2016-02-06 

سور في بغداد.. خوفاً من هولاكو

أيمـن الـحـمـاد

الرياض -سور بغداد الذي رُفع في وجه بعض العراقيين يكشف عن واقع مأساوي يعيشه العراق، ومرحلة أخرى من مراحل التراجع التي تحيق ببلاد الرافدين، فالأسوار رمز الفصل بين الكيانات لا تُرى إلا في التخوم والحدود بين الدول، بل إن من سمات عالم ما بعد العولمة وأبرز ملامحه سقوط الحدود، إذ لا مكان اليوم لتلك الحواجز التي ترمز إلى خشية من غارة أو عدو متربص، بل يذهب العالم اليوم لتسيهل إجراءت المرور بين الدول، حد إلغائها.

 

وعندما شُيّدت أسوار بغداد التاريخية أيام الدولة العباسية كان الخوف والخشية أن يلحق بالدولة الفتية الدمار والشر، لكن ذلك لم يمنع الغزاة القادمين من "الشرق" إلا أن يدكّوا بغداد ويدمروها فوق رؤوس ساكنيها ويطمسوا معالم حضارتها.

 

لقد بدأت المأساة عندما طُلب من النازحين الفارين من ويْلات "داعش" أن يأتوا بكفلاء يضمنونهم من أجل الدخول إلى بغداد عاصمتهم التي لاذوا بها وخذلتهم، ورغم تبريرات الحكومة التخوّف من تسلل الإرهابيين؛ يجدر القول بأن الإرهابيين والطائفيين موجودون في العاصمة، والخوف منهم وليس من غيرهم.. ثم إن الإرهاب اليوم أصبح عابراً للحدود؛ بل قاطعاً للمحيطات، وإن المنظومات الأمنية التي هاجمها الإرهاب في أوروبا وأميركا أكثر كفاءة وتنظيماً وعدة وعتاداً من تلكم التي في بغداد، ورغم ذلك هُوجمت.. إن محاربة الأسباب كفيلة بإنهاء الأعراض، وإن معالجة العارض لا تعني القضاء على العلة، بل تعني هروباً للأمام وتأجيلاً لمواجهتها.

 

كان بإمكان الحكومة العراقية إسقاط مشروعات الإرهاب عبر إخماد ومحاربة الطائفية المقيتة، والتي في واقعها وجه آخر ل"داعش" وأحد أبرز مسببات نشوئه.. ألم يكن من الأولى للعراق أن يمد الأسوار على حدوده الشرقية والغربية التي نراهن أن حمايتها ستجلب الأمن والرخاء للعراقيين، أما أن تحصّن العاصمة نفسها من أبنائها فهذا له انعكاسات خطيرة لدى العراقيين الذين ما إن يروا أن العاصمة أحاطت نفسها بالحواجز الاسمنتية سيدركون على الفور حجم ضعف حكومتهم وعجزها حماية عاصمة بلادهم، وبالتالي من باب أولى عجزها عن حماية بقية المدن، وهذا هو الحاصل على الأرض، وكان ينقص ذلك أن تبرهن الحكومة على صدق هذا التحليل وتلك الفرضية.

 

لم تحمِ أسوار بغداد العظيمة المدينة من هجوم هولاكو، وعلى الرغم من شراسة العدو إلا أن المدينة وعاصمة العباسيين كانت في الأصل في حالة يُرثى لها على مستوى نظامها السياسي، وبالتالي فإن تلك الأسوار على علوّها، وإن حالت من سقوط المدينة من فورها، لم تمنع من انهيارها فيما بعد..

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه