2015-10-10 

السلفية المسيحية

عمار علي حسن

تتشابه «الأصوليات» فى الأديان كافة، من حيث إصرار أتباعها على التفسير الحرفى للنصوص الإلهية، والتمسك بالأقوال القديمة، وجعل الماضى متحكماً إلى حد بعيد فى الحاضر، أو يجثم على صدره ويكاد يخنقه، والادعاء بأن ما هم عليه هو صحيح الدين، وأن ما عداه بدع يجب محاربتها. ولا تخطئ العين ما يفعله اليهود المتشددون فى إسرائيل وغيرها من محاربة التحديث والحداثة، ونعت من يخالفهم بأنه خارج على الشريعة، ومحاولة فرض رأيهم على المجتمع بأسره. وتبذل السلطات العلمانية التى تحكم إسرائيل جهداً فى سبيل مواجهة أفكارهم، وإن كانت تستوعبهم فى إطار المشروعية القانونية والشرعية السياسية، ومع هذا تبقى حذرة حيال تأثيرهم على المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وفى الغرب المسيحى هناك أصولية أو سلفية من هذا القبيل، إن نظرنا إلى الأفكار التى تعتنقها، والدعوة التى تنشرها، والاستبسال فى الدفاع عنها، سنجدها متطابقة إلى حد بالغ مع نظيرتها التى أنتجها التاريخ الإسلامى أو صنعتها الممارسات البشرية فى تاريخ المسلمين، رغم اختلاف الدين والاعتقاد. وتأتى طائفة «الأميش» على رأس السلفيات أو الأصوليات التى أنتجتها المسيحية، بعد أن بذل المجتمع الغربى جهداً فائقاً فى سبيل الإصلاح الدينى، أدى فى نهاية المطاف إلى فصل الدين عن السلطة السياسية أو التمييز الواضح بين الأخيرة وبين السلطة الدينية الواسعة التى كانت تتمتع بها الكنيسة فى العصور الوسطى. وظهرت «الأميش» فى الغرب خلال العصور الوسطى لتقاوم الإصلاح الدينى، ولا يزال لها قلة من الأتباع فى أمريكا، كان أتباعها يحرّمون حلق اللحى، ويوجبون حلق الشارب، وفرضوا على المرأة لبس أزياء فضفاضة تغطى جسمها وشعرها، فتلبس غطاء رأس أبيض إن كانت متزوجة، وأسود إذا كانت عزباء، وأن تطيع زوجها فى كل ما يريده، وأن تكون مهمتها فى الحياة هى العمل على راحته، وألا تقود عربة أبداً، وحرّموا التصوير والنحت والموسيقى، وأزالوا وجوه ألعاب الأطفال، وقللوا من أهمية دراسة العلوم، وحصروا العلم فى الدراسات الدينية، ورفضوا الصلاة فى الكنائس، ويرفضون أى تغيير طرأ على الحياة، إنما العيش كما جاء بالإنجيل بحذافيره، وعندهم مجلس فتوى يتكون من كبار السن، يتابعون كل ما يستجد ويصدرون رأياً فيه طبقاً لما يظنون أنها تعاليم الإنجيل الثابتة، وهم يؤمنون بالانعزال عن العالم ويرفضون مخالطة غيرهم أو الالتزام بقوانينهم وأفكارهم، ويرفضون استعمال التليفون والكهرباء والنقود إلا جبراً، ولا يُدخلون أطفالهم المدارس الحديثة. وكثير من هذه السلوكيات نراها فى بلادنا وإن كانت تحمل اسماً مختلفاً، يزعم أتباعه أنه يمثل صحيح الدين وأن ما عداه بدع مستحدثة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النار. *نقلاً عن "الوطن" المصرية

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه