2015-10-10 

من مرحلة «كوينسي» إلى حقبة سلمان

أيمـن الـحـمـاد

ظروف التحالف السعودي - الأميركي عام 1945م الذي احتضنته البحيرات المرة بين الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن والرئيس روزفلت اختلفت اليوم. في ذلك الوقت كنا بصدد مرحلة عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية؛ حيث شهدت تلك الفترة صعود الولايات المتحدة وبروزها كقوة عالمية، وبداية انطلاقها تكنولوجياً وطبياً واقتصادياً، حيث اخترع "الترانستور" في عام 47، وظهر عقار البنسلين كعلاج ثوري في تلك الفترة، وتزامن ذلك مع تدفق النفط من أرض المملكة كسلعة استراتيجية حيوية أكسبت العلاقة طاقة هائلة امتدت إلى يومنا هذا، وفرضت تفاهمات ومعايير سياسية واقتصادية وعسكرية معينة. ها نحن اليوم بصدد مرحلة جديدة في العلاقات بين المملكة والولايات المتحدة، فبعد أن أرسى لقاء "كوينسي" الشهير بين الملك عبدالعزيز والرئيس الأميركي روزفلت أُسس العلاقة بين البلدين، يؤسس اليوم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس باراك أوباما لمرحلة وحقبة جديدتين بظروف تناسب القرن ال21.. علاقة تختلف في معطياتها عن المرحلة الماضية، وهو تطور طبيعي يأتي بعد سبعة عقود من العلاقات الممتدة بين الرياض وواشنطن. هذا التطور فرضته لحظة العولمة والتقدم التكنولوجي، والاقتصاد المبني على المعرفة، وتبدّل لغة السوق ومفاهيم التجارة، واضطرابات الشرق الأوسط، وإفرازات "الربيع العربي"، والاتفاق النووي الإيراني، وتعاظم خطر الإرهاب وتداعياته على الأمن الدولي، وتبدّل المقاربات الأمنية الكلاسيكية لتمتد إلى الفضاء السيبراني؛ حيث شبكات الانترنت أصبحت سلاحاً فتاكاً يستوجب المواجهة. تدفع المملكة والولايات المتحدة بعقد الشراكة الاستراتيجية الجديدة من أجل علاقة أكثر حيوية تتناسب مع جيل يختلف عن سابقه، جيل يدير عالمه عبر تطبيقات يحملها في هاتف بحجم كف يديه. ومثلما كان النفط محوراً أساسياً ورئيسياً في العلاقة بين الجانبين، فإن التكنولوجيا بكل أبعادها وتأثيراتها هي كلمة السر في المرحلة المقبلة، حيث تبدلت العلامات التجارية والصناعات التقليدية الأميركية التي ترفدها مصانع ديترويت إلى علامات تكنولوجية رقمية بدءاً من جوجل وأبل إلى مايكروسوفت؛ حيث تدار وتبتكر تلك العلامات في وادي السيلكون في كاليفورنيا ومعهد ماساشوستس التكنولوجي. في هذه اللحظة يؤمن الجانبان السعودي والأميركي بأهمية كل منهما للآخر؛ فهناك معطيات لا يمكن أن تتبدل أو تتغير أو تنحسر بفعل التقادم، بل إنها تتعزز كالموقع الجغرافي، والحضور الثقافي والسياسي، والمكانة الاقتصادية، والقدرة على التطور والمواكبة لكل جديد.. فالمملكة في قلب آسيا، وقبلة المسلمين، ودولة في "اقتصاد العشرين"، ورقم مهم في سوق الصناعات الرقمية، وهي من أكثر الدول استهلاكاً للمنتجات التقنية بدءاً من الملموس منها كالحواسيب والهواتف المحمولة إلى التطبيقات مثل "تويتر" و"فيس بوك" و"سناب شات"... إلخ، يضاف إلى ذلك القناعة بالدور الذي يمكن أن يقوم به كل طرف في المنطقة والعالم، وتجلّى ذلك مؤخراً في التحالف الدولي لمكافحة التنظيمات المتطرفة.. وبقدر ما أن الرياض وواشنطن متحمستان لإطلاق الحقبة الجديدة، إلا أن المملكة معنية اليوم أكثر بالتعلم من دروس النفط، إذ يجب علينا أن نتحول من مستهلكين للتقنية إلى مبتكرين ومصنّعين لها، مستندين على حصيلة وأرضية صلبة أنشأتها الولايات المتحدة في هذا المجال، وضرورة أن ننطلق منها لا أن نبدأ من الصفر. نملك اليوم في المملكة القدرة والمهارة والعلم والشباب؛ وهي معطيات افتقدناها ولم نكن نملكها في أربعينيات القرن الماضي عندما تحالفنا مع الولايات المتحدة.. لقد كبرت العلاقات مع أميركا وأصبحت ناضجة وأكثر ندية من أي وقت مضى.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه