واقعية بن تميم و تحذيرات ماكس فيبر

ياسر الشاذلي

لم تمض سوى ساعات قليلة على تفسير المفكر الإماراتي الدكتور علي بن تميم لمصطلحه الحصري " فقهاء الجحيم" مع الصديق سلطان السعد القحطاني في برنامجه " حديث العمر" على قناة روتانا خليجية، حتى صدمتنا الشاشات الإخبارية ورسائل الجوال بخبر عن عملية انتحارية في باريس اللافت في صياغتها التأكيد على أن مرتكبها ردد مفردة " الله أكبر" وهو يطلق رصاصاته في صدور ضحاياه.  

المشهد وإن بدا عبثياً إلى حد كبير إلا أن دعوة الدكتور علي بن تميم رغم تعارضها مع تحذيرات ماكس فيبر بأننا " نعيش في زمن نزع القداسة" تؤكد من جديد أن الدين في المطلق لدينا هو الباب الرئيس لولوج المنحرفين كما هو الجسر الآمن لغسيل الأرواح من خطاياها.

وغير بعيد عن بن تميم و فبير فإن ذاكرتنا على ما يبدو تتلذذ  بالنسيان وتتعمد إشاحة وجهها عن الحقيقة، فوليام ليدرر الذي وصف المجتمع الأميركي في كتابه " أمة من الخراف" بتعرضه لأكبر عملية خداع في تاريخه باسم الحفاظ على المصالح الأميركية، فإننا أيضاً نتعرض لمحاولة " خرفنة" باسم النصوص المقدسة التي يجب أن تطأ رؤوسنا وعقولنا بأقدام من وصفهم بن تميم بـ " فقهاء الجحيم".

ما حدث في فرنسا ومن قبله في أميركا وما سيحدث مستقبلاً في كثير من دول العالم لن يكون المتضرر الأول منه مواطنو تلك الدول،  بل ربما تجاوزهم نحونا كمواطنين عرب أكثر، في ظل ضعف أو محاولات اغتيال المثقف العربي لصالح هؤلاء الفقهاء الجدد.

الدكتور علي بن تميم قال في مقابلته المميزة مع الإعلامي سلطان السعد القحطاني " إن الإسلام السياسي استطاع بناء قوة كبيرة عبر الخديعة وتضليل المجتمع ولكن المجتمع الآن بات يميز ذلك" مضيفاً أن " "المتشددين خلقوا لأنفسهم هالة كبيرة وسيطروا لمدة طويلة على التعليم والإعلام ويجب على المثقف أن يواجههم باستمرار دون قلق" لكنه اسقط من بين أوراقه أن الحلقة الأضعف (عن عمد) هو المثقف  نفسه الذي تاه ما بين سلطة الاحتياج وغواية الوقت، فبات طرفاً خارج معادلة المواجهة والتعويل على دوره ضرب من المغامرة ، خاصة وأن الكلمة التي هي رسالة الله المعجزة إلينا كعرب لم تعد بقوة قداستها القرآنية في وجه محترفين ومدربين على تحويلها من رحمة للعالمين إلى جمر على حرير وعينا، وبالتالي فإن فقدان قوتها يقود حتماً نحو انهيار كامل لبنية مجتمعاتنا بشكل مستتر حتى الآن.

الخوف من أن انهيار وانهزامية أهم أدوات المثقف وهي (الكلمة) سيقود حتماً إلى انهيار علني في مرحلة لاحقة يقضي علينا كجيل فشل في الإدراك مبكراً  حقيقة ما يحاك ضدنا.

لعل الصادم في الصراع المصيري الحاصل الآن أننا لم نصل بعد إلى مرحلة الحسم فما زال عدد ضحايانا رغم ضخامته أقل بكثير من عدد ضحايا دول مثل أميركا اللاتينية والتي راح قبل عقدان  أكثر من 75 الف شخص ضحية لأحداث بها عرفت سياسياً بـ " الخيار السلفادوري".

الحقيقة الغائبة رغم حضورها في أبجديات المشهد بطغيان ملموس هنا أننا وتحت سلطة سيف " القداسة الدينية لفقهاء الجحيم" سنتحول جميعاً إلى مجرد " حانوتية" وفق المصطلح المصري لدفن الموتى خلال الفترة المقبلة شئنا ذلك أم أبينا، إن لم تتبنى دول بحجم الإمارات أو السعودية مشروعات فكرية ثقافية تتوازى مع مشروعاتها العسكرية أو التنموية، تكون بحق قادرة على احتضان ورعاية المثقف العربي أينما كان لأنه في الأخير هو المعني الأول بحماية المجتمع داخلياً وتحصينه ضد هؤلاء الغزاة الجدد.
وأدعو هنا الشيخ محمد بن زايد أوالأمير خالد الفيصل ليكونا رعاة لمثل هذه الدعوة خاصة وأن طرفي التعويل على دور المثقف في ظل ما يعانيه من صعوبات يعد ضرباً من التنظير ليس إلا.  

ياسر الشاذلي

Yayasser200@hotmail.com

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه