متعب وبعدها أصيب بالمرض الذي ادخله في غيبوبة لسنتين لم ينقطع أميره بالسؤال عنه والحرص على حصوله على أفضل الرعاية الصحية. وعندما انتقل جدي وحبيب قلبي إلى الرفيق الأعلى (قبل ان يكتب لي القصيدة التي وعدني انه سيعود لكتابة الشعر الذي اعتزل كتابته فقط من أجل كتابتها لي بعد موقف باسم بيننا) كان أبو فهد اول الحاضرين للعزاء. وعندما احتضن الأمير ابن خالي سلمان وسأله عن أسمه قال انا سلمان قال الأمير وانا بعد سلمان فرد الطفل ببراءة لا انا فقط سلمان رد الأمير ولا يهمك أنت سلمان. وكلنا سلمان. نعم نحن كلنا سلمان. بعد (علي) بسنوات ماتت (هيا) وماتت معها أغاني لها وغاب قرصها بعد موت حبيبها.لكن (أبو فهد) لم يغب عنا. عند حضور أبنه الأمير الخلوق نايف ليعزي فيها. ولا زلت أنا أشعر بذلك الحب. الذي كان يملئ تلك الجلسات الصيفية ... عندما أرى (الملك سلمان).

التعليقات
نواف
2015-10-05

ابهرتن يمبهر

أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه