تحولات خطيرة.. تنتظرها المنطقة.. ولكن

الرياض - بعد أن انسحب الروس من سورية إثر خلاف حاد وشديد بين موسكو ودمشق على الأسس والمبادئ التي اتفق الطرفان عليها منذ البداية.. هل تُسرِّع هذه الخطوة مباحثات جنيف/3 أم تزيد في تصلب النظام وغطرسته ؟! وهل ستراجع ايران.. وربيبتها "حزب الله" دورهما في سورية.. وينسحبان منها.. ام تذهب ايران إلى ما هو أبعد.. وتتولى القيام بكل الأدوار الأخرى التي قام بها الروس في الآونة الأخيرة.. ويسيطرون على القرار السوري بصورة كاملة؟

وهل يصبح الانسحاب الروسي بداية مراجعة حساب لواقع العلاقات الروسية - الايرانية؟!

وأخيراً.. هل تزول اشباح الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو.. ويتحول الطرفان إلى شريكين من نوع آخر لتقاسم المصالح في المنطقة؟

الشيء المؤكد هو.. ان العلاقة بين موسكو ودمشق قد ساءت.. وان الانسحاب الروسي ليس عملاً تكتيكياً.. وإنما هو نتيجة لتفاوت عميق في الرؤى بين بوتين وبشار حول مستقبل سورية.. وان طهران و"حزب الله" وراء هذا الخلاف الحاد لانهما شجعا الأسد على المضي في سياسته المتعنتة للانفراد به والحلول محل موسكو.. وبالتالي فإن مباحثات جنيف سوف لن تحقق أي خطوة متقدمة بل ستكون عنواناً لتعنت وفد النظام ورفضه حتى للحديث حول مرحلة انتقالية لا دور للأسد فيها كما كان مطروحاً في مقررات جنيف/1.. وكما تحدث عن ذلك دي ميستورا أخيراً بوضوح.

واذا وصلت مباحثات جنيف الحالية إلى طريق مسدود منذ البداية.. فإن الروس والاميركان سوف يشجعان عودة دي ميستورا إلى مجلس الأمن.. وعرض مجمل الوضع عليه.. وقد يدفع البلدان المجلس إلى اتخاذ قرار بالإجماع للتدخل في سورية في النهاية وحسم الأمر وفقاً للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة.. وهو الأمر الذي كان متعذراً قبل الخلاف بين دمشق وموسكو.. وقبل البدء في عملية الانسحاب الروسية من سورية..

لكن السؤال الآن هو: هل من ثمن تحصل عليه موسكو مقابل كل ذلك؟!

 بكل تأكيد هناك ثمن.. وإن لم يكن معروفاً.. حجما.. ومكانا.. وطبيعة هذا الثمن.. وان كنت اعتقد ان ثمناً مرتفعاً سوف تسوى معه قضية موسكو مع الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية حول الوضع المتأزم في اوكرانيا.. ولو بصورة جزئية أو مرحلية.. وبالتالي تجد موسكو نفسها أكثر قدرة على التوازن.. وتنفس الصعداء.. وتخفيف حجم الأزمة الاقتصادية بالغة التعقيد التي تمر بها البلاد نتيجة تشعب حروبها وارتفاع معدلات إنفاقها في الخارج وهو ما كانت المخابرات الروسية شديدة التحذير من مغبته في الآونة الأخيرة..

وشيء آخر قد يسفر عنه الانسحاب الروسي من سورية هو ذهاب التعاون السعودي - الروسي إلى ما هو ابعد وأقوى إن على مستوى الشراكة الشاملة بين الدولتين.. وإن على المستوى البترولي.. والاقتصادي.. والأمني والسياسي كذلك.. ترجمة للخطوات الجادة في هذا الاتجاه منذ زيارة سمو ولي ولي العهد وزير الدفاع الامير محمد بن سلمان الأولى لموسكو في 18/6/2015 والرغبة المتنامية لدى الطرفين في توسيع دوائر هذا التعاون..

ذلك يعني.. ان زيارة خادم الحرمين الشريفين القادمة لموسكو الشهر القادم.. ربما تكون أحد الاسباب الجوهرية لإقدام موسكو على خطوة الانسحاب من سورية.. وبدء مرحلة جديدة من التعاون الثنائي غير المسبوق بكل انعكاساته المرتقبة على المنطقة بكاملها.

الشيء الأخير الذي أُريد التأكيد عليه هو.. أن موسكو قد اتخذت القرار الصحيح.. وان جميع الحسابات الأخرى التي تراهن على دور بارز لإيران في المنطقة سوف تسقط.. وان معادلات جديدة سوف تظهر على الأرض قريباً.. ولا سيما بعد حديث الرئيس الأميركي أوباما الأخير مع مجلة "The Atlantic" وما قد يتبعه من خطوات خلال الأشهر الثمانية الباقية له في الحكم.. وتأثيرات كل ذلك على الانتخابات الرئاسية الأميركية الجارية الآن..

•• وبكل تأكيد.. فإن الأسابيع والأشهر القادمة ستكون مليئة بالكثير من الأحداث.. والتطورات.. وربما المفاجآت.. خارج كل الحسابات.. والله المستعان.

◘ ضمير مستتر:

من الجميل أن نتفاءل بالمستقبل.. وإن كان من العقل أن نحسب لكل خطوة نخطوها باتجاه هذا المستقبل أكثر من أي وقت مضى..