2016-03-12 

لبنان المعزول عربياً

الياس حرفوش

الحياة - يشكل القرار الأخير لجامعة الدول العربية بتصنيف «حزب الله» تنظيماً «إرهابياً» نقلة جديدة في مستوى تدهور العلاقات العربية مع لبنان، وليس فقط مع «حزب الله». إنه تدهور يفوق الأزمة الأخيرة مع دول مجلس التعاون الخليجي التي اعتمدت التصنيف نفسه للحزب. ذلك أن عزلة لبنان الآن هي عزلة عربية بامتياز، بعد أن كان البلد الذي يحنّ العرب إليه وعليه. لم يعد العرب مستعدين لتفهّم عذر لبنان، كما طالبهم وزير خارجيته، لتبرير عدم تأييد القرار الخليجي ومن بعده القرار العربي، بأنه عاجز عن السير في قرار كهذا بحق ما يسمى «مكوناً أساسياً» من مكونات المجتمع اللبناني، يمسّ التعرض له «الاستقرار الداخلي». لأن هذا العذر يثبت ما يقوله العرب من أن لبنان أصبح بلداً مغلوباً على أمره، باتت القرارات السياسية مفروضة عليه بقوة السلاح غير الشرعي، وبالتهديد بتعريض أمنه لخطر الحرب الأهلية بواسطة هذا السلاح، إذا تجرأ أي مسؤول على الإقدام على أي قرار يستفز «حزب الله» أو يتعارض مع مواقفه ومصالحه.

 

من هنا ليس منصفاً تحميل الوزير جبران باسيل وحده مسؤولية هذا الابتعاد عن الإجماع العربي، عندما يتعلق الأمر بـ «حزب الله». إذ لو كان أي وزير آخر مشاركاً في اجتماعات الجامعة العربية في القاهرة نهار الجمعة الماضي، لما تجرأ على اتخاذ أي موقف آخر، سواء كان هذا الوزير من الكتل الحليفة لـ «حزب الله» أو من خصومه. وقد تابعنا رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في إطلالته التلفزيونية الأخيرة التي أكد فيها أكثر من مرة ضرورة استمرار الحوار مع «حزب الله»، حرصاً على ما أصبح متعارفاً عليه بـ «السلم الأهلي»، على رغم ما لدى الحريري من تحفظات على سلوك الحزب وممارساته في مختلف الدول الخليجية والعربية، فضلاً عن ممارساته في لبنان نفسه، وسياسة التعطيل التي يفرضها على عمل المؤسسات الدستورية، إذا كان عملها وقراراتها تسير بعكس ما يخدم أهدافه. والدليل الأوضح على ذلك ما يمارسه الحزب بتعطيل جلسات مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية.

 

ينزعج الفريق الموالي لـ «حزب الله» عندما يصف المسؤولون العرب لبنان بأنه بلد «مخطوف» من قبل الحزب. إذا لم يكن هذا السلوك خطفاً، فماذا يمكن أن يكون؟ أليس المخطوف هو ذلك الشخص الذي تتم مصادرة قراره واحتجازه بانتظار كسب الثمن المناسب لإطلاقه... أو الإجهاز عليه إذا لم يتم تحصيل هذا الثمن؟

 

أبعد من تداعيات القرار العربي على لبنان، لا بد من الانتباه إلى الجانب «القومي» في أبعاد هذا القرار، الذي يكرّس صراع المصالح الإقليمية بين العرب وايران، ويطرح بالتالي سؤالاً على الشيعة العرب يتعلق بموقعهم الحقيقي في هذا الصراع. لقد شكّل الاجتماع الأخير للجامعة العربية منصّة لإبراز هذا الصراع على حقيقته، وربما للمرة الأولى في تاريخ الجامعة على هذا النحو. لم يكن ابتعاد جبران باسيل عن الإجماع العربي هو الظاهرة اللافتة الوحيدة، بل كانت المداخلة الحادة لوزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري، الذي وصف العرب بأنهم «إرهابيون»، إشارة بارزة الى طبيعة الاصطفافات في هذه المرحلة، إذ باتت الخلافات في الانتماء المذهبي انعكاساً للخلافات في الانتماء القومي، حيث لا يتردد وزير «عربي» أن يقف على منصة جامعة العرب ليدافع عن ايران ضد زملائه المفترضين من أبناء الهوية المشتركة.

 

أخطر ما فعلته الميليشيات الطائفية في المنطقة هو إرغام فئة واسعة من أبنائها على السير في ركب هذا الاصطفاف المذهبي والانقلاب على هويتها الحقيقية وانتمائها القومي. من هنا أهمية النداء الذي وجهه شيخ الأزهر الشيخ أحمد الطيب واستنكر فيه ممارسات «حزب الله» و «الحشد الشعبي» العراقي، والدعوة التي وجهها الى المراجع الشيعية المعتدلة في العالم العربي، لإصدار فتوى صريحة «تحرّم عمليات القتل الممنهجة التي ترتكبها هذه الميليشيات ضد أهل السنّة»، وتلتزم مبدأ الحوار والاعتدال كسبيل لحل الخلافات بين أبناء الدول العربية.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه