2016-01-19 

السعودية وإيران.. معادلة التناقضات

محمد المزيني

الحياة - يبدو أن إيران، أو لنقل الجمهورية الإسلامية الملالية الإيرانية، قد تورطت بسياسة السعودية الصارمة في تعاملها مع الأحداث وتحولاتها.

لا أعتقد أنها كانت تتوخى هذا الحزم والوضوح في تعاملها مع ملفاتها الساخنة، في الوقت الذي تراوغ فيه إيران في تقديم نفسها إلى العالم تحت شعار غبي وفاشل، قامت عليه الثورة الخمينية -أعني تصدير الثورة- لذلك ظلت إيران تستبدل أقنعتها كما تستبدل الأحذية في كل المناسبات، وتظل المملكة بوجه واحد لا يقبل التلوين أو التلفيق، وهي سياسة دأبت عليها منذ تأسيسها على يد المغفور له الملك عبدالعزيز.

 

هذا الوضوح بحد ذاته ذكاء فطري، شحذته القيم الطيبة، والأهداف الواضحة، والغايات النبيلة، مجسدة قول أبي تمام: السيف أصدق أنباء من الكتب... في حده الحد بين الجد واللعب فسيف السياسة السعودية الذي أشهر اليوم فوق كل العابثين بأمن الوطن، هو السيف نفسه الذي ارتفع عالياً في لغة السياسة الصارمة للمملكة مع خصومها.

 

اليوم، إيران تحصد ما زرعته من سياسات همجية رعناء خلال أكثر من 30 عاماً، وتحديداً منذ أن طفقت تغرس بذورها السامة في جسد أقطارنا العربية، وتفتح لها منافذ سياسية تحمل لواءها نيابة عنها في سورية ولبنان، حتى استقر بها الأمر فرحة مغتبطة باحتلال العراق مذهبياً، غير عابئة لوعورة اللعب المكشوف التعبوي على الحس الطائفي. لم تكن السعودية بسياستها الرصينة إلى هذا الأسلوب الأرعن، تاركة الأبواب مواربة بينها وبين إيران أملاً ببصيص ضوء يأخذ طريقه إلى العقول الإيرانية المنغلقة للعودة إلى جادة الصواب، على رغم كل الفوادح التي حاولت إلحاقها بالسعودية، منها:

 

محاولتهم الفاشلة الأولى بتهريب عبوات ناسفة لتفجير مواقع في مكة المكرمة في حج 1986، تلتها بمظاهرات حاشدة مميتة قام بتأدية أدوارها غوغائيون إيرانيون، بغية إحراج السعودية، وإفشال مواسم الحج، آخرها ما اقترفته إيران بافتعال تدافع منى، سقط نتيجته المئات ما بين قتيل وجريح، وهذا ما صرح به المستشار في وزارة الخارجية الإيرانية المنشق فرهنكيان، إذ كتب في موقعه الخاص، ونقلته العربية قائلاً: «بثقة إن التحقيقات ستدين النظام الإيراني لضلوعه في افتعال حادث تدافع منى».

 

تعاملت السعودية مع هذا الحدث بثبات وتحملت مسؤولياتها كما ينبغي من دون إثارة ضجيج إعلامي، وهذا ما كانت إيران تريده تحديداً، إلا أن كرة النار تدحرجت نحوها بطريقة ارتدادية، وثبت بشهادة خاصتهم تورط ملالي طهران ومدعي الإسلام بهذه الحادثة المشينة، ثم لا تتورع بعد كل فشل يضاف إلى سياساتها العدوانية الفاشلة، إلا أن تصرح علناً بتهديداتها الموجهة إلى السعودية، وتلوح بجاهزية جيشها لدخول معمعة حرب مرتقبة، ومع هذا فهي لا تجرؤ على التورط بحرب مباشرة؛ لأن الطموحات غير المعلنة تثبت حرصها الشديد على بقاء ملاليها تحت عمامة ولاية الفقيه، آمنة مطمئنة أطول مدة ممكنة، وسط أجواء مفعمة بالكراهية والمقت الشديدين، في الداخل والخارج،

 

لذلك لا يسعها سوى فتح معابر خفية تستطيع من خلالها تمرير العدة والعتاد إلى عملائها، كما تفعل في سورية والعراق، وفعلت سابقاً مع «حزب الله» و«الحوثي» الفاشل، الذي تورط في أسلحة هربت إليه من إيران عبر ميناء عصب الأرتري إلى السواحل القريبة من محافظة صعدة منذ ست سنوات تقريباً، لإيقانها بالفشل الذريع الذي ستمنى به عصاباتهم الخونة في الخليج العربي. لم تكن السعودية لتستخدم هذا النهج في تعاملها مع الدول الأخرى، إذ إن القيم الإسلامية الحقيقية تملي عليها احترام كل الدول، ومع أنها تعلم يقيناً ما تحيكه إيران لها من مؤامرات، وما تدفعه لأجل تحقيق ذلك من أموال طائلة لوسائل إعلام مأجورة لتلفيق الأكاذيب، إلا أنها تمسكت بعرى نهجها حتى اقترب الخطر إليها.

 

أعلنت عن «عاصفة الحزم» بلا مقدمات، ولا ديباجات استعراضية، وآلت على نفسها مع كل من ساندها ألا تنهيها حتى يتم لها اقتلاع النبتة الصفوية السامة من أرض اليمن السعيد، وإعادة الشرعية إلى أصحاب الحق، لا يتورع ملالي إيران في وضع أيدهم الملوثة بالدماء بيد أي إرهابي شيعي حول العالم ودعمه، كما فعلت مع حزب الدعوة الشيعي المتورط بقتل الأبرياء، حتى أوصلته سدة الرئاسة العراقية مع نوري المالكي، وبه تمكنت من تصفية آلاف الخصوم من بينهم علماء ومثقفين وطيارين، بلغة طائفية، ولم يتورع عن التعامل السري مع الموساد بمثل ما كان يتعامل به مع الحرس الثوري الجمهوري، من مبدأ الرباط العنصري التاريخي الوثيق الذي يجمع إيران الصفوية بإسرائيل المحتلة، ولنا أن نتصور لو أن «داعش» الإرهابية التي أعلنت السعودية براءتها منها، ودفعت لحربها بكل شراسة لما تمثله من عقيدة جهادية لا تمت إلى الإسلام بصلة، أقول مثلاً، لو كانت شيعية المعتقد، ماذا سيكون عليه موقف إيران الصفوية؟

 

حتما لن يختلف عن موقفها مع حزب الدعوة الإسلامي الشيعي، الذي أنجب المالكي بكل جرائمه وأساليبه الإجرامية التي خلفها لدى فيالق الحشد الشعبي، الذي يقوم اليوم بتصفية متعمدة لسنة العراق وعلمائها، في الأنبار، والموصل، وديالي، وصلاح الدين، ولا عن موقفها مع عصابات بشار الأسد وشبيحته الإرهابية، ولا عن الأفاق الأعظم نصرالله، الذي يهدد حالة السلم في لبنان ويجعلها في فراغ سياسي دائم، وتوتر مشوب بالحذر، ولا عن «الحوثي» وصبيانه، الذي كان استدراجهم بحفنة قات، ورغيف عيش مغموس بالاستغلال، والاستعباد، طريقاً لتفجير اليمن برمته، ولا عن محاولة تجييش السذج من شيعة الخليج، الذين ينعمون بالأمن، والاستقرار، والعيش الرغيد الذي يتمناه ويحلم به المواطن الإيراني المغلوب على أمره، ومعاناته جراء التضخم الاقتصادي، وارتفاع نسب البطالة، وغلاء المعيشة، هذا عدا صنوف العذاب والهوان الذي يتجرعها بسبب ارتفاع وتيرة القمع، ومصادرة الحريات، والاعتقالات، حتى غصت السجون وفاضت بما هو فوق الاستيعاب، ثم لا تجد منطقاً ولا حجة مقنعة يدفع هؤلاء السذج للتعبئة والخروج عما يحسدون عليه.

 

ومع ذلك تحاول السعودية دائماً تفهم وضعهم، ومناصحتهم بالحسنى، حتى يؤبوا إلى رشدهم ما لم توغل أيديهم بدماء محرمة فيكون جزاؤهم القصاص العادل، بينما لو حدث أقل من هذا في إيران، فستعلق الأجساد بالرافعات على عجل من دون محاكمات تذكر. هذه التناقضات بين العدل والظلم، السماحة والهمجية، الصفح والانتقام، وحسن الظن والمعاملة، وكف الأذى والمؤامرة، هو ما يباعد بين سياسة السعودية العادلة وسياسة إيران الجائرة.

 

اليوم، أمام مأزق إيران التاريخي، الذي قد يسقط ملاليها في ساعة من نهار، عليها أن تضع في حساباتها أن استمراء اللعب على الوتر الطائفي لن يوردها سوى حياض المهالك؛ لأن استثارة 10 في المئة، وهي النسبة التي يمثلها الشيعة في تعداد المسلمين حول العالم، لـ90 في المئة وهي نسبة السنة في تعداد مسلمي العالم، لن يكون في صالح ملالي طهران. هنا يكون العقل زينة، والحكمة ضالة المؤمن إن كانوا مؤمنين حقيقيين عند تعاملهم مع أقدس بقعة في العالم.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه