2015-10-10 

ماذا تتذكر الشعوب

سمير عطا الله

اعترض السفير الألماني لدى بريطانيا، توماس ماتوسك، على المنهاج التعليمي: لقد مضى نحو 60 عامًا (آنذاك) على الحرب ومدارسكم لا تعلِّم طلابها شيئًا سوى المرحلة النازية. أُدباؤكم لا يذكرون أحدًا سوى هتلر. علماؤكم لا يبحثون شيئًا سوى أسلحة الحرب. أفلامكم لا تصور أحدًا سوى جزمات رجال الصاعقة. أين العدل في ذلك أيها السادة؟ إن المرحلة النازية برمَّتها لم تتجاوز 12 عامًا من تاريخ ألمانيا والألمان. أين بيتهوفن وشيللر وغوته؟ أين أديناور، الذي أعاد بناء ألمانيا الغربية دولة كبرى من بين ركام الحرب؟ أين رجال الصناعات والاختراعات والصحة؟ أين رجال البناء والطرقات؟ أين الفلاسفة والمفكرون والاقتصاديون؟ هل أن ألمانيا لم تُنتج أحدًا سوى هتلر، الذي جاءها من النمسا في أي حال؟ الإحصاءات كانت أسوأ. الأكثرية الكبرى من البريطانيين لا تزور ألمانيا ولا تعرف الكثير عن لغتها. والناس تسافر إلى أميركا وإسبانيا وفرنسا، لكن القلة يدفعها الفضول إلى التعرف على ألمانيا. لماذا؟ لماذا طغت انطباعات 12 عامًا على سائر التاريخ؟ المرارة، أسوأ ما في حروب النازية على بريطانيا وسواها. إنها كانت مجانية. اعتداء سافر وافتراء صلف. ولد هتلر في النمسا، وحكم ألمانيا، ثم خرج يريد أن يحكم أوروبا. التاريخ دروس لا فائدة منها ولا يتعلمها أحد. خرج صدام حسين يريد إيران، ثم خرج يريد إزالة الكويت. لم يتعلم ستالين من عدوه الأكبر هتلر أن إرادة الشعوب تعلق، لكنها لا تُقهر. اليابان توسعت في كل الاتجاهات توزع الموت والذل. وها هي الآن تعتذر من الجميع وتفرح بتوزيع السيارات وآلات التبريد. وعندما تكتشف إيران بعد حين أنها تكرر، بالواسطة، محاولات صدام، يكون الثمن باهظًا عليها وعلينا. دائمًا تعثر نزعة التوسع والاعتداء والافتراء على لفظيات مكرورة. وينتهي الأمر دائمًا بدرس ممحي على اللوح الأسود. لأن الدروس تُكتب بالطبشور الذي هو سريع الإمحاء لمن لا يملك ذاكرة مرفقة بالضمير. لا أعرف أي ذكرى تريد أن تترك إيران في أفئدة العرب وفي عقولهم وفي كتبهم. وماذا تتوقع أن تكون مشاعرهم عندما تقول لهم إنها جاءت من طهران لتقيم قوسًا من المتوسط إلى البحر الأحمر، شعاره فلسطين، وساحته تعز والحديدة وحضرموت. وكيف تريد من السوريين أن ينظروا، بعد مائة عام، إلى صور الرماد والدمار؟ وكيف سينظر العرب في كل مكان إلى جارة لم يسمعوها يومًا تتحدث لغة المصالحة والتآخي والجوار؟ فقط اللغة الاستعلائية وصور «رجال الصاعقة» يقودون القتال بين العرب، وليس معهم. ولا مرة معهم.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه