2015-10-10 

العراق المنهوب والإصلاح المستحيل!

راجح الخوري

السؤال الأكثر دلالة على حقيقة ما سيواجهه حيدر العبادي الآن، بعدما اتخذ قراراته الإصلاحية هو: هل العراق يعاني من فساد الدولة أو من دولة الفساد؟ بمعنى أن الأعوام الثلاثة عشر الماضية التي تسيّد فيها نوري المالكي بدعم واضح من إيران هي التي جعلت من الفساد دولة قائمة بذاتها في العراق ليس من السهل اقتلاعها! صحيح أن تضافر موقف المرجعية الدينية العليا ممثلة بالسيد علي السيستاني، الذي يدعو منذ أعوام إلى محاربة الفساد مع المظاهرات الشعبية غير المسبوقة التي تدعو إلى محاسبة الفاسدين واللصوص الذين جعلوا من العراق دولة منهوبة، هو الذي دفع حيدر العبادي إلى اتخاذ قراراته الإصلاحية، وفي مقدمتها إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، لكن الفساد بات دولة عميقة ومتجذرة، وهو ما يضاعف الصعوبات والعراقيل التي ستواجه الإصلاح. عمليًا، أدى انقطاع الكهرباء في طقس لاهب، إلى انفجار الوضع فخرجت مظاهرات غاضبة وهياج متصاعد، ولم يكن في وسع الأحزاب تطويق الأمر وإنهاؤه، ولا كان مثلاً في وسع نوري المالكي تحديدًا عبر مراكز النفوذ التي كان قد زرعها في إدارات الدولة، أن يحرف هذه المظاهرات عن هدفها لكي تبدو وكأنها ضد حكومة العبادي بما يفتح أمامه إمكان العودة إلى السلطة. وهكذا، تعمّد العبادي يوم الثلاثاء الماضي نقل وقائع جلسة مجلس النواب مباشرة على الهواء، وأصر بالتوافق مع رئيس المجلس سليم الجبوري على أن يتمّ التصويت برفع الأيدي لا إلكترونيًا، بحيث يرى العراقيون من أيَّد الإصلاحات ومن رفضها، وفي أقل من نصف ساعة أقرّ المجلس بغالبية 297 نائبًا من أصل 325 حزمة إصلاحات العبادي، إضافة إلى حزمة أخرى قدمها الجبوري. وإذا كانت الاحتجاجات الشعبية قد انفجرت احتجاجًا على تردي الوضع الكهربائي رغم أنه تمّ صرف أكثر من أربعين مليارًا من الدولارات على هذا القطاع، فإن دولة الفساد متجذرة إلى درجة ستضع عملية الإصلاح أمام عراقيل وصعوبات كثيرة في بلد فيه مثلاً أربعة آلاف مدير عام و740 وكيل وزارة، وهكذا عندما تنص الإصلاحات على: إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، والحد من المحاصصة الحزبية والطائفية، ودمج بعض الوزارات ليصبح عددها 15 فقط، وإقالة عدد من المحافظين ورؤساء مجالس المحافظات والمجالس المحلية والتقليص الفوري لأعداد الحمايات لكل المسؤولين من المستوى الوزاري إلى المستوى الإداري، فإن ذلك يوضح أن على العبادي أن ينخرط فعلاً في حربين إضافيتين إلى حربه ضد «داعش»، والحرب ضد الفساد المعشش في الدولة كما في السلطة القضائية التي يحتاج إليها فعلاً لاستكمال الإصلاح، وخصوصًا عندما يطلب بعد جلسة مجلس النواب «رفع أسماء المتهمين بقضايا تتعلق بسرقة المال العام والتجاوز على ممتلكات الدولة والشعب لمنعهم من السفر وإحالتهم إلى القضاء». رأس السمكة الفاسدة الأبرز في كل هذا هو نوري المالكي، الذي كان بهاء الأعرجي نائب رئيس الوزراء قد اتّهمه مع بدء المظاهرات بأنه هدر تريليون دولار من مال الشعب العراقي: «لقد أهدرت الحكومة السابقة نحوًا من تريليون دولار وهي عبارة عن 800 مليار دولار موازنات العراق النفطية منذ عام 2004 حتى عام 2014، إضافة إلى 200 مليار منحًا ومساعدات ولا توجد حسابات كي نعرف كيف أنفقتها حكومات المالكي». من الناحية السياسية تبدو العملية الإصلاحية وكأنها في استبعادها نوري المالكي وفي الحديث عن محاكمة المرحلة السابقة، تستهدف النفوذ الإيراني العميق في العراق، فليس سرًا أن المالكي هو رجل طهران في بغداد، وأنه أدار الحقبة السابقة بالتعاون وحتى بتوجيه من قاسم سليماني، كما يقول البعض. ومن المعروف أنه عندما اشترط الأميركيون على إيران استبعاده من ترؤس الحكومة مرة ثالثة بعد سقوط الموصل في يد «داعش»، لم يتردد المرشد علي خامنئي في استقباله في طهران، حيث أشاد «بدوره الوطني وبما قدمه من الإنجازات التي تخدم العراق»، عدا في حين كانت تتفجّر فضيحة جيش الأشباح التي ظهرت بعد سقوط الموصل وما رافقها من حديث عن سرقات التصقت به! كان من الواضح تمامًا أن تعيينه نائبًا لرئيس الجمهورية جاء استجابة لضغوط إيرانية الهدف منها منحه الحصانة ضد أي مساءلة أو محاكمة قد تطاله في المستقبل، ولهذا تطرح الآن أسئلة دقيقة انطلاقًا من استبعاده من منصبه، فهل نحن أمام محاكمة للإدارة الإيرانية للعراق في عهده؟ أم أننا أمام رغبة إيرانية في تحسين صورتها باستبعاده، وخصوصًا بعد اتفاقها النووي مع الغرب؟ قطعًا، ليس في وسع العبادي الذي يأتي من حزب الدعوة، والذي كان نائبًا للمالكي، أن ينخرط في محاكمة الحقبة الإيرانية في العراق وهي في المناسبة مستمرة به ومعه، وليس من الواضح إذا كانت طهران تريد فعلاً أن تتخفف من صورة المالكي السوداء، وكل هذا يطرح أسئلة عميقة ومشروعة حول جديّة تنفيذ المشروع الإصلاحي الطموح الذي يطرحه العبادي ويصرّ عليه قائلاً إنه لن يتراجع عنه ولو كلّفه حياته! المالكي يقول للعراقيين: ستترحمون على أيام الكهرباء، وستأتي أيام صعبة على العراق، وإن ما يجري سيجرّ الخراب إلى البلاد، لكن ليس من الواضح إذا كان في وسع العبادي الذي يستند إلى تأييد السيستاني ومقتدى الصدر وعمّار الحكيم وإلى دعم شعبي عارم، أن ينجح في الإصلاح ما لم تفتح له طهران نافذة على هذا. إياد علاوي الذي أُلغيت نيابته لرئيس الجمهورية يقول إن إجراءات العبادي ليست دستورية وغير صحيحة، و«عليه أن يبدأ الإصلاح من مكتبه بإلغاء مناصب الوكالات للهيئات المستقلة التي وزعها على أساس مذهبي وحزبي»، معتبرًا أن عدم إقرار قانون الخدمة الاتحادي وقوانين الأحزاب والنفط والغاز والعفو والمصالحة الوطنية وقانون الاجتثاث دليل إضافي على استشراء الفساد. ثم إذا كان مسعود بارزاني يرى أنه لن يكون سهلاً تطبيق قرارات الإصلاح نظرًا لتشكيل الحكومة على أساس التوافق، فإن استبعاد طوفان الفاسدين من دولة العراق المنهوبة، من شأنه أن يعطّل الوضع لأن المطلوب اقتلاع الدولة الفاسدة وليس فساد الدولة، وهو ما يفرض شنّ حربين؛ واحدة ضد الدولة العميقة التي رسختها الإدارة الإيرانية للعراق ولا يتوافر لهذا من جيش سوى «الحشد الشعبي» الذي تقوده إيران، والثانية الحرب على الجسم القضائي الذي اجتاحه تسونامي الفساد أيضَا . من جريدة الشرق الأوسط

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه