2015-12-28 

السعوديات والإنتخابات... كان بالإمكان أفضل مما كان

من الدوحة، رشيد خشانة

سويس إنفو- في 12 ديسمبر 2015، قطعت النساء السعوديات خطوة حاسمة في اتجاه نيل حقوقهن الاجتماعية والسياسية بفوز عشرين سيدة على الأقل في الانتخابات البلدية، الثالثة في تاريخ المملكة، أمام نحو 6000 مُرشح من الرجال.

 

 وتُعتبر هذه النتيجة نجاحا تاريخيا مكن المرأة من دخول المعترك السياسي، رغم أنها الانتخابات الأولى التي يُسمح لها فيها بالاقتراع والترشيح.

 

ومع وجود تفاوت ضئيل بين المناطق فإن النساء الفائزات موزعات على جميع أنحاء البلد. فعلى سبيل المثال، فازت سالمة العتيبي بمقعد في المجلس البلدي بمكة المكرمة وفازت كل من سناء الحمام ومعصومة عبد الرضا في محافظة الأحساء، وسيدة الأعمال هدى الجريسي والناشطتين الحقوقيتين علياء الرويلي وجواهر الصالح في العاصمة الرياض، فيما فازت منى العميري في محافظة تبوك وسيدات أخريات في كل من جدة والقطيف والقصيم المعروفة بأنها مُحافظة دينيا وجازان المعروفة بقوة النفوذ القبلي فيها.

 

وبالفعل، تشكل هذه النتائج ثورة اجتماعية في بلد محافظ كان الوحيد في العالم الذي لا يسمح للمرأة بالاقتراع أو قيادة السيارة، ويفرض التزاما صارما بالفصل بين الجنسين في المدارس والجامعات والأماكن العامة، فضلا عن قيود أخرى منها إلزام المرأة بارتداء الحجاب والعباءة السوداء.

 

الانتخابات بالأرقام

عدد المقاعد في المجالس البلدية: 2106 مقعد بالاقتراع و1050 مقعدا يُعيّن الملك شاغليها.
عدد المُسجلين: مليون و350 ألف شخص في مقابل 130 ألف امرأة
عدد المُقترعين: 702.542نسبة المشاركة: 47.4 في المائة
عدد المجالس البلدية: 284عدد المرشحين 5938 من بينهم حوالي 900 سيدة
عدد الفائزين بعضوية المجالس البلدية: 2106 منهم 20 سيدة (إلى حين إعداد هذا التقرير).

 

حدث مفصلي

ولكن المرأة السعودية بدأت منذ سنوات فتح الطريق الوعرة لفرض مشاركتها في الحياة الاجتماعية، إذ فازت بعضوية الغرف التجارية (بالانتخاب) ومجلس الشورى (بالتعيين).

 

 ومن الأمثلة على ذلك الدكتورة لُمى السليمان الفائزة بأحد المقاعد في بلدية جدة، وهي أول سيدة انتُخبت إلى جانب عشرة رجال في مجلس إدارة غرفة جدة للتجارة والصناعة، وتشغل حاليا منصب نائبة رئيس الغرفة.

 

الدكتور جمال عبد الله، الباحث في مركز الجزيرة للدراسات بالدوحة، والمتخصص بالشأن الخليجي، اعتبر أن مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية السعودية "حدث تاريخي ومفصلي في الحياة السياسية والاجتماعية في هذه المملكة المحافظة".

 

 ورأى في تصريح خاص لـ swissinfo.ch أن "دخول المرأة كناخبة ومرشحة في تلك الانتخابات، وإن جاء متأخرًا، إلّا أنه مؤشرٌ إيجابي على مضي الحكومة السعودية قُدمًا من أجل تفعيل عدد من الإصلاحات التي وعدت بها وسنتها في خططها الإصلاحية، لا سيما بعد انطلاق شرارة ثورات الربيع العربي أواخر العام 2010".

 

ويمكن القول إن القيادة السعودية الحالية "ورثت" هذا الالتزام بإشراك المرأة في الانتخابات البلدية، اقتراعا وترشيحا، من الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز (2005-2015) الذي تعهّد في أوج ثورات الربيع العربي بمنح المرأة بعض الحقوق، ومن ضمنها التصويت والترشح، قائلا في مرسوم إصلاحات "إن النساء في السعودية أثبتن في مواقفَ صحة الرأي والمشورة"، كما عيّن ثلاثين سيدة أعضاء في مجلس الشورى.

 

في السياق، يلتقي تحليل الدكتور جمال عبد الله مع تعليق رئيس تحرير صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية سلمان الدوسري على نتائج الانتخابات إذ اعتبرها "أم المفاجآت"، مُؤكدا أن "ما قبل هذه الانتخابات يختلف عما بعدها"، مُضيفا أنها كانت "بالون اختبار حقيقي تم من خلاله قياس درجة تقبل المجتمع السعودي بكافة شرائحه لمنح المرأة حقوقها، وهو ما حققت من خلاله نجاحا لافتا لاشك أنه سيُغير من خريطة الحراك السياسي والاجتماعي في الساحة المحلية، خصوصا أن هذه المشاركة النسائية التاريخية حظيت بدعم الملك سلمان".

 

غير أن الاختراق الذي أحدثته المرأة في الانتخابات الأخيرة لا يحجب الصعوبات الكبيرة التي واجهتها لفرض الحق في الترشح، إذ لم تُجز طلبات الترشح التي تقدمت بها كثير من السيدات، وخاصة الناشطات المعروفات بدعوتهن للسماح للمرأة بقيادة السيارة.

 

 وواجهت المرشحات ثلاثة أصناف من العراقيل، تتعلق الأولى بالحاجة إلى سائق للتنقل من أجل إيصال صوتهن إلى الناخبين، والثانية بمنع المُرشحات من مقابلة الرجال في الإجتماعات الإنتخابية إذ كُن يتحدثن إليهم من وراء ستار أو عن طريق أزواجهن أو أبنائهن، أما الثالثة، فتمثلت في ارتفاع أسعار استئجار القاعات للحملة الإنتخابية، علما أن تعليق صور المرشحين أو المرشحات في الشوارع محظور.

 

مجتمع محافظ

في ضوء تلك العراقيل المتنوعة، سألت swissinfo.ch الدكتور جمال عبد الله: إلى أي مدى مكنت هذه الإنتخابات من توسيع دائرة المشاركة والاهتمام بالشأن العام في المجتمع السعودي؟ فأجاب بأن "المجتمع السعودي يبقى مجتمعًا محافظًا من الطراز الأول، لا سيما فيما يتعلق بالمرأة وحقوقها وإشراكها في الحياة العامة رغم تبوأ عدد من النساء السعوديات مناصب قيادية في المملكة، لا سيما في مجال المال والأعمال، وأحيانًا دولية في المنظمات والهيئات الدولية".

 

على صعيد آخر، أظهرت الاحصاءات المنشورة على موقع الإنتخابات أن أعلى نسبة تسجيل للنساء على اللوائح الانتخابية سُجلت في العاصمة الرياض وحائل (شمال) والمنطقة الشرقية، أما أعلى نسب تسجيل الشباب من الفئة العمرية 18-21 سنة فسُجلت في الرياض ايضا إلى جانب القصيم وحائل وأقلها في نجران والأحساء (جنوب).

 

مع ذلك لوحظت أجواء من اللامبالاة وقلة الاكتراث في أوساط الشباب بالانتخابات، وكتب أحدهم في مواقع التواصل الإجتماعي أن "المجالس البلدية تبقى شكلية سواء فاز النساء أم لم يفُزن، (فهي) لا تتخذ القرارات وتُقدم مشورة غير مُلزمة لأمير المنطقة، وأعضاء المجالس البلدية الفائزون ليس لهم سوى الانتفاع الشخصي من مناصبهم والتمصلح مع الطبقة الأرستقراطية".

 

مطالب المرشحات شكلت حملات المرشحات للانتخابات البلدية مناسبة لطرح مطالب المرأة العاجلة سواء عبر وسائل الإعلام التقليدية أم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.

 

 في مقدمة هذه المطالب إنهاء ولاية الرجل على المرأة، إذ أنها لا تستطيع حتى الآن فتح حساب مصرفي أو التسجيل للدراسة في الجامعة أو السفر من دون الحصول على ترخيص من والدها أو زوجها أو... ابنها.

 

وربما كان ارتفاع أصوات بعض النساء المدافعات عن هذه المطالب فوق السقف المسموح به هو الذي جعل السلطات تُبطل ترشيحهن للمجالس البلدية، وكانت المُستهدفات بشكل رئيسي الناشطات اللائي دافعن عن حق المرأة في قيادة السيارة.

 

وما يزيد من عزوف الشباب عن المشاركة وقلة إيمانه بجدوى الانخراط في الشأن العام أن غالبية المراقبين يعتقدون أن القيادة السعودية الحالية، التي تُنعتُ أحيانا بأنها من "المحافظين الجدد"، أقل انفتاحا وأشد التزاما بالتقاليد من سابقتها.

 

وتشير ضآلة الخطوات الاصلاحية وبطء نسقها إلى أن الزمن قد يكون سبق النظام السياسي في السعودية، الذي مازال مُترددا في إجراء إصلاحات سياسية واجتماعية نوعية، بينما تتعمق القطيعة يوما بعد آخر بين الحُكم والنخب، وخاصة مع الشباب السابح في العالم الافتراضي والنساء المتعلمات والراغبات في لعب دور حقيقي في المجتمع.

 

ومن المؤشرات الذي يذكرها المحللون أن المرأة الكويتية خرجت من أول انتخابات بلدية أتيح لها المشاركة فيها في 2006 بيد فارغة وأخرى لا شيء فيها، بينما حصدت المرأة السعودية بعد عقد من الزمن عشرين مقعدا، على رغم أن وضع المرأة في الكويت أفضل بكثير من وضعها في المملكة المجاورة.

 

وعزا الدكتور جمال عبد الله هذا الأمر إلى "بطء اتخاذ القرار السياسي في المملكة العربية السعودية إذا ما قارناه بذلك المُمكن اتخاذه في دول الجوار، حيث أن التعقيدات والتشابكات في الأسرة الحاكمة السعودية "داخليًا" أكثر بكثير من تلك التي يمكن رصدها في الأسر الحاكمة في دول الخليج المجاورة الأخرى.

 

 كما ينبغي عدم إغفال الثقل والحيز الكبير الذي تشغله السعودية كونها الراعية لشؤون الحرمين الشريفين في كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة، ما يفرض عليها حساب كل خطوة تُقدم عليها على جميع الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية".

 

تطلعات الشباب

 

الباحث في مركز الجزيرة للدراسات بالدوحة، أضاف أن "شريحة الشباب في المجتمع السعودي كبيرة جدًا، وسياسة الابتعاث التي اعتمدتها المملكة في عهد الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، قادت إلى انفتاح المجتمع السعودي من خلال شبابه وشاباته على العالم الخارجي، ومحاولتهم التحديث وتطبيق المهارات والمفاهيم التي اكتسبوها خلال تواجدهم في الخارج، عند عودتهم إلى موطنهم الأم مع الحفاظ على هويتهم الوطنية وتراثهم ودينهم".

 

بعد الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات، من المرجّح أن تتخذ السلطات إجراءات "تجميلية" تتمثل أساسا بتعيين سيدات في المجالس البلدية في المقاعد الـ 1050 التي يُعيّن الملك شاغليها، وهو ما لمح إليه مفلح القحطاني، رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الانسان (رسمية)، الذي أشار إلى أن "النقص في عدد النساء سيُغطى بالتعيينات".

 

 لكن هذه الخطوات لا تغني -حسب مراقبين -عن الحاجة إلى بلورة رؤية شاملة لمستقبل المجتمع، والكيان السعودي ككل، في ظل التغييرات الكبرى التي تعصف بالمنطقة، والتي تستوجب إجراءات عاجلة وعميقة لتوسيع المشاركة ومجابهة التحديات الاقتصادية (تراجع أسعار النفط) والسياسية (الصراع مع إيران) والأمنية (المعركة مع الإرهاب) بجبهة داخلية متماسكة.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه