2015-10-10 

داعش تستمر في التدمير.. الحضارة العراقية في مهب الريح

الفرنسية

تعاني آثار الحضارة العراقية منذ الغزو الأمريكي لبغداد في ابريل 2003 الكثير، إذ لم تتعافى الثروة القومية التي لازالت في مهب الريح من عمليات النهب التي تمت منذ نحو 12 عاما، والتي أفقدت المتحف الوطني في بغداد، نحو 15 الف قطعة اثرية، تمكنت السلطات العراقية من استعادة نحو ثلثها. فضلا عن مدينة نمرود التاريخية التي عانت من الأمر ذاته وفي التاريخ نفسه، لكن المأساة لم تقف عند هذا الحد بالنسبة للمدينة التي بدأ ذكرها من قبل علماء الآثار في العام 1820، وجرت عمليات استكشافها والتنقيب عنها في العقود اللاحقة، من قبل علماء أجانب. إذ أعلنت الحكومة العراقية الخميس أن تنظيم الدولة الإسلامية قام بـ"تجريف" مدينة نمرود الآشورية الاثرية في محافظة نينوى في شمال البلاد، وذلك بعد اسبوع من نشره شريطا مصورا لتدمير آثار في مدينة الموصل. وقالت وزارة السياحة والآثار أن "عصابات داعش (الاسم الذي يعرف به التنظيم) الارهابية تستمر بتحدي إرادة العالم ومشاعر الانسانية بعد اقدامها هذا اليوم (الخميس) على جريمة جديدة من حلقات إجرامها الرعناء"، في بيان على الصفحة الرسمية لدائرة العلاقات والإعلام على موقع "فيسبوك". وأضافت أن هذه "العصابات" قامت "بالإعتداء على مدينة نمرود الأثرية وتجريفها بالآليات الثقيلة مستبيحة بذلك المعالم الاثرية التي تعود إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد وما بعده". وأوضح مسؤول عراقي في مجال الآثار أن عملية الجرف بدأت بعد صلاة ظهر الخميس، وأنه أمكن خلال الايام الماضية ملاحظة وجود شاحنات في الموقع الاثري، ما قد يرجح قيام التنظيم بنقل آثار من الموقع، تمهيدا لتهريبها وبيعها، فيما يعتقد أنه مورد مالي رئيسي للتنظيم الجهادي. أضاف المسؤول الذي رفض كشف اسمه "حتى الآن، لا نعرف إلى أي حد تم تدمير الموقع". وتقع مدينة نمرود التي يعود تاريخها إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد، عند ضفاف نهر دجلة، وعلى مسافة نحو 30 كلم جنوب الموصل، كبرى مدن شمال العراق وأولى المناطق التي سقطت في أيدي التنظيم المتطرف في الهجوم الساحق الذي شنه في يونيو. ويقول عالم الآثار العراقي في جامعة ستوني بروك الاميركية حيدر حمداني لوكالة فرانس برس "نمرود كانت عاصمة آشور خلال العصر الآشوري الحديث". ونمرود من المواقع الاثرية المرشحة للادراج على لائحة التراث العالمي لمنظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو). وأسمها المعتمد هو الاسم العربي للمدينة التي كانت تعرف اساسا باسم "كلحو". ومن أبرز الآثار في الموقع "كنز نمرود" الذي اكتشف في 1988، وهو عبارة عن 613 قطعة من الاحجار الكريمة والمجوهرات المصنوعة من الذهب. ووصف العديد من علماء الآثار هذا الاكتشاف، بأنه الأهم منذ اكتشاف قبر الملك الفرعوني توت عنخ آمون في العام 1923. وعرض الكنز الذي يعود تاريخه الى نحو 2800 عام، لمدة وجيزة في المتحف الوطني العراقي في بغداد، قبل اجتياح العراق للكويت في صيف العام 1990. واخفت السلطات العراقية الكنز بعد ذلك. وعثر على الكنز محفوظا في المصرف الوطني العراقي، بعد أسابيع من سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين اثر دخول القوات الأميركية بغداد في ابريل 2003. وقال عبد الأمير حمداني، لوكالة فرانس برس "آسف للقول أن الجميع كان يتوقع هذا الامر. خطتهم (الجهاديون) هي تدمير التراث العراقي، موقعا بعد آخر". أضاف "مدينة الحضر بالتأكيد ستكون (الهدف) التالي"، في إشارة الى المدينة التاريخية الواقعة وسط الصحراء في نينوى، ويعود تاريخها إلى الفي عام قبل الميلاد، وهي مدرجة على لائحة منظمة اليونيسكو للتراث العالمي. وتابع بأسى "أنا حزين للغاية. لكن الأمر كان فقط مسألة وقت". وتأتي عملية جرف الموقع الأثري في نمرود بعد أسبوع من نشر التنظيم في 26فبراير، شريطا مصورا يظهر تدمير عناصره آثارا وتماثيل في متحف الموصل، عبر رميها على الارض وتحطيمها بالمطرقات. كما اظهر الشريط نفسه استخدام عناصر من التنظيم آلات كهربائية لتشويه تمثال آشوري ضخم لثور مجنح عند بوابة نركال في الموصل. وأثارت عملية التدمير استنكارا عالميا وتخوفا على مواقع اثرية أخرى في محافظة نينوى، ومركزها مدينة الموصل، لا سيما نمرود ومدينة الحضر، وخصوصا أن هذه المواقع واقعة في مناطق يسيطر عليها التنظيم بالكامل. وقارن علماء آثار بين تدمير الآثار في الموصل، وقيام حركة طالبان الافغانية بتدمير تمثالين أثريين عملاقين لبوذا في منطقة باميان عام 2001. وعلى أثر نشر شريط تدمير آثار الموصل، طالبت المديرة العامة لمنظمة اليونيسكو ايرينا بوكوفا بعقد جلسة طارئة لمجلس الامن الدولي. ودعت وزارة السياحة والآثار في بيانها بالمجلس "إلى الإسراع بعقد جلسته الطارئة وتفعيل قراراته السابقة"، في إشارة إلى القرار 2199 الصادر في فبراير بهدف تجفيف مصادر تمويل تنظيم الدولة الاسلامية، ومنها تهريب الآثار. وأعتبرت الوزارة أن "ترك هذه العصابات الضالة دون عقاب سيجعلها تجهز على الحضارة الانسانية جمعاء وحضارة بلاد الرافدين، مسببة خسائر حضارية لا تعوض". وكانت الحكومة العراقية أعادت السبت الماضي بشكل رسمي، افتتاح المتحف الوطني في بغداد، بعد نحو 12 عاما من تعرضه لنهب بعيد الاجتياح الاميركي في العام 2003، أفقده نحو 15 الف قطعة اثرية، تمكنت السلطات العراقية من استعادة نحو ثلثها. وأعتبر مسؤولون عراقيون أن اعادة افتتاح المتحف الذي يضم آثارا تعود إلى العصور الحجرية، إضافة إلى آثار عديدة من نمرود والحضر، هو "رد" على قيام التنظيم الجهادي بتدمير آثار الموصل. وكان أحد عناصر التنظيم قال في الشريط المنشور الأسبوع الماضي، ان خلفية القيام بتدمير التماثيل هي التشبه بما قام به النبي محمد عند فتح مكة قبل نحو 1400 عام، لناحية تدمير الأصنام التي كانت تستخدم للعبادة. إلا أن متخصصين في الدراسات الاسلامية، يعتبرون أن ما قام به الرسول كان تدمير أصنام للعبادة، وهي لا يمكن مقارنتها بتدمير آثار ذات قيمة حضارية وفنية، ولا تعكس اي ممارسات دينية. ويطبق التنظيم المتطرف تفسيرا متشددا للشريعة الاسلامية في المناطق التي يسيطر عليها في العراق وسوريا المجاورة. وتحاول القوات العراقية والكردية، بدعم من ضربات جوية لتحالف دولي تقوده واشنطن، استعادة السيطرة على مناطق تواجد التنظيم.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه