2015-10-10 

فستان الحقيقة

مشاري الذايدي

الأيام الماضية شغل العالم كله بلون فستان نسائي، هل هو أسود وأزرق، أم أبيض وذهبي؟ كل فريق يرى أن الآخر ضال عن سواء السبيل، ولديه عمى ألوان، وما زال الخلاف قائما وحارا حتى يومه، رغم وجود الإفصاح عن أن اللون الحقيقي هو الأزرق والأسود. حسب خدمة (روسيا اليوم) فإن العلماء قالوا: إن الضوء يدخل العين من خلال العدسات، وتختلف طول موجات الضوء التي تقع على عدسة العين باختلاف الألوان نفسها. وعن الجدل حول لون هذا الفستان قال جاي نيتز عالم الأعصاب في جامعة واشنطن: «لقد درست الفروق الفردية في رؤية الألوان لمدة 30 عاما، وهذا هو واحد من أكبر الفروق الفردية التي رأيتها طوال حياتي، فقد تسبب هذا الفستان في جدل واختلاف على نطاق واسع جدا». صاحبة الفستان الأصلية قالت، حسب الأخبار، إن الإجابة الصحيحة حول لونه هي الأسود والأزرق. الحق أن هذا الاختلاف المثير يكشف عن بديهية سهلة قديمة قدم الحياة البشرية، وهي أن مساحة الجزم والقطع في الحياة قليلة تجاه مساحة الاحتمال والنسبية. وكل يرى الأمور حسب ما لديه من مجسات استقبال، نفسية أو عضوية. هذا في أمر شديد المادية، وهو مشاهدة «مادة» فما بالك في عالم التقديرات والرأي العام، فيما هو مساحة المعلوم فيه أقل من مساحة المجهول بكثير. يروى عن الشاعر العراقي الشهير، معروف الرصافي، أنه سمع يوما بمن يثني على عبد الإله، وبأنه شوهد ليلا وهو يوزع الصدقات، بينما الشاعر كان يعلم أن الرجل حينها كان في نشاط مختلف، فقال هذه الأبيات الكاشفة: وما كتب التاريخ في كل ما روت لقرائها إلا حديث ملفق نـظـرنا لأمر الحـاضرين فرابنا فكيف بأمر الغابرين نصدق وعلى ذكر الشعر والشعراء، يروي الزجاج في أماليه عن الشاعر الظريف سراقة البارقي، قال: «خرج في جملة من خرج لقتال المختار، فوقع أسيرا، فأتي به المختار، فلما وقف بين يديه قال له: يا أمين آل محمد، إنه لم يأسرني أحد ممن بين يديك، فقال: ويحك فمن أسرك؟ قال: رأيت رجالا على خيل بلق يقاتلوننا، ما أراهم الساعة، هم الذين أسروني، فقال المختار لأصحابه: إن عدوكم يرى من هذا الأمر ما لا ترون ثم أمر بقتله، فقال: يا أمين آل محمد، إنك تعلم أن ما هذا أوان تقتلني فيه! قال: فمتى أقتلك؟ قال: إذا فتحت دمشق ونقضتها حجرا حجرا، ثم جلست على كرسي فِي أحد أبوابها، فهناك تقتلني ثم تصلبني. قال المختار: صدقت. ثم التفت إلى صاحب شرطته، فقال: ويحك من يخرج سري إلى الناس؟ ثم أمر بتخلية سبيله. فلما أفلت أنشأ يقول، وكان المختار يكنى أبا إسحاق: ألا أبلغ أبا إسحاق أني رأيت البلق دهما مصمتات أرى عيني ما لم تراياه كلانا عالم بالترهات من يجزم كثيرا يرتكب الكوارث. *نقلاً عن "الشرق الأوسط"

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه