2015-10-10 

لهذه الأسباب... الوضع في سوريا إلى الأسوأ!

* ميليسا فليمنغ

ما زلتُ أستذكر وبشكل جيّد جداً ما كان يدور بيني وبين اللاجئين في حواراتي معهم، عندما كانت الأزمة السورية في عامها الأول. لم يكُن آنذاك عدد الذين لجؤوا إلى بلدانَ مُجاورة إلاّ آلافاً لم تصل المليون من السوريين. قُمت بزيارتي حينها إلى مخيم اللاجئين السوريين في البقاع/لبنان ،حيثُ كان الآلاف منهم يحاول الحصول على مظهر من مظاهر الحياة الطبيعية في هذه المخيمات المتهالكة. ظهر جلياً كم كان العديد من اللاجئين السوريين تحت تأثير الصدمة. تحولت ابتساماتهم إلى وجوهٍ عابسة يملؤها الأسى. اغرورَقَتْ عيونهم بالدمع عندما تعمّقنا في حديثنا إليهم. لم يُبقِ لهم العُنف منزلاً. عُنفٌ قام بقتل أصدقائهم أو حتّى تشويههم. مع ذلك كُلّه، كان مُعظم اللاجئين على ثقةٍ تامةٍ أنَّ الحربَ ستنتهي قريباً جداً،و أنَّ حياتَهُم في الخيام ما هيَ إلاَّ حياةٌ مؤقتة. اليوم، اقتربَ الصراعُ من أنْ يدخل عامَه الخامسَ. أصبح عددُ اللاجئين ٣.٨ مليونَ لاجئٍ،في جوّ عامّ يتّشحُ بالسواد. معظمهم لم يعُد يرى أفقاً للعودة إلى وطنه مُستقبلاً، في حينٍ يرى آخرون أنَّ فُرصهم في بداية حياتهم من جديد في المنافي باتت ضعيفة! في الداخل السوري،مَن أقوم بالتحدث إليه بالكاد لديه القُدرة على رؤية ما بعدَ نجاته في اليوم التالي! و بوصفنا معنيّينَ بتقديم يد العون للسوريّين الناجين لتجاوز محنتهم ،فنحنُ نقوم بمشاركتهم أوجاعهم المتزايدة. ولأجل ذلك،قُمنا بتسجيل ما مرّوا به من صدمات، واحدة تلوَ الأخرى، رغم تضخم عددهم ليصل الملايين منهم. لم ننفكّ عن التفاوض والعمل بالنيابة عنهم في البحث لهم عن أرض و ملجأ وعناية صحية، والبحث كذلك عن ما يحتاجونه من طعام ومدارس. وشاهدنا كم أصبحَ تحصيل احتياجاتِهم الأساسية أكثرَ صعوبة من ذي قبل. بكينا معهم على من فقدوا من فلذات أكبادهم ،نتيجة المرض الشديد نظراً لنقص العلاج المطلوب. مع ذلك كُلّه ،لم نفقدْ ،حينَها،الأملَ في الغد. أمّا اليوم،لم يعُد بمقدرونا التشبث بالأمل كل يومَ، للأسباب التالية: ١. لا بصيصَ لحلٍّ سياسي في الأفق الحلُّ الوحيد والحقيقي للأزمة الإنسانية في سوريا هو إنهاء الصراع. ولكن لسوء الحظ، يبدو أنَّ هذه النهاية بعيدةٌ جداً، حيثُ أنَّ القتال في سوريا ما زال مُستمراً مُتنقّلاً في التدمير ،على الرغم من محاولات السلام القائمة، بما فيها محادثاتٌ تجري في موسكو ومُقترح هُدنة تم تقديمُه في حلب. ٢.المُعاناة في الداخل السوري ما زالت تزدادُ سوءاً ما زالَ اثنا عشرَ مليونَ سوريّ في داخل سوريا يحتاجون المعونة للبقاء على قيد الحياة؛أينصفَسُكان سوريا. وما يُقاربُ ثمانية مليونٍ منهم أُجبروا على ترك منازلهم أو على مُشاركة غرفٍ تسكنها عائلاتٌ أخرى أو حتّى التخييم في مبانٍ مهجورة . وما يقرُب من ٤.٨ مليون سوريّ يعيشون في مناطقَ يصعبُ الوصول إليها،بمَن فيهم ٢٤١،٠٠٠ سوريّ يعانون الحصار في المناطق المُسيطر عليها،محرومينَ من المساعدات الإنسانية والمعدات الطبية،و غيرَ قادرين على الهرب منها! ٣.لا مفرَّ للجوء ما دامت حدود الدُول المجاورة مغلقةً أمام اللاجئين مع تنامي الهواجس التي تدور حول الأمن والعدد المتزايد لللاجئين، قامت دُول الجوار باتخاذ بعض الإجراءات والضوابط للسيطرة على المدّ البشري منهم .فما قامت به كُلٌّ من لبنان والأردن والعراق في هذا الشأن،أنّها فرضت بـِدورها قيوداً أكثرَ حزماً على المسموح لهم بعبور حدودها. مع اعتبار أنَّ الحدود التركية-السورية الأكثر ضبطاً لعملية دخول اللاجئين مع وجودِ نظامِ مراقبةٍ تمَّ إنشاؤه لضمانِ دخول الحالاتِ الإنسانية فقط. هذه التطوّرات أجمع جعلت الأمرَ صعباً على مَن لا يمتلك تأشيرة سفر أو معارفَ في بلدان أخرى ممّا أدى لانحسار عدد اللاجئين الجُدد في البلدان المذكورة. ٤.ارتفاع وتيرة العَداء تجاه اللاجئين في الدُول المُضيفة باتَ جليّاً لدى اللاجئين أنَّ الدول التي استضافتهم قد طفحَ بها الكيلُ، وأنَّ تلك الأيام التي أقبلَ فيها الناس على فتح بيوتهم للاجئين قد ولّت بلا عودة. لم يعُد هُناك ما يكفي من أماكن لإيوائهم، حيثُ أنَّ ٨٥٪ من السوريين يعيشون في المجتمعات المحلية؛أي خارجَ المخيمات. ويُشكل اللاجئون السوريون والفلسطينيّون ما نسبته ٢٥٪ من سُكّان لبنان. رقمٌ مهولٌ لا تجدُ له مثيلاً في شتّى بقاعَ الأرض!وممّا يزيدُ من غضب المواطنين أنَّ اللاجئين السوريين يتقاضَوْن أجوراً بالكاد تسدُّ رمقهم، لكّنها تدفع بالمواطنين إلى ترك أعمالهم. بالإضافة لما يُروّجه الإعلام من تقارير كاذبة تُظهر اللاجئين كإرهابيّين. ٥.ارتفاع وتيرة العَداء في أوروبا ومع وصول عدد اللاجئين السوريين في الدُول المجاورة حدّاً يفوق الطاقة الاستيعابية لها،أصبحَ من اللازم أن تُشاركَ دُولٌ أخرى في تحمل هذا العبء. ومع ذلك،ظهرَ عَداءٌ لا ينفكّ يتوسّعُ ويكبر تجاه اللاجئين،مترافقاً مع وجود حركاتٍ مناهضة للهجرة تزدادُ بقوّة ملحوظة. ففي ألمانيا والسويد،تمّ استقبالُ نصفِ عدد اللاجئين في الاتحاد الأوروبي، رغمَ وجود حركات مناهضة للّجوء. فبَعدَ مجازر باريس ،أصبحَ هُنالك خطرٌ يتجسّد في اعتبار المسلمين تهديداً في نظر الأوربيّين، تزامناً مع توجّهٍ عامّ لرفضهم لا قبولهم في المجتمع. ٦. تراجع عمليات إنقاذ اللاجئين في البحر اضطر آلافٌ من السوريّين عبورَ البحار،نتيجةً لعدم وجود طُرق شرعية للعبور إلى أوروبا.العديدُ منهم يُقدّم كل مدخراته لمُهرّبين مُنعدمي الضمير يقومون بدفعهم إلى طُرقٍ في البحر وأرضٍ يَحُفّها الخطر. ففي العام الفائت،سُجّل ما يقرب ٢٢٠،٠٠٠ لاجئ ممّن هربوا في قوارب غير آمنة ليقطعوا عرضَ البحر المتوسط؛ أي ثلاثة أضعاف ذلك الرقم المُسجَّل أثناء الحرب الأهلية في ليبيا،في عام ٢٠١١. لم يتمكّن آلافٌ منهم من العبور،عندما غرقوا مُحاطين بالخوف والرُعب في قواربَ مُتهالكة،لم تستوعب رُكابها. أمّا أولئك الذين نجوا باتوا يُخبرون قصصاً مُروّعة عن رحلتهم المُضنية تلك. وعلىالرغم من كل ذلك،فإنَّ التجاوب الأوروبي لهذه المأساة المتزايدة لم يرفع من سويّة الجهود المبذولة في الإنقاذ،بل تراجع عنها. ٧. تضاؤل التبرعات للمنظمات الإنسانية أصبح عددُ السوريّين تحتَ مظلّة المُفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين هُو الأكبر عالمياً.وقد أنهَكت هذه الظروف كُل مدخرات السوريّين ممّا جعلَ العديد منهم يلجأ إلى التسوّل أو عمالة الأطفال أو حتّى البغاء،لتغطية نفقاتهم. ومع حلول العام المنصرم ،فإنَّ نسبة المساعدات قد وصلت ٥٤٪ من المقدار الذي يحتاجه اللاجئون خارج سوريا ونسبٍ أقل تصلُ داخلها. ٨. أكثرُ من نصف اللاجئين الأطفال خارجَ المدارس أكثر من ٢.٣ مليون طفلٍ سوري ليسوا بمدارسهم .وفيما يخصّ اللاجئين،فإنّ الوضع يزداد سوءاً مع أرقامٍ باتت حقيقية توضح أن نصف هؤلاء الأطفال لا يتلقّون تعليمهم. ومّما لا شكَّ فيه فإنَّ ترك الأطفال لدراستهم قد يؤدي بهم لأن يتمّ استغلالهم في سوق العمل أو أن تُجبَر بعض الفتيات على الزواج المُبكّر،أو أن تستغلَهُم القوى في داخل سوريا لضمّهم في صفوف المقاتلات. ٩. تزايد أعداد النسوة المُكافحات من اللاجئات السوريات تتولّى أكثر من ١٥٠،٠٠٠ امرأة سورية في المنافي المترامية مسؤولية أعباء المنزل لوحدها دون مُعيل أو معين؛امرأة من بين كُل أربع في مصر، ولبنان والأردن،لأسباب عدة أهمها وفاة أزواجهنّ أو فقدهنَّ لهُم في الصراع الدائر في سوريا. ١٠. جيلٌ من أطفال سوريا بلا جنسية ترافقت مُشكلة الأم العزباء ومسؤولياتها مع إنكار جنسيةطفلها ،ليُصبحوا محكومينَ بحياة عنوانها انعدام الهوية أو الجنسية وحرمانهم من التقدم للوظائف الرسمية أو تلقّي التعليم أو الرعاية الصحية . ثلاثةٌ من أصل أربعة أطفال لا يحصلون على شهادة ميلاد نظراً لصعوبة إثبات صلتهم ببلدهم سوريا.العديدُ منهم يواجه تبعات هذه المشكلة مُتمثلة بعدم اعتراف القانون في سوريا بأحقيّة الأم بمنحِ أطفالها الجنسية التي تحملها. و ان لم يتمّ علاج هذه القُنبلة الموقوتة فإنَّ عواقبها ستكون وخيمةً جداً. كم هُو أليمٌ أن نرى أن أصحابَ التأثير والقرار في هذه القضية لم تكن لديهم المقدرة أو لم يكونوا راغبين في وضع حدٍّ لهذا الشرّ المُقترن بالحرب في سوريا. وأصبحَ مُقلقاً للغاية أن نشهدَ اللامُبالاة المتزايدة لمحنة هؤلاء الضحايا. مع ذلك كُلّه،ما زالت بشائرُ الإرادة والإنسانية التي نلمسها من المتبرعين الأسخياء وآخرين راغبين في تقديم يد العون ،مع أصوات تتعالى من الحركات تناشد بإحلال السلام ،موجودة! *ميليسا فليمنغ /الناطقة الرسمية باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. * ترجمة وتحرير رباب طه لصحيفة "الرياض بوست"

التعليقات
آية
2015-02-28

رائعة أ. رباب ! مقالة شملت كل مأساتنا .

أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه