2015-10-10 

لماذا يقود قاسم سليماني معركة تكريت؟

خير الله خير الله

هل تكريت مستهدفة بسبب وجود «داعش» فيها؟ لا شكّ أن التنظيم إرهابي ولا مفرّ من التصدي له. ولكن لماذا يقود قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني، قاسم سليماني، القوات الحكومية العراقية والميليشيات التابعة لها وقوات أخرى ايرانية في معركة تكريت؟ وسواء انتصرت كلّ هذه المجموعات العاملة تحت إمرة الضابط الإيراني، على تكريت أم لم تنتصر، ليس ذلك لبّ المشكلة، بل يتمثّل جانب من المشكلة في وجود قائد ايراني على رأس مجموعة مذهبية تسعى إلى استعادة مدينة عراقية من تنظيم إرهابي. أمّا الجانب الآخر من المشكلة، فعائد إلى وجود رمزية لتكريت كمدينة ولما بعد مرحلة إخراج «داعش» منها. الرمزية، بخصوص تكريت التي خرج منها عدد كبير من ضبّاط الجيش العراقي، رمزية ايرانية تكشف أوّل ما تكشف عن الرغبة في الانتقام وإخضاع العراق وتغيير طبيعة تركيبته الاجتماعية نهائيا في الوقت ذاته. ما نشهده حاليا تطور جديد على الصعيد الإقليمي يكشف حجم التدخل الإيراني في العراق من جهة ومدى قدرة ايران على التحكّم بقوى عسكرية تعمل خارج أراضيها من جهة أخرى. فلإيران قوى في العراق وسورية ولبنان واليمن وقطاع غزّة. بالنسبة إلى العراق نفسه، ليست قيادة قاسم سليماني للقوات العراقية وللميليشيات العراقية وغير العراقية، التي تسعى إلى استعادة تكريت من «داعش» حدثا عابرا. هناك تورّط ايراني إلى أبعد حدود في كلّ ما يدور في العراق. تريد ايران إثبات أنّ العراق صار مجرّد مستعمرة. هناك أمر واقع تحاول ايران تكريسه على الأرض. قبل كلّ شيء، تريد ايران توجيه رسالة إلى كل من يعنيه الأمر. فحوى الرسالة أنّ حلول رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مكان نوري المالكي، لا يعني أيّ تغيير جوهري، وأنّ سليماني وغيره من المسؤولين الإيرانيين، يستطيعون دخول العراق ساعة يشاؤون وكيفما يشاؤون ومع من يشاؤون من دون وجود من يعترض على ذلك. أكثر من ذلك، هناك نوّاب عراقيون على استعداد أن يكونوا حرّاسا شخصيين لسليماني، الذي ظهر في إحدى الصور مع عضو في مجلس النوّاب ينتمي إلى ميليشيا مذهبية، يرتدي قميصا اسود ويحمل رشاشا... ويلعب دور الحارس الشخصي له! تريد ايران القول إنّ أحقادها لا تموت. جاء سليماني للمشاركة في المعركة التي تستهدف إخراج «داعش» من تكريت، وذلك تمهيدا لدخول المدينة التي ارتبط اسمها باسم صدّام حسين، علما أن صدّام ليس من تكريت نفسها، ولا ينتمي إلى إحدى عائلاتها الكبيرة المعروفة. صدّام من قرية قريبة من تكريت اسمها العوجا. أهل العوجا معروفون بـ«طبعهم الذي لم يألفه التكارتة (أهل تكريت) ولم يحبّوه، فهو مجبول بالعنف وقلة التهذيب والخشونة في التعامل مع الآخرين والتسلّط والابتزاز» (كتاب «دولة الإذاعة» ـ ص 29 للزميل ابراهيم الزبيدي، ابن تكريت، الذي عرف صدّام صغيرا ورافق صعوده وصولا إلى أعلى الهرم). في كلّ الأحوال، وبعيدا عن نشأة صدّام وأصوله، هناك هدف ايراني يختزله هاجس الانتقام من العراق. هذا الهاجس لا يمكن أن يشكّل أساسا لعلاقات طبيعية بين بلديْن تواجها طوال 8 سنوات في حرب يبدو أنّها لم تنته بعد، من وجهة النظر الإيرانية. المفارقة أنّ هناك إصرارا على استمرار الحرب بمشاركة أميركية. الأميركيون أزاحوا صدّام وسلّموا العراق على طبق من فضّة إلى ايران. نراهم الآن شركاء ايران في الحرب على «داعش» من دون طرح سؤال في غاية البساطة هو الآتي: ما النتائج التي ستترتب على وجود قائد إيراني من «الحرس الثوري» على رأس القوات التي ستستعيد تكريت من «داعش» بدعم أميركي؟ لا مجال لقبول أيّ تصرّف لـ «داعش» ومن شابهه من تنظيمات إرهابية تحت أيّ مبرّر كان. ولكن هذا لا يعني التغاضي عن أن الممارسات الإيرانية التي يتحكّم بها الحقد على أهل السنّة في العراق لعبت دورها في إيجاد حاضنة للإرهاب في مناطق عدّة. لا يمكن بناء دولة عراقية لكلّ العراقيين في ظلّ تفاهم إيراني ـ أميركي على أن يكون العراق مجرّد مستعمرة ايرانية يسرح ويمرح سليماني فيها بحجة «الحرب على الإرهاب». مثل هذا الواقع القائم حاليا على الأرض يؤسّس لمزيد من التوتر ذي الطابع المذهبي في البلد. مثل هذا الواقع الذي نشهد أحد فصوله في تكريت ومحيطها يشكّل الطريق الأقصر لتمدد «داعش» مستقبلا بدل اقتلاع التنظيم من جذوره والقضاء على البئية التي يستطيع استغلالها لممارسة وحشيته. ما قد يكون أخطر من كلّ ذلك، أنّ معركة تكريت كشفت هشاشة المؤسسات العراقية، بما في ذلك رئاسة الوزراء والجيش العراقي. ظهر هذا الجيش في مظهر الجيش الفئوي الذي يقبل أن يسيّره الإيراني من بعيد وقريب وإلى جانبه ميليشيات مذهبية سمّيت «الحشد الشعبي». أمّا العشائر السنّية العربية، فيبدو أفرادها أقرب إلى ممثلين ثانويين في مسرحية. إنّها مسرحية عنوانها الأوّل والأخير الحرب العراقية ـ الإيرانية المستمرّة منذ العام 1980 من القرن الماضي، وأنّه ليس صحيحا أنّ آيه الله الخميني اضطر إلى التناول من «كأس السم» ووقف هذه الحرب في العام 1988. بغض النظر عن تركة صدّام حسين، تبقى لتكريت رمزيتها. يكفي أنّها أظهرت إلى أيّ حدّ صار الوجود الإيراني في العراق طاغيا. هناك قوات ايرانية تدخل العراق من دون حسيب أو رقيب. كان الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي دقيقا في توصيفه عندما قال، وإلى جانبه وزير الخارجية الأميركي جون كيري، إنّ «ايران تستولي على العراق». فالواضح أنّ هناك رغبة ايرانية في جعل كلّ مؤسسة عراقية مرتبطة بطريقة أو بأخرى بالقرار الصادر من طهران. الدليل على ذلك أن كلّ ما يقال عن تنسيق أميركي ـ عراقي يبدو وكأنّه استكمال لحرب العام 2003 حين غزت الولايات المتحدة العراق واسقطت النظام العائلي ـ البعثي فيه. بعد الحرب الأميركية على العراق التي خلّفت زلزالا ما تزال آثاره تتردد في الإقليم كلّه، حقّقت ايران بعض اهدافها بواسطة إدارة جورج بوش الابن. حان الآن وقت تحقيق ما تبقّى من هذه الأهداف بواسطة إدارة باراك أوباما من جهة و«داعش» من جهة أخرى. *نقلاً عن "الراي" الكويتية

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه