2019-11-10 

إلى : محمد ربيع الغامدي أبيض القلب والقلم واللسان

ناصر بن محمد العُمري

يكتب محمد ربيع الغامدي ، تعود إلى ذاكرتنا صوت مزاريب خشبية فوق سطوح  بيوت قريتنا ذات مطر خريفي  

 

ويعيد لنا  بما يكتب 

حكاوي الجدات المنسيات في عشيات القرى ، والأزمنة البيضاء التي غادرتنا دون حفلة وداع 

 

يحكي محمد ربيع ، يتحول  جسد المتلقي أذناً تصغي إلى تمام الإصغاء ،وعيناً تسرح مدى الأفق البعيد 

 

رويداً رويداً واصل  رحلته حتى غدا حكواتي كل زمان ... ومكان 

 

يدخل اسمه وحده دون استدعاء  حين يأتي الحديث عن السرّاد لأن هذا الوقور -مهما اختلفنا معه أو عليه- يظل مثل زنبرك لايهدأ 

 

وصاحب مشروع يضيء مصباحاً هنا وآخر هناك  حتى تحول كادحاً أصيلاً  في حقول الثقافة 

 

وشغيّل في الثقافة له كلمته التي تتمايز عن سواها 

 

حمل ربيع أزميلاً ينحت به تصاريف الأزمنة  

 

زوادته قلم يشحذه بمبرد التأمل 

 

بكاميرا السرد يستعيد أزمنة بيضاء وحيوات خلت  مرتدياً ذاته وذاكرته ولايغرق في عجائب الآني ومغريات المدينة

 

بعين سينمائية يرصد اليوميات والعادات والتقاليد التي لم يبق منها سوى ذكراها  

 

كمن يتطهر بالعمل الثقافي من أدران الزمن ومن شيخوخة تحاول  إلحاق الأذى بذاكرته العصية على النسيان  

 

كلمته دوماً مبتلة بالعرق والتعب 

وقلمه مسيّج بحنين ملتصق ببياضه وعذابات الناس

يأتي ضمن قلة قليلة تؤمن بالقصة إيماناً عميقاً ينأى به عن مجاراة الذائقة السائدة ومايهواه الجمهور العريض. 

 

 يعيش عالمه القصصي متأملاً الأزمنة التي تتناوب الفرجة علينا بدأب وصبر كتب للمسرح والقصة القصيرة  ،يستعيد (ذاكرة الفواجع المنسية) مرتدياً (الثوب الحنبصي). 

       

   من بين الشجر الملتف  والأرض التي يعشق انطلق يرصد ”انكسارات الشنفرى” ، و”الوصية”. 

 

ولأجل الطفولة يترافع أمام محكمة الواقع  عن جمال الماضي ب”قضية جمل”  

 يمسك ب”الريشة والسهم”

ليصطاد أدق الأشياء والأحداث..

بل وحتى تلك الكائنات  الدقيقة المتوحشة التي  لا يمكن تخيلها،  يسميها على لسان البطل( البرطأونات )يدلف بنا نحو عالمها المدهش واصفاً إياها بالشرسة والعدوانية. 

 

يُرينا كيف تتكاثر بصورة غير منطقية، وكيف  تحرق الأعين حرقاً لترى الأشياء متوهجة  يدخل معها الضحية بعدئذ في أتون فراغ هائل من الوهج المخيف لتتفرغ هي لنزع وتر أخيليس من عقبيه. 

 

يتركنا في أتون الدهشة  ذاهباً نحو  ”بائعة الورد” التي توجته  ضمن أفضل عشرين نصا بمسابقة الهيئة العربية للمسرح. 

 

المحطات العديدة لمحمد ربيع  لم تأخذه  من مفردات الموروث الشعبي  ولا من  الحكايات والأساطير الشعبية. واصل قلمه الكفاح في مدن الحكايات حتى  دانت له جائزة حميد بن راشد بالإمارات لتمنحه  حضوراً يليق بالوطن. 

 

متوجاً بالمركز الأول في فرع القصة التي كان هو قصتها الأبرز.  

 

من الأعماق نبارك لثقافة الوطن هذا المنجز ولهذا القلم العميق هذا الحضور والتتويج، وللباحة التي أمدته بسيل الحكايات  وصرير الحرف المنغمس في محبرة الزمن.  

 

هذه الجائزة ليست أكثر من إنصاف لمسيرة مثقف رصين  تستحق الاحتفاء

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه