2015-10-10 

الرجل الذي قتل الوحش

داود الشريان

المثقفون المصريون يحاصرون الكاتب المسرحي علي سالم، منذ العام 1970. وهو ردّ على هذا الحصار بسؤالٍ لخّص أزمتهم معه، وقال متسائلاً: «هل خسروني بإرادتهم أم مرغمين على ذلك؟». سبب الحصار أن علي سالم يرى «ضرورة الانتقال من صراع الحرب إلى تنافس السلام» مع إسرائيل. هذا موقفه، ولكن لم يحاوره أحد. وجرى التعامل معه بالوشاية والتلفيق والشتم، على رغم أنه أبرز كتّاب المسرح المصري والعربي في العصر الحديث، فضلاً عن أنه من أهم المبدعين في جيله، والمكانة التي وصل إليها في الكتابة المسرحية لم يبلغها سواه. وإذا كان التاريخ السياسي في مصر والمنطقة سيعاود النظر في عبقرية أنور السادات، وينصفه، لأنه فتح أفقاً سياسياً جديداً وشجاعاً، وقابلاً للتطور ومؤهلاً للانتصار، فإن تاريخ المسرح في مصر والعالم العربي سينصف علي سالم بالمقدار ذاته، وستجد أعماله التي حُجِبت عنوة، طريقها إلى المسرح في المستقبل. غَيَّب المثقفون المصريون أعمال علي سالم المسرحية، على نحو يعدُّ سابقة في ضيق الأفق، والتعسُّف، وحرموا المصريين والعرب من مشاهدتها على خشبة المسرح. لكنه لم يتراجع عن موقفه، وهو يقول تعليقاً على محاصرة أعماله: «الغالبية لا تُطمئِن المُبدع والمفكّر، ووجودها في جانبه كثيراً ما يكون عيباً وليس ميزة. فالحقيقة مِلكُ فرد بعدها يكتشف الناس صحة ما يراه»، وهو يشبّه موقفه بـ «رجل السياسة الذي كان يخطب، ووجد الناس تصفِّق له، فسأل أحد مساعديه: هل أخطأتُ في شيء!؟»، ومن يقرأ تاريخ قادة الرأي الكبار في تاريخنا، مثل أحمد بن حنبل، يدرك معنى كلام علي سالم. أولى مسرحياته كانت «ولا العفاريت الزرق»، كأنه كان يتنبّأ بموقفه من حصار المثقفين له. ويُنسب له الفضل في تقديم جيل السبعينات من نجوم الكوميديا المصرية، وهم عادل إمام وسعيد صالح ويونس شلبي، في مسرحية «مدرسة المشاغبين». علي سالم معجون بمعاناة الشعب المصري وخفة دمه، وقدرته على التجاوز، وهو أفضل مَنْ عبّر عن مزاج المصريين. بدأ حياته الثرية محصّل أجرة «كمسري» في أوتوبيسات النقل العام، وسائق لعربة «طفطف»، وهي عربة صغيرة كانت منتشرة في شوارع الإسكندرية خلال ستينات القرن العشرين، لذلك، استطاع أن ينقل زحمة الأوتوبيس إلى نصوصه المسرحية المبدعة، بكل ما يحتويه الزحام من شخصيات وحكايات، وطرائف ومواقف. كان علي سالم يمثّل وجدان الشعب المصري، والده كان شرطياً، وأحد أشقائه قُتِل في حرب عام 1967، وحياته ونصوصه كانت تجسيداً للشخصية المصرية الأصيلة. رَسَمَ الضحكة على شفاه ملايين العرب. كان «الرجل الذي ضحك على الملائكة». ألّف 40 مسرحية، و15 كتاباً ورواية. وفلسفته في التأليف المسرحي أن «كتّاب الكوميديا لا يرسمون الفكاهة لأنهم (مهذارون)، بل لأنهم جادّون، لأبعد الحدود، فخفوت صوت الجدّ في مجتمع ما، يترتب عليه انهيار الكتابة الفكاهية». لا شك في أن حصار «الرجل الذي قتل الوحش»، عثرة تاريخية للمثقّفين المصريين والعرب، ودليل على خور في حرية هذا الوسط، وضعف استقلاليته وشجاعته، وعجزه عن مواجهة السائد. الثقافة التي تُدار بقوانين الشعارات السياسية، ثقافة مسلوبة الإرادة. الأكيد أن الساحة الثقافية التي تحاصر مثقّفاً بسبب رؤيته ورأيه، ساحة مرتبكة. حين يُدرَس تاريخ علي سالم الجميل والحافل، سيصبح دليلاً على أن المثقّفين المصريين في زمانه كانوا يعيشون حال التباس بين دورهم ومصالحهم. صحيفة الحياة

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه