2020-04-07 

#الصين العظمى؟ ... لم تحن اللحظة بعد

سلطان السعد القحطاني

كثير من الذين أسميهم: "المنتمون إلى المدرسة الشرقية" في دول الخليج، الذين يفكرون بالعقلية الآسيوية، يرون في الصين بديلاً محتملاً عن التحالف مع القوى العظمى في الغرب، مثل أمريكا ، وبريطانيا، وفي رأيي أن دول الخليج، ليست آسيوية، ولن تكون كذلك أبداً.

 

إذا نحيّنا الخلافات الفكرية، والعقائدية، مع الصين، ورأينا حجم الروابط الأمنية، والاستراتيجية مع الغرب، فإن كل الأحلام الاقتصادية مع الشرق، سوف تبقى مجرد أحلام، مالم تتوفر لها الأرضية الأمنية، والسياسية، التي يوفرها الغرب لحلفاءه الخليجيين. لم تدافع الصين عن الكويت في حرب الخليج، ولم تقف في وجه إيران حين احتلت الجزر الإمارتية، ولم تؤيد البحرين في خلافها مع إيران، ولم تزود السعودية بالمعلومات اللازمة في حرب اليمن. 

 

باختصار: كل مالم تفعله الصين، من أجل حماية الأمن الوطني لدول الخليج، فعلته القوى الغربية.

 

الذين يرون في الصين ماردا اقتصاديا قادما يحق لهم ذلك، لكن تخيل هيمنة العقلية الصينية على العالم، فهذا يعني نهاية العالم الجميل الذي نعرفه. لقد أنتجت لنا العقلية الغربية حياة، ورخاء مستمرين، للعالم أجمع. فتحت الأبواب على مصراعيها للأفكار، والفنون، والثقافة. لا قيود، ولا قضبان، ولا أحد يفرض عليك كيف تفكر. انظر إلى أجمل مافي هذا العالم، وستجد أنه غربي الطبع، والطابع. المطبخ الفرنسي، والأكل الإيطالي، والمكينة الألمانية، والطب البريطاني، والحلم الأمريكي. لقد أهدتك العقلية الغربية: "فورد" و "هوليوود" و "كرة القدم" و "برودواي" و "الجاز" و "شارلوك هولمز" و "دايري كوين" و "مايو كلينك" و "كيمبريدج" و "مايكروسوفت" و "واشنطن بوست" و..... القائمة طويلة، طوييييلة جدا، ولا تنتهي.

 

ما الذي قدمته الصين للبشرية ؟ كورونا.

 

 

هذا الفيروس الأقل من حجم نملة صغيرة أعاد تذكير الجميع بأن مقومات الدولة العظمى، ليست في قواها الصلبة، واختراعاتها التكنلوجية فحسب، بل في نظامها السياسي، والصحي، والفكري، وكيفية إدارتها للأزمات. العقلية التي شوهت الأطفال في مدن أوروبا الشرقية بسبب "تشيرنوبل"، هي ذاتها التي تسببت في وفاة عشرات الآلاف حتى الآن بسبب كورونا. تسببت تلك العقلية السوفيتية في دمار كبير لها، ولجزء من العالم، وكذلك العقلية الصينية فعلت الشيء ذاته، حتى غدت السيطرة على هذا المرض مستحيلة. التصرف الصيني مع الطبيب الذي اكتشف المرض دليل على أزمة فكر مخيفة في بنية الصين الإدارية.

 

لقد أخضع الفيروس الصين على ركبتيها، ورأينا كيف قبلت أن تتلقى معونات مختلفة من أمريكا والسعودية، وغيرها من الدول. ولا أحد يعرف حتى الآن حجم الضرر الذي حدث في الصين، ففي غياب الشفافية، لن يعرف أحد ما الذي حدث على وجه اليقين. التقديرات تشير إلى مئات الآلاف من الوفيات بسبب كورونا، وسيقول لك معجب بالصين: إنظر لقد سيطرت المرض، وسوف أقول: من يعرف!

 

في بداية الأزمة حمل غلاف لمجلة تايم، ذائعة الصيت، رسما للرئيس الصيني، وهو يرتدي الكمامات البيضاء، وكان العنوان واضحًا في مقصده: “الاختبار الصيني" الذي تمر به الدولة التي عطست فشعر العالم بالزكام. تحت عنوان «اندلاع فيروس كورونا يمكن أن يدمر أحلام شي جين بينغ بالصين»، روت المجلة الأمريكية العريقة حكاية الصين مع العالم، ومستقبلها بعد كورونا، منتقدة هشاشة نظام الحكم بالصين، وأسلوبه في التعامل مع الأزمات.  

 

وفعلًا كان هذا اقسى اختبار لصعود الصين، ومستقبلنا نحن، ففي الوقت الذي كان يشغلنا فيه نموها، وتطورها الصناعي، تحولت مشاعر العالم ككل، بين راغب في البحث عن بديل للنموذج الصيني، ومتوجس من دورها المستقبلي في العالم. لقد تسببت الصين في مأساة عالمية يجب أن تدفع ثمنها، وأن تراجع عاداتها الثقافية، والغذائية.

 

علينا كخليجيين ألا نغالي في دعوات الانضمام إلى المدرسة الصينية، وأن نتوقف عن الإعجاب بتلك الدراسات التي تتنبأ بزوال الغرب. لا يزال لدى الغرب الحيوية الفكرية، التي تجعله سريع الامتصاص للأزمات، ولديه القدرة على العودة مجددا. إنها "حكاية الفتى العائد" الذي ينهض بعد كل أزمة، ليكون أقوى من سابقها. سنرى حين نقع في لحظة اختيار واجبة، بين التحالف إما مع الصين أو مع  دول الغرب، أن لدينا الكثير من المصالح، التي لا يمكن أن نستغني عنها هناك، غرباً. وهي مصالح تتعلق بالأمن والاستقرار اللذان يفتحان الباب لتحقيق المصلحة الاقتصادية، وضمان تدفق النفط، واستقرار الأسواق العالمية. 

 

الوجه المظلم للصين لن يمحوه النمو الاقتصادي، والتطور التكنولوجي، وكان الله في عون عالم ستكون الصين قائدته. التضييق على حرية التعبير، القيود الفكرية، وغياب الحس الإنساني، وسجن أكثر من مليون من "الإيغور"، كلها مشاهد لا يمكن محوها من الصورة الشاملة للصين. نعم للغرب جرائمة، لكن في وجود مؤسسات تسائل، وتعاقب، وتصحح.

 

وأمام العالم تحد أكبر يستوجب الانتباه للخطر الصيني، والنظام الغذائي الصيني غير المتحضر، الذي لا يمكن أن تسود به الصين العالم. يجب إبقاء الصين في آسيا، حبيسة تلك الجغرافيا البعيدة، حتى تصبح مؤهلة لدور عالمي، وهذا أمر لابد أن تفعله القوى العالمية الكبرى. الصين مستعدة تكنلوجيا، واقتصاديا، ربما نعم، لكنها ليست مستعدة فكريا لقيادة العالم، فلا يزال نظامها شديد التخلف، وأرى أن خروج الصين من قمقم آسيا خطر على العالم أجمع.

 

ما الفرق بين اكلي الخفافيش والكلاب واكلي البشر ؟

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه