2016-03-29 

هل الديكتاتوريات العربية اكثر تقدمية من الشعوب؟

بندر الحربي


العالم العربي بكل إرثه الثقافي والمعرفي , وبكافة ما دون على أسطر تاريخه  المعاصر من احداث جسام ,بدءاً من حركات التحرر الوطني, وما قبلها وما بعدها من حراك, بما فيها المحاولات الخجولة للولوج لعالم الحداثة والعصرنة, يظل , مجال خصب وميدان رحب  لدارسي الفكر السياسي ،ومنظري التراتبيات المرحلية للتركيبات الاجتماعية , سواء كان ذلك لصناع  ومفكري النظرية السياسية , او على مستوى الباحثين عن دروس التاريخ وعبره البسيطة , ولعلنا في هذا المقال نقتصر بالحديث حول ثنائيتان قد تتقاطع معهما  ثالثةٌ أخرئ، الا وهما ماهية الشعوب العربية ,وتلك الحكومات التي تدير دفة حكمها في دول نامية،  تهيمن عليها قناعات ومعتقدات دينية راسخة، لا تخلو من التسييس الديماغوجي، و تلك  هي الثالثة التي نعنيها مع اختيها السابقتان.


الثورات العربية او ما اصطلح على تسميته( بالربيع العربي), والتي كانت نتاج سنين من القمع وشمولية الانظمة الحاكمة, واستبدادها تطرح لدينا عدة ملاحظات  في سياق هذه الاحداث, وما نتج عنها من كوارث وطنية واضطرابات  سياسية , جعلت منطق الرصد والمقارنة يقول: إن  فترة حكم تلك الأنظمة ,التي وإن كانت تحكم  شعوبها بالحديد والنار قد شهدت  شئ من التنمية والاستقرارالوطني , الذي اصبح الكثير يتباكى عليه بعد ان أطل علينا العم (ربيع العربي) بأحلامه الطوباوية , وما جرته على سلامة الاوطان من قلاقل وفوضى اخرجت من جعبة الواقع مالم يخطر على بال وطن ولاعقل مواطن ,ولعل البعض يعتقد ان في هذا الطرح شى من التقليل من شأن تلك الثورات والاستهانة بتضحيات من قاموا بها , وذلك ما يجانب  الصواب , فلا يملك من يعاين مقاصدها الا ان يرفع لها  القبعة احتراماً، وينحني لها تقديراً , خصوصاً لتلك الارواح الزكية التي ارتقت الى بارئها وهي تمهد الطريق لحلم جميل وطموح مشروع لكافة الشعوب، وهو تقرير المصير والانعتاق من نير الاستعباد الذي شاع في (بلاد العٌرب أوطاني )، وذلك بدءاً من (ثورة الياسمين بتونس ومروراً , (بالورد اللي فتح في جناين مصر) , وثورة ليبيا واليمن , وسوريا وغيرها من البلدان العربية التي غنت موال الثورة ثم أحجمت عنه  كالجزائر والسودان.


إلا ان تلك الشعوب قد افرز واقعهاالجديد بعد استلامها لزمام إدارة الذات، وتنفسها لأولى نسائم الحرية ،عدة مؤشرات ودلائل, تؤكد أن الاشكالية هي في المقام الاول اشكالية ومعضلة فرد وقيم، لازالت بحاجة الئ المزيد من النضج والارتقاء بمستوى القناعات والفكر, قبل التشدق بشعارات الحرية والديمقراطية كفكر مقلد وليس اصيل، نابع من التجربة التاريخية , فما إن أٌسقطت تلك الحكومات ,والتي كانت على مساوئها بمثابة صمام امان ,  حتى طفى على سطح الواقع مالم يكن يتخيل حدوثه في ظل وجود تلك الانظمة من صعود للإسلاميين , للحكم ,حاملين شعارهم التقليدي المطاط ( الاسلام هو الحل)، وليذهب مابعده إلئ الجحيم , عبر صناديق اقتراع مثلت رغبة الشعوب في غفلة من الزمان ! ، مع ما رافق ذلك من فتاوى التكفير, وانتشار مظاهر التأسلم , وهوس الاحتكام الئ الشارع ,  وإقصاء الاطياف الاخرى من مكونات النسيج الاجتماعي, ما جعل الكثير من الفئات الاجتماعية تنكفى على قوقعتها المذهبية والدينية, أو ترتمي بأحضان حلفاء الخارج، عندما انكسرت بيضة الوطن بغياب الدولة الجامعة, التي كانت قادرة على كبح جماح المارد الديني والوقوف في وجه مريديه المغيبين ، وذلك مايحسب لتلك الأنظمة رغم دمويتها .


إن فشل التحول الئ الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة بعد تلك الثورات والحراك السياسي الضخم  ,يعزى في مجمله إلى اشكالية ثقافة  ومنشى عقل ، قبل كونه معضلة سياسية او امنية , فالإرث التاريخي الثقيل الذي ترعرعت عليه افراد تلك الشعوب الثائرة ,ينطوي ع الكثير من مفاهيم الاقصاء والتهميش للطرف الاخر ,وعدم احترام الراي المعارض  او تقبل مشروعية المعارضة والاختلاف , بل وارجاع غالبية اوجه الخلاف الفكري الى اسس دينية, قد تقود في نهاية الامر الى التكفير عبر احتكار  الحقيقة   , ورمي المخالف للراي بالعلمانية والالحاد والعمالة مع اضمحلال دور المثقف العربي التنويري وانكماش مساحة النخب الثقافية والفكرية المستقلة , امام موجات العقل الجمعي الغارق في اطروحات دينية هي على بعد اميال فكرية من الوسطية والاعتدال.                        


         في ظل تلكم الملامح التي تشكل سلم القيم والقناعة لدى تكوين وشخصية المواطن العربي , فإن واقع الحال في صورته العامة لن يخرج عن الثنائية البديهية والمتوقعة كنتاج طبيعي لتلك المقدمات , وهي(  الاسلاميون واسلامهم السياسي امامكم, و العسكر و حكم الدبابات  خلفكم ) ، ولا عزاء للدولة المدنية في ذلك ,فمن الشوك لايجنئ العنب، ولايقطف الورد من حقول  الألغام.،ولنا في مصر خير عبرة ومثل.

التعليقات
علي ابو القاسم

مقال الاستاذ بندر الحربي يتميز بالدقة في التحليل وتشخيص الحالة التي آل اليه حصان طروادة " الربيع العربي " ، كما يجب أن نضع اربع خطوط عريضة تحت هذه الكلمات " إن فشل .. التبادل السلمي للسطلة بعد تلك الثورات والحراك السياسي الضخم يعزى في مجمله إلى اشكالية ثقاف ومنشى عقل " والسلام

ابو وائل

كالعادة يتحفنا الكاتب السعودي الاستاذ بندر الحربي بإبداعاته.. الملك سلمان وقادة الخليج وخاصة السعودية قدموا لنا الكثير وبوحدتهم الأخيرة وعملهم المميز جعلونا نفخر ونفاخر بهم ...

أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه