2016-01-11 

لا عزاء لإيران في نفق الجاليات الطائفية

حامد الكيلاني

العرب- هتمت أدبيات السياسة العربية للأحزاب والهيئات والمنظمات ومنها الجامعة العربية، منذ عقود، بزيادة معدلات العمالة الأجنبية الوافدة إلى بلداننا، خاصة في منطقة الخليج العربي، التي شهدت نموا اقتصاديا مع اكتشاف النفط واستخراجه وتصديره، ومعها ازدادت الحاجة إلى الأيدي العاملة لقلة أعداد المواطنين الأصليين قياسا بحجم التنمية والطفرات في القطاعات المصرفية والتجارية وقوانين الاستثمار، وصولا إلى مدن نوعية تنافس المدن المعروفة بنشاطها الاقتصادي العالمي. موجات العمالة الأجنبية، شغلت ذاكرة مثقفي الأمة وطروحاتهم وما يمكن أن ينتج عنها من تغييرات ثقافية وأحيانا توقعات بمخاطر سياسية على المدى البعيد، والمثال السنغافوري ربما حاضر وماثل في تطبيقاته لمؤثرات زيادة المهاجرين بنسب عالية، أدت في ما بعد إلى انفصالها عن ماليزيا كدولة مستقلة يمثل فيها الوافدون من الصين نسبة تصل إلى 80 بالمئة من سكانها.

 

العرب عموما والعراقيون منهم تحديدا، حذرون منذ منتصف القرن الماضي وينبّهون إلى زيادة العناصر الفارسية المنتقلة من إيران، لأنهم يتوجّسون من النيات الكامنة خلف تنامي أعدادهم وأدوارهم في الحياة العامة، المحاذير تنصب على الإيرانيين والتنبيه لما يمكن أن يؤديه هؤلاء في حالة نشوب أي صراع محتمل، والحرب الإيرانية العراقية نموذج لما أفرزته تداعيات المخاطر السكانية وانتمائها للوطن الأم. كُتِبَ الكثير وقرعت أجراس، لكن الانقلاب على الشاه ومجيء الملالي سنة 1979 وسط الفوضى وصخب الشعارات والانفعالات الدينية، أدى إلى نشوء الحرب مع العراق وفي مقدماتها واشتعالها ونهايتها، ما يمكن أن يكون إشارات ودلالات مهمة وخطيرة في كيفية التعامل مع أهداف المشروع الفارسي وتداعياته على أمن واستقرار أمتنا العربية.

 

ضرورة التفكير بأن ما عرف وقتها بالثورة الإسلامية، وضَعَتْ نصب عينيها العراق كهدف مباشر، وخاطبت القيادة العراقية برسالة كانت بدايتها “والسلام على من اتبع الهدى” وهي استعارة لرسالة النبي العربي إلى ملك الفرس، أي أنها نَصّبَتْ نفسها ولية أمر المسلمين وأهانت الدولة العراقية المسلمة بإرشادها وهدايتها إلى الإيمان، كأنهم كفرة، هذا المغزى أضعه في سياق “الانتقام الإلهي” الذي توعد به خامنئي، الذي فُهِمَ منه التضرع إلى الله لمعاقبة حكام المملكة العربية السعودية لإعدامها أحد مواطنيها، والحقيقة أن هذا الوعيد يدخل من باب السلطة الدينية التي يمثلها المرشد الفارسي الإيراني ولي الفقيه وما يتبعها من ألقاب دينية تنتهي عند التفويض الإلهي لتنفيذ إرادة الله من خلال وليّه على الأرض. مخاطر “الانتقام الإلهي” تكمن في التهديد بالعقاب الذي تمثله إرادة سلطته الحاكمة الراعية لكل ما يجري من تخريب وتدمير وتدخلات طالت مصير أمتنا وشعوب أكثر من دولة عربية

.

8 سنوات من الحرب الطاحنة خاضها أبشع نظام فارسي يستخدم الدين والطائفة تحديدا لاحتلال العراق، وكل شعاراته معلنة وسافرة ويجاهر بها للسيطرة على مدينة كربلاء والأسباب معروفة، لكن العراق لم ينسق أبدا للضغوط الهائلة في جبهات الحرب والسياسة لتوجيه الصراع إلى ساحة حرب طائفية يسعى لها النظام في إيران. ربما أو مؤكد أن الوعي بإدارة الحرب فوّت على نظام الملالي فرصة استغلال وجود طائفة كبيرة في العراق تنتمي لذات المشروعية المذهبية التي يحاول النظام الفارسي وما يزال، الاستئثار بمرجعيتها لخدمة أحلامه التوسعية.

 

الانتماء للوطن والدفاع عنه فوّت الفرصة على نظام الملالي احتلال العراق طيلة سنوات الحرب، بل تمت هزيمته وتجرعه السِم وقبوله وقف إطلاق النار مجبرا، وكان انتصارا للمواطنة والوطن على حرب ولاية فتن الطوائف وفقه الإيقاع بين أبناء الوطن الواحد والدين الواحد أيضا. ومن حقائق الحرب أيضا أن نظام طهران استطاع اختراق خطوط الجبهة العراقية بعدد من أحزابه العميلة المعروفة، وهي من تتسيّد مشهد السياسة العراقية بعد الاحتلال الأميركي ولحد الآن، لكنهم على دراية بأن انتصار العراق في الحرب كان دفاعا عن مصير وطن وأمة ولم تكن حربا طائفية، إلا من جهة حكام طهران، ولذلك خسروا هم وعملاؤهم، وما جرى في العراق وما يزال إنما هو السعي المحموم لتحويل المواطن إلى عنصر طائفي.

 

المخاوف القديمة من العمالة الإيرانية، والمقصود هنا سوق العمل والاستيطان من أجل لقمة العيش في خليجنا العربي أو أمتنا العربية عموما، أمست لا تعنينا بمخاطرها كثيرا لأنها تقع ضمن مفاهيم الجاليات الوطنية المقيمة، لكن التوجه الذي يمثل الصدمة هو استحداث مفهوم سياسي للكتل البشرية المتعايشة داخل الوطن الواحد ومحاولة تدجينها وزجها في مجموعة فعاليات، بوسائل الترغيب والدعم المالي والمعنوي والتدريب والأهم استثارة المشاعر الطائفية وخلق أسباب الكراهية واستغلال ردود الفعل للقيام بأعمال شغب أو التمادي لفرض الإرادات وإجبار المقابل على التخندق الطائفي كحالة لا بديل عنها. الجاليات الطائفية، هي الأنفاق المظلمة التي سعت ولاية الفقيه الفارسي إلى استغلالها وتجنيدها وتوريطها ضد أوطانها، رغم فشلها في أوساط واسعة من أبناء الطائفة ذاتها لأنهم أبناء بررة لأوطانهم وأمتهم ومرجعياتهم الدينية العربية.

 

الوصفة الجاهزة للعلاج كامنة في شجاعة الرد على حماقات واستفزازات وتدخلات نظام ولي الفقيه، وعدم التفريط في المواطن المنتمي إلى أي مذهب من المذاهب الإسلامية لأنها نتاج مدارس الفقه والشريعة التي اجتهدت عليها شخصيات من أمتنا لتأسيس أصول معاملات الناس في حياتهم وتفرعاتها الدنيوية والدينية. الاعتماد على الذات والتوحّد لمجابهة الهجمة الفارسية التي راهنت على حالات الضعف واحتلال العراق ووجود أذرع لها في العديد من دول عالمنا العربي، واستغلال الاتفاق حول برنامجها النووي لتمزيق شعوبنا التي استفاقت على نتائج الصراع الدامي وانتبهت إلى ضرورة الحرب الشاملة، دبلوماسيا وسياسيا وعسكريا واقتصاديا وإعلاميا، لفضح زيف ذرائعية المشروع الفارسي المتعكزة على الدين والطائفة وعقول متخلفة، أنتجت لنا دواعش الصراع الطائفي المتبادل.

 

 60بالمئة بطالة وأكثر من 45 بالمئة تضخم وقوميات متعددة وعقوبات جماعية واستبداد ومصادرة حقوق وميزانية تصدير الأزمات، والأحواز الثائرة والأرمن والأكراد وغيرهم، والحركات التقدمية المناهضة للملالي، كلها عوامل ضغط لإعادة تأهيل المنطقة. جرعة الهزيمة والسم التي تجرعها النظام الفارسي لإيقاف الحرب مع العراق، يبدو أن دورتها كل ربع قرن، لكن هذه المرة ينبغي إنقاذ الأمة ومصيرها أيضا.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه