2016-03-14 

حتمية التصدي للمشروع الإيراني التوسعي

صديق محمد جوهر


العرب - قبل عهد باراك أوباما كان التحول الجوهري الذي طرأ على منظومة الحكم في إيران منذ انتصار الثورة الإيرانية بقيادة الخميني في العام 1979، والطموحات الإقليمية الإيرانية من بين أهم وأشد التحديات إلحاحا من منظور السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية، حيث تابع المراقبون الأميركيون على اختلاف توجهاتهم، بقلق متزايد، الأوضاعَ في الجمهورية الإيرانية الإسلامية وإصرار النظام الإيراني الدائب على القفز فوق مسرح الأحداث بالشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي، وعلى تعزيزه لقدراته العسكرية النظامية، ونهجه المتصلب إزاء امتلاك قدرات نووية في تحد صارخ لكل الانتقادات الدولية.

 

وكان سلاح الجو الأميركي يأخذ التهديدات والتحديات الخطيرة التي يمثلها نظام الحكم في الجمهورية الإيرانية الإسلامية مأخذ الجد. وكان من المرجح أن استخدام الضربات الجوية لقصف إيران سيكون آخر الخيارات العسكرية التي قد تلجأ إليها الإدارة الأميركية لاستعراض قوتها أمام الدول الصديقة في الجوار الإيراني، وهي الضربات التي من شأنها طمأنة حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، والحيلولة بين إيران وبين شن أي عدوان على أي من البلدان المجاورة، أو التورط في أي مغامرات عسكرية حمقاء.

لفترات طويلة ظلت الأمثلة الدالة على تفوق القوة الجوية الأميركية ماثلة في أذهان صانعي السياسة الإيرانية. وكانت خشية الحكومة الإيرانية تنبع، إلى حد بعيد، من الحصار والتضييق اللذين تمارسهما الولايات المتحدة على النظام في طهران، ومن تواجد القوات الجوية الأميركية عن كثب في دول الجوار. وفي سياق متصل فقد برهن تفجير أبراج الخُبَر في عام 1996 على أن هذا القرب الشديد يضع، يوما وراء يوم، أرواح العاملين في القوات الجوية الأميركية ومقدرات هذا السلاح في دائرة الخطر جراء أي عمليات إرهابية لا نظامية وفي مدى الإصابة بالصواريخ الإيرانية الباليستية المحتملة.

 

وقد أدى بنا البحث في الفكر الاستراتيجي الإيراني إلى اكتشاف أن العقائدية السياسية والتبجح السياسي غالبا ما يكونان ستارا تختفي وراءه الانتهازية السياسية والواقعية السياسية المبنية على عوامل عملية ومادية لا على عوامل نظرية عقائدية أو أخلاقية، وهي الخصائص التي تميز أي مسلك سياسي “معياري” لأي دولة من الدول. وانطلاقا من هذا المفهوم فإننا إن دققنا النظر في احتمالات القوة الإيرانية المستقبلية، فلن يكون في مقدورنا تحديد مدى التهديد والخطر الذي ينطوي عليه كل احتمال من هذه الاحتمالات فحسب، وإنما أيضا تحديد نطاقات حدوثها ومدى تأثيرها.

 

وفي تحليلنا لكل احتمال من هذه الاحتمالات يمكن تحديد العوائق والموانع الحقيقية التي تقف حائلا دون تحقق هذه الاستراتيجية الإيرانية. تلك العوائق والموانع تضرب بجذورها العميقة في الأرضية الجيو سياسية الإقليمية التي تهدف الاستراتيجية الإيرانية إلى ممارسة التأثير عليها، كما أن ثمة عائقا ثالثا يتمثل في العزلة الدبلوماسية المضروبة حول إيران في محيطها الشرق أوسطي حتى بعد إزالة العقوبات، ورابعا في تعثر إيران الاستراتيجي في مواقف سياسية سابقة بعينها. كما يأتي في ذات السياق التوتر القائم في العلاقة بين النظام الإيراني والمجتمع الإيراني من الداخل، والذي يتزايد فيه باطراد كم الشرائح الاجتماعية التي تستفيق يوما بعد يوم من خدر الأوهام الثورية للجمهورية الإسلامية بما يشكل أيضا كابحا من كوابح المسلك السياسي الإيراني الخارجي.

 

ويفضي بنا هذا الوضع إلى أن الاستنتاجات والإرهاصات السياسية والعسكرية المبنية على أوضاع الحرب بالوكالة التي تخوضها إيران، حاليا، في اليمن وسوريا والعراق تعد قياسات صحيحة نظرا لتداعياتها المفزعة في حالة استمرار الوضع الحالي في المنطقة. فالجمهورية الإيرانية الإسلامية ما فتئت تستخدم خطابا سياسيا كاذبا مخادعا منافيا لنواياها الحقيقية. ورغم أن الإيرانيين قد تمكنوا من خداع إدارة باراك أوباما من خلال المماطلة واللف والدوران وخلط الأوراق، إلا أن محاولة إيران وأتباعها تزييف الحقائق وإعادة استنساخ أسطوانة المقاومة المشروخة، والادعاء بأن الطريق إلى القدس يبدأ من الزبداني وتعز والأنبار قد تحولت إلى أضحوكة ونكتة سخيفة يتندر بها القاصي والداني في العالم العربي.

 

إن إيران لا ترمي إلى توسيع مجالها الحيوي والاستيلاء على أراضي الغير، ولا حتى إلى فرض الأيديولوجية الطائفية التخريبية على جاراتها من الدول فحسب، وإنما تحاول زعزعة النظام الإقليمي العربي بأسره من المحيط إلى الخليج من خلال إذكاء نار الفتن وحروب الطوائف خاصة في دول الجوار.

 

إن خيارات الاحتواء الأميركي الحالي للنظام الإيراني الفاشي سوف تضع في متناول الحكومة في طهران المزيد من الفرص التي يمكنها أن تستغلها لصالحها، فتوسع وتضخم قوة التأثير التي كانت الولايات المتحدة في عهود ما قبل أوباما تحاول إضعافها والنيل منها. وبناء على ذلك فإن استراتيجية المواجهة التي تستخدمها دول مجلس التعاون في الوقت الراهن هي الاستراتيجية الناجعة التي ستقضي، عاجلا أو آجلا، على التمدد السرطاني الإيراني في المنطقة.

 

لقد بدأت أحلام الامبراطورية الفارسية الجديدة تتهاوى بعد الانتصارات التي حققتها قوات التحالف العربي في اليمن. في الحقب الماضية كانت الولايات المتحدة تعتمد في مواجهتها مع النظام الإيراني على استغلال الكوابح الفعلية التي تؤثر على القوة والنفوذ الإيرانيين في منطقة الخليج العربي. ومن بين هذه الكوابح التصدي لتطلعات إيران ورغبتها العارمة في امتلاك قدرات عسكرية غير تقليدية تعوض النقص في قواها العسكرية التقليدية محدودة القدرات، وكذلك اللعب على العلاقات بين إيران ووكلائها من الميليشيات الإرهابية في سوريا ولبنان واليمن والعراق ودول أخرى عديدة، علاوة على الخلايا النائمة في معظم دول المنطقة، والأخذ في الحسبان احتمال تعرض إيران للنقد اللاذع من قبل الرأي العام العربي الذي طالما حرصت طهران على استغلال تأييده لها عن طريق الضحك على الذقون وترويج خطابات المقاومة المزيفة. أما الآن فلم تعد استراتيجية الكوابح مجدية بعد ما كشفت إيران عن سوءاتها في اليمن وسوريا والعراق، وبعد ما تجرد حزب الله اللبناني من آخر ورقة توت كانت تستر عورته الفارسية.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه