2016-05-09 

الأزمات الداخلية وسياسات الاستفزاز الإيرانية

صديق محمد جوهر

العرب-  منذ عدة أيام أعلن نائب القائد العام لقوات حرس الثورة الإسلامية في إيران العميد حسين سلامي أن بلاده سوف تمنع السفن الأميركية وسفن حلفاء الولايات المتحدة من المرور في مضيق هرمز إذا تعرضت بلاده لتهديدات خارجية. ومنذ فترة أعلن أحد القادة في سياق الاحتفالات بالسنة الفارسية الجديدة أن مملكة البحرين هي إحدى المحافظات الإيرانية التي يجب استرجاعها لتكون تحت سيادة نظام الملالي في طهران.

 

يثير التهديد الإيراني الماثل قلقا على المستويين الداخلي والخارجي، ويجسد استمرار الحكومة الإيرانية في فبركة الذرائع واستنساخ الأعداء المحتملين، من أجل الهروب من المشكلات الداخلية وتحفيز الوعي الجمعي للالتفاف حول قضايا مفتعلة. إذ ثمة نزوع إيراني ملحوظ إلى التغطية على الأوضاع الداخلية المزعزعة بالتدخلات الخارجية في الشؤون الإقليمية، عن طريق افتعال الأزمات واختلاق الخصوم. ومن ثمّ فإن المحصلة الختامية لهذه الآليات السياسية الداخلية هي سياسة خارجية غريبة الأطوار، عصيّة على التنبؤ وشديدة التذبذب في معظم الأحيان.

 

وتعتبر إيران من الدول المارقة التي تسعى إلى التدخل في شؤون جيرانها بكل الطرق، ففي أعقاب الغزو الأميركي للعراق بذل أئمة العنف والإرهاب في إيران جهودا مضنية في سبيل احتواء التحديات الفقهية التي كانت تمثلها المنتديات الشيعية بالعراق، فالمراكز العلمية الدينية الشيعية في النجف وكربلاء ذات تاريخ حافل وطويل في تعليم ونشر المذهب الشيعي خاصة في عهد ما قبل النظام البعثي في العراق. وقد سعى القادة السياسيون في إيران بشتى السبل إلى السيطرة على المراكز الفقهية الشيعية في العراق وتقزيم دورها بحيث أصبحت الآن تتلقى الأوامر من قُمْ الإيرانية.

 

وبالرغم من أن الغزو الأميركي لأفغانستان والعراق قد أزاح من طريق الإيرانيين ألدَّ خصومهم الإقليميين فإن إيران لا تزال تواجه تهديدات خطيرة تتمثل في عدم القدرة على إخماد الفوضى والتوترات الداخلية في البلاد. وليس من المفارقة أن إيران بدأت تنكوي بالنار التي أشعلتها في العراق وسوريا والبحرين واليمن ولبنان وغيرها من دول المنطقة بعدما انقلب السحر على الساحر. فانتشار الإرهاب والتوترات الطائفية في العراق قد أذكى نيران الناشطين في المجموعات العرقية الانفصالية في أقاليم كردستان وخوزستان الإيرانيتين المتاخمتين للعراق علاوة على الاضطرابات القائمة في مقاطعة بلوشستان الشرقية وفي الأحواز. وقد اقتضت هذه الدواعي في الماضي قيام تعاون ثلاثي يضم إلي جانب إيران كلا من سوريا وتركيا في مواجهة التمرد الكردي كما غذّى التورط أكثر فأكثر في الشأن العراقي التعجيل باتخاذ قرار يقضي بإعادة اللاجئين الأفغان إلى بلادهم. وبسبب التدخل الإيراني في سوريا تنامى الشقاق بين الإيرانيين والأتراك. ولكن منذ إعلان الأكراد قيام فيدرالية كردية على الأراضي السورية بدأت إيران تتوجس خيفة من هذا التوجه الانفصالي ومن ثم سعت رويدا رويدا إلى رأب الصدع في علاقاتها مع أنقرة.

 

لقد استغلت الزعامات الإيرانية احتفالات أعياد النيروز في تخويف المواطنين من الخطر الغربي الذي مازال محتملا وذلك عن طريق تصويرها للبلدان الغربية باعتبارها الخطر الأكبر الذي مازال يهدد وجود الجمهورية الإسلامية حتى بعد توقيع الاتفاق النووي. لقد بنى نظام الملالي في إيران شعبيته على مدار السنين على أكذوبة أن الدولة تواجه تحديات جيوسياسية خطيرة تهدد كيانها بسبب العداء الأميركي للجمهورية الإسلامية.

 

لقد ظلت الأزمة النووية مع الولايات المتحدة لسنوات عديدة مرتعا للمناورات السياسية الداخلية والخارجية ومسرحا للتناحر الإداري البيروقراطي داخل أروقة الحكومات الإيرانية المختلفة، ولذلك يواجه هذا النظام مأزقا حقيقيا هذه الأيام بسبب اختفاء العدو الأميركي من على شاشات الرادار الإيراني، ولذلك يسابق حكام إيران الريح في البحث عن عدو جديد أو الانخراط في صراعات جديدة مفبركة من أجل ضمان التأييد الشعبي الداخلي. لقد سبق وأن استغلت الحكومات الإيرانية المتعاقبة التدخلات الأميركية في شؤونها الداخلية -وخاصة الرعاية الأميركية لأنشطة المجتمع المدني ودعمها للناشطين من المجموعات الإثنية والعرقية المختلفة- في تصفية خصومها السياسيين. كما قامت الحكومات الإيرانية بالتضييق على الحريات الاجتماعية والشخصية للمواطنين وعمدت إلى كبت حرية التعبير في البلاد. وفي جميع الأحوال قام النظام الإيراني على مدار السنين باستغلال هذا الخطر الأميركي الخارجي المحتمل بدهاء في تأجيجه لنار التأييد الشعبي الخامدة للثورة الإسلامية.

 

وفي سياق متصل يجب الإشارة إلى أن وجود مراكز قوى راديكالية متعددة داخل النظام السياسي الإيراني تؤثر بالقطع على المسلك السياسي الخارجي لإيران لأن النظام السياسي الإيراني متشكل من زعامات دينية متطرفة وجبهات سلطوية متعددة.

 

ولما كان اتخاذ القرار يتطلب الإجماع فإن كثرة واختلاط هذه المراكز والزعامات مع ظهور المعارضات الفردية من بعض المتشددين النافذين في السلطة، فضلا عن العجز عن المبادرة إلى اتخاذ القرارات الفاعلة، كل هذه العوامل جعلت من الصعوبة بمكان على النظام السياسي الإيراني أن يغير المسار التخريبي الذي يسلكه أو أن يتخذ قرارات تؤدي إلى الاستقرار في المنطقة. علاوة على أن جبهات النظام المتعددة غالبا ما تعمد إلى استغلال قضايا السياسة الخارجية في دحر وإقصاء خصومهم السياسيين. ومن أبرز الأمثلة على هذا ما يلاحظ من محاولات الحرس الثوري الإيراني المستمرة لتعزيز سيطرته على كافة المؤسسات السياسية والعسكرية. كما أن استمرار عزلة إيران في محيطها الإقليمي على الأقل والإنفاق المتزايد على الحروب التي تقوم بها الميليشيات الطائفية التابعة لها في شتى بلدان المنطقة قد أدى إلى تردي أوضاع البلاد الاقتصادية على الرغم من إغلاق الملف النووي. لقد أدت هذه التداعيات إلى زيادة قوة الجبهات المناوئة للسياسة الإيرانية في الداخل والخارج.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه