2016-01-21 

أرامكو تقص الشريط

محمد العسومي


الاتحاد - شركة «أرامكو» السعودية تقص الشريط وتفتح أبواب واسعة لإمكانية تحول شركات النفط الخليجية إلى شركات مساهمة عامة، وذلك بعد أكثر من ستين عاماً من إدارة القطاع العام لقطاع النفط والمنتجات النفطية، مما يعد تحولاً اقتصادياً وإدارياً ذا أهمية بالغة ستترتب عليه نتائج مهمة للغاية، وذلك بحكم الدور القيادي للنفط في الاقتصادات الخليجية.

 

هناك جوانب إيجابية عديدة لهذا الإجراء، إلا أننا سنتناول أهمها، فأولًا سيساهم ذلك في تحسين أداء الشركة، كما أشار إلى ذلك سمو الأمير محمد بن سلمان، وثانياً، سينعكس ذلك بصورة إيجابية على الحد من خروج رؤوس الأموال وسيستقطب استثمارات خارجية، مما سينعكس على أداء البورصة السعودية وتطورها، إذ إن إدراج سهم «أرامكو» سيرفع من قيمة البورصة بمقدار الثلث، وهو تطور كبير لوضع البورصة السعودية إلى مستوى البورصات الناشئة الكبيرة في العالم.

 

وثالثاً، فإن ذلك سيوفر مصادر أموال هائلة للحكومة يمكن ضخها لإقامة مشاريع جديدة بهدف تنويع مصادر الدخل الوطني وتوفير المزيد من فرص العمل، وبالأخص في الوقت الحاضر الذي يشهد تراجعاً حاداً في أسعار النفط، ورابعاً، فإن ذلك سيتيح تشغيل شركة «أرامكو» على أسس تجارية بعيداً عن الاعتبارات الأخرى التي تفرض عليها الالتزام بقواعد غير تجارية، خامساً وأخيراً سيتيح ذلك للقطاع الخاص السعودي مشاركة أكبر في الاقتصاد، بما في ذلك القطاع النفطي الذي ظل بعيداً عنه، وهو أمر مطلوب لتشجيعه على الدخول في شراكات مع القطاع الحكومي لزيادة مساهمة القطاع الخاص في التنمية وتوفير فرص العمل ورفع فاعلية الأداء.

 

أما الجانب الآخر، فإنه يتعلق بإمكانية طرح جزء يقدر بـ5% من أصول الشركة، أو طرح بعض الشركات التابعة الأصغر حجماً في اكتتابات أولية، وفي كلتا الحالتين لا يختلف الأمر كثيراً، إذ ستترتب عليهما نفس النتائج تقريباً، إلا أنه في ظل الظروف الاقتصادية المحلية والإقليمية والدولية الحالية، ربما يكون الاحتمال الثاني أقرب إلى مجاراة هذه الظروف، وإذا ما تم طرح 5% من الشركة الأم، فإن ذلك يتطلب تحصيل 181٫5 مليار دولار أو 680 مليار ريال سعودي، وهو مبلغ ضخم للغاية ربما تجد أرامكو صعوبة في استقطابه، إذ إن هناك حذراً عالمياً بسبب تراجع أرباح الشركات النفطية في العالم حالياً.

 

أما طرح بعض الشركات التابعة وعلى دفعات، فإن عملية الاستقطاب ستكون أسهل وأكثر قبولًا، كما أن ذلك سيتيح للحكومة تحديد القنوات الرئيسية لإعادة ضخ أموال الاكتتاب في الاقتصاد وتحقيق أكبر استفادة من عملية التخصيص الجزئية، والتي ستبقي على إدارة الدولة لأكبر شركة نفط في العالم تبلغ إجمالي أصولها 3.63 تريليون دولار، مما لا يبرر التخوفات التي أشارت إلى إمكانية حدوث تداعيات سلبية لهذا التوجه المهم، والذي لا بد من معالجته بمهنية ومراعاة لطبيعة تطور الاقتصاد السعودي والاقتصادات الخليجية بشكل عام.

 

وبالنظر إلى تداعياته الإيجابية المتوقعة، فإنه ليس من المستبعد أن تلجأ دول خليجية أخرى إلى اتباع نفس النهج في السنوات القادمة، وهو ما سيشكل نقلة نوعية لصناعة النفط والغاز الخليجية، مع إمكانية الاستفادة من التجربة النرويجية التي يشارك فيها القطاع الخاص الدولة في إدارة صناعة النفط، ويوفر أموالاً طائلة للحكومة بفضل الضرائب وحسن الإدارة والتطور التقني. يبدو أن الخطوة السعودية، خطوة مدروسة، بدليل التدرج من خلال طرح نسبة بسيطة من ملكية شركة أرامكو للاكتتاب العام، إلا أنها خطوة مهمة للغاية تضع أسس لمستقبل إداري وإنتاجي متقدم لصناعة النفط، وبالتالي، فإنها تفتح الطريق، أمام تحول تاريخي ليس لصناعة النفط السعودية، فحسب، وإنما لصناعة النفط الخليجية على وجه الخصوص والعربية بشكل عام.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه