2016-04-26 

الليبراليون في السعودية نموذج غير مرغوب

سارة مطر

الحياة - المشكلة الكبرى التي يعاني منها الليبراليون في السعودية، أنه لا أحد يحبهم، وأعني بذلك الشعب بشكل عام، قلة من الشعب من يميل إلى أفكارهم وأطروحاتهم الفكرية، أو حتى يستسيغون ما يتداولونه عبر وسائل التواصل الاجتماعييعاني الليبراليون السعوديون من عدم وجود كيمياء حقيقية ورابطة وجدانية تصلهم بالشعب، ويعرف الجميع بأن الكثيرين منهم، بعيدون في الكثير من الأحيان عن واقع المجتمع المعيش، ومازالوا حتى هذه اللحظة يعتقدون بأن ثلاثة أرباع الشعب السعودي لا يفقهون لغتهم، ولا يجب لأحد منهم تجاوز المساحة المفترضة التي تفصلهم عنهم، حتى أن العجب سيأخذ منك كل مأخذ وأنت ترى عددا منهم يستخدم الحظر في أي قناة للتواصل الاجتماعي، لكل من يخالفهم في الرأي، لديهم منبرهم العالي الذي يتخاطبون فيه مع الآخرين، وعلى أن يكون الآخرون ليسوا من الطبقة العاملة من الشعب، وإنما تقتصر مناقشاتهم على حملة الدكتوراه وما حولها، هل أتكلم بصوت المفرد أو الجمع؟ هل ما أكتبه حقيقي أم أنني أحاول إلصاق بعض التهم المتكررة عليهم؟ وهل ما أكتبه نابع من عقلي أم من قلبي؟.

 

لكن الحقيقة أن اللغة التي يستخدمها “بنو ليبرل” في السعودية، من وجهة نظرهم الخاصة، أن على الطبقة الكادحة اجتماعيا أو فكريا من الشعب، ألّا تكون بهم أيّ صلة من أيّ نوع، لا يمكن أن تتسع عقولهم لفهم محتوى نظرياتهم، لست جلادا لأطلق الأحكام وألصق بهم التهم، لكن هذا هو الواقع الذي يعايشه أفراد الشعب السعودي مع المنظرين في وطنهم. الفجوة لا تزال قائمة بين الليبراليين وبين عامة الشعب على اختلاف أطيافهم، على الرغم من دعوتهم الدائمة إلى تحقيق العدالة والديمقراطية واكتساب الحريات العامة والشخصية وحماية الأفراد من السلطة إذا ما جاءت ضد الإصلاح. ولكن يبقى ذلك الجدار الواضح والبين الذي يفصل دعاة الحرية عن الشعب أو المواطنين في السعودية، وهي مشكلة لا يمكن الصمت عنها، لأنها باتت واقعا معيشا، وليست من وحي الخيال، لكونهم لم يستطيعوا أن يقفوا في صفوف الحياد عن الدين، وأن يبقوا في المنطقة التي عليهم أن يلتزموا برمي أفكارهم وسهامهم من خلالها، وهي الحديث عن حراك حرية الفكر والتعبير.

 

خلاصة القول إنهم لم يستطيعوا أن يكونوا أكثر نقاء في الحديث عن الدين والحرية والكرامة الإنسانية، لم يسعوا إلى تكوين رابطة إيجابية بينهم وبين ما يرغبون في تحقيقه، ويريدون من الشعب أن يصفق ويهتف لهم. شعر المواطنون بأن الليبراليون في السعودية، فئة دكتاتورية شديدة الأنانية، وما يريدون تحقيقه يعود لرغباتهم الذاتية، والسعي نحو تحقيق الانتصارات الشخصية، وليست لرغبة الجمهور الذي يفترض أن تكون بينه وبينهم صلة من لغة الحوار، لذا، كسب الطائفيون ومشايخ الدعاة الرهان في المجتمع السعودي، فقد استطاعوا أن يكونوا أكثر قربا للجمهور الذي بات يتابعهم بشغف كبير، بل يجد أن أي مساس بهم هو خط أحمر، على الرغم من أن الكثيرين من الطائفيين أو الدعاة، سواء من المذهب السني أو الشيعي أو حتى الإسماعيلي، أدركوا حقيقة ما يجب أن يكونوا عليه، وإن كان البعض منهم لم يكن على المستوى المطلوب من الثقافة الزاهية، فالكثير منهم لا يعرف بول سارتر أو محمد عابد الجابري إلا بالاسم فقط، ولكن الجماهير تنظر إليهم بنظرة مختلفة، ولا تهمهم ثقافة شيوخ الدين بعيدا عن نطاق الدين، لهذا بنوا جماهيرية لا يمكن أن تغفل عنها، لأنهم يميلون للدخول في عمق التجربة الإنسانية والعقائدية على عكس “بنو ليبرل”، فكان نجاحهم يأتي من تأسيسهم لقاعدة يمكنها جذب الكثير من المدافعين والمناصرين لأفكارهم رغم رداءة البعض منها.

 

كان الطغيان الأكبر والأكثر تأثيرا يأتي من الطائفيين، فجماهيريتهم تبدو واضحة للعيان بأنها أكثر قدرة على تحريك عقول العديد من الجماهير وعلى الأخص الشباب منهم، من دون أن ننسى أن أهداف الليبراليين تتمثل في سعيهم لنقل عجلة اكتساب الحقوق بصورة عاجلة، ومحاولة تغيير ورفض عدد من القوانين، ومن ضمنها سعيهم الحثيث نحو إنصاف المرأة دون تردد، ومن دون الخوف من العواقب الوخيمة التي ستزج بهم في عراك لا طائل له، لكنهم يريدون أن يضعوا بصماتهم في التغيير، بعد أن فضلت الحكومة السعودية مؤخرا بأن لا تقف صامتة أمام الكثير من المطالبات بالتغيير، ومن أهمها المطالبة بتحقيق نموذج ديمقراطي يأتي متسقا مع تحفظات الشعب السعودي.

 

الطائفيون، لا فقط السعوديون وإنما حتى في الجزائر وليبيا وتونس، أدركوا أن السر الحقيقي يكمن في كيفية الوصول إلى الجماهير ومحاولة التأثير عليهم، مستفيدين من البرج العاجي الذي يقبع فيه الكثير من ليبراليي السعودية على سبيل المثال، واتخاذهم أنماطا لا تتناسب مع مجتمع لا يزال يتمسك بالعادات والتقاليد الموروثة، مع وجوب المحافظة على ما يظنونه بأنهم غير ملزمين بتغييره، غير مخالفين لشرائع الدستور الوطني، ومن هنا جاء مكسب الطائفيين ومشايخ الدين من حيث الولاء الخالص لهم.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه