2016-05-11 

ما الذي فعله لصوص الدين بشعوبنا

فاروق يوسف

]

العرب - لم يكن هناك أحد في العالم العربي يجرؤ على توجيه النقد إلى رجال الدين خشية أن يتهم بالمروق على الدين. فلقد أوهم البعض من رجال الدين عامة الناس بمكانته المستلهمة من التعاليم السماوية. وهو ما كرسته ورعته وحمته الأنظمة السياسية الشمولية المستفيدة من صمت المؤسسة الدينية على الاستبداد. من جهتها فإن الأحزاب والجماعات الدينية استفادت من تلك المهابة المزورة في تمرير مشاريعها التي تهدف إلى واحد من أمرين؛ إما الاستيلاء على السلطة وإما نشر الفوضى. بالرغم من أن تلك الأحزاب لا تكن أدنى احترام أو تقدير للمؤسسة الدينية. على سبيل المثال فإن جماعة الإخوان المسلمين في مصر لا ترى في مؤسسة الأزهر إلا تابعا خنوعا للسلطة الضالة.

 

أما حزب الدعوة الإسلامي في العراق فإنه، من جهته، لا يعترف بالمرجعية الدينية الشيعية في النجف، بل ويحرض في الكثير من الأحيان أتباعه على الوقوف ضدها ومناهضتها. وكان من الممكن أن تستمر الأمور على ما هي عليه من ضبابية لولا ظهور الخميني المفاجئ في إيران واستلامه السلطة، وهو الحدث المدوي الذي قلب قواعد اللعبة، فصار واضحا أن السلطة التي يمثلها رجال الدين شيء والدين شيء آخر.

 

يومها سقط نظام محمد رضا بهلوي الشمولي في إيران، ليحل محله نظام أكثر شمولية وأشد تعسفا هو نظام آيات الله الذي يؤمن، وبيقين كامل، بأن كل ما تفعله يده إنما هو نوع من القصاص المستند إلى حكم إلهي لا يمكن نقضه. وهكذا تمت شرعنة قتل الخصوم علنا ومباشرة، وكان آية الله صادق خلخالي بطل مسرحياتها الأوحد بموافقة وإشراف ومباركة الخميني نفسه والذي وصف قبوله بتوقف ماكنة القتل في الحرب العراقية ــ الإيرانية بتجرع السم.

 

ولم تكن تلك الحرب لتقوم لولا إصرار الخميني على دعوته إلى تصدير الثورة عن طريق الحرب إلى الدول العربية وفي مقدمتها العراق. كان الخميني رجل حرب ولم يكن في حقيقته رجل دين مصلحا.

 

غير أن انكشاف حقيقة الخميني، وقد تمكن من السلطة في إيران، قد نفض الغبار عن حقيقة موقف الأحزاب والحركات والجماعات الدينية من المجتمع. فهي وبعد أن استقوت بوجود الخميني في السلطة لم يعد يعنيهـا في شيء ذلك الصلح المنافق الذي عقدته مع المجتمعات التي تعمل بين فئاتها. يومها برزت ظاهرة العنف الديني من خلال إعلان الجماعات التكفيرية عن نفسها. وهي الجماعات التي لم تكتف بتكفير الدولة وأجهزة الحكم، بل ذهبت أبعد من ذلك حين كفرت المجتمع برمته.

لقد تبين أن الوحش الذي رعته المجتمعات في قمقم صمتها كان قد استعد لتدميرها. ولأن وقت العلاج قد تأخر، فقد حاولت المجتمعات نوعا من الصلح مع عدد من تلك التيارات من خلال استرضائها في مواجهة التيارات الأشد فتكا. كان الفشل هو النتيجة المتوقعة لتلك المحاولة.

 

خلال سنة واحدة من حكمها كادت جماعة الإخوان المسلمين أن تدخل المجتمع المصري في أتون حرب أهلية، لم ينقذه منها سوى الانقلاب على الجماعة وإعادتها إلى أقبيتها السرية. وفي تونس عملت حركة النهضة الإسلامية عبر ثلاث سنوات، هي زمن وجودها في السلطـة، إلى شـق وحـدة الشعـب التونسي ونشر الفوضى بين صفوفه.

 

أما في العراق فإن حزب الدعوة الإسلامي لم يكتف بالاستيلاء على ثروة العراق وشرعنة الفساد المالي والإداري، بل مضى أبعد في تدمير مستقبل العراق حين تخلى عن ثلث أراضيه لتنظيم داعش، الذي هو الآخر تنظيم إسلامي متشدد.

 

لقد بات جليا أن التنظيمات التي تمسكنت زمنا طويلا تحت ذريعة الإهمال والصد والتهميش والعزل الذي مارسته المجتمعات في حقها كانت تبيت أمرا خطيرا لتلك المجتمعات، فما إن تمكنت حتى حدثت الفتنة.

 

كان اختطاف الدين بابها الواسع الذي أطلت منه على اختطاف المجتمع، ومن ثم قطف ثمار السلطة. وكانت تلك الثمار التجسيد الأمثل لفلسفة تلك الأحزاب أي القتل واللصوصية ونهب المال العام ونشر الفوضى وتدمير السلام الأهلي والفتك بالتآخي، باعتباره نوعا من ذكرى الماضي الذي يجب أن يُمحى.

 

ما فعله لصوص الدين بشعوبنا عجزت عن القيام به الأنظمة الوطنية المستبدة. لقد دمروها من الداخل.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه