2015-10-10 

تونس بين إنعاش للاقتصاد وتبييض للفساد

من تونس، سارة ميرش

آثار مشروع قانون المصالحة الاقتصادية في تونس موجة عارمة من الغضب والسخط الشعبي، ودعت القوى المعارضة إلى مظاهرات واسعة إلا أنّ الداخلية التونسية رفضت منح التصريح بسبب ما وصفته بـ "الوضع الأمني للبلاد". وبحسب دويتش فليه يهدف مشروع القانون الجديد إلى العفو عن رجال أعمال متهمين بالفساد في تونس خلال حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، ففي الوقت الذي تراه الحكومة إنعاشًا للاقتصاد، تزداد حدة الأصوات المطالبة بضرورة المحاسبة قبل المصالحة. ومنذ أن تقدمت الحكومة التونسية بمشروع قانون المصالحة الاقتصادي، تشهد العاصمة تظاهرات مناوئة لمشروع القانون يفرقها رجال الأمن سريعًا عبر استخدام الهراوات والغاز المسيل للدموع، في إطار قانون الطوارئ الذي تم اعتماده بعد هجمات متحف باردو ومنتجع سوسة، والذي توظفه الدولة لملاحقة مناهضي قانون المصالحة. "المحاسبة قبل المصالحة" هو المطلب الأساسي للمتظاهرين، بيد أن المصالحة التي دعا إليها رئيس الجمهورية باجي قايد السبسي تعكس النقيض تماما، فمشروع القانون يقضي بالسماح للعديد من رجال الأعمال المتهمين بالفساد بإعادة الأموال المنهوبة إضافة إلى 5% من قيمتها سنويا مقابل إسقاط جميع التهم عنهم وفتح أبواب الاستثمار أمامهم. وتهدف الدولة إلى إنعاش الاقتصاد التونسي الذي يعاني من عجز مالي كبير بالنظر إلى تقلص مواردها وتباطؤ النمو الاقتصادي إلى حوالي 0.5% وفقا لتوقعات العام الحالي، بينما أشارت بعض التصريحات الرسمية إلى إمكانية استرجاع خمسة مليارات يورو مجمدة في بنوك خارجية. ويرى النائب أحمد صديق النائب عن "الجبهة الشعبية" الذي التحق بصفوف المتظاهرين احتجاجًا على ما أسماه بـ"عودة الفاسدين"، أنّ القانون الجديد خطوة إلى الوراء نحو نظام المافيا القديم. وأشار صديق إلى التناقض الواضح بين القانون ومقتضيات الدستور محذرًا من عودة الحرس القديم و ضياع استحقاقات الثورة. من جهته يرفض الاتحاد العام التونسي للشغل ذو النفوذ القوي في تونس مشروع القانون مؤكدا أنه يتعين محاسبة المتهمين بالفساد واحترام مسار العدالة الانتقالية. وأعربت سهام بن سدرين رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة المسؤولة عن التحقيق في قضايا الفساد المالي عن خشيتها من سحب نصف الملفات المقدمة من هيئة الحقيقة والكرامة إن تمت المصادقة على مشروع المصالحة الاقتصادية، قائلة: إن دور الهيئة سيتحول حينها إلى حائط بكاء، يزوره الناس للشكوى فقط ثم يعودون إلى منازلهم. وشددت بن سدرين في أكثر من مناسبة على عدم دستورية مشروع القرار، مؤكدة أن صلاحية محاسبة المتورطين في الفساد المالي وإجراء مصالحة معهم يجب أن تكون حصرا على لجنة التحكيم والمصالحةوهي إحدى لجان الهيئة. وأشارت إلى أنّ مشروع القانون الذي قدمه الرئيس التونسي تطغى عليه الرغبة في تبييض الفساد، والعمل على الإفلات من العقاب، كما لا يضمن ذلك عدم تكرار جرائم الفساد، بل يشجع عليها. وأعربت سلسبيل قبيلي، أستاذة القانون الدستوري بجامعة تونس، عن قلقها من مشروع القانون الذي صيغ عن ممثلي الوزارات دون إشراك لجنة محايدة قادرة على النظر في القضايا الاقتصادية. ويرجح المراقبون أن يحصل هذا القانون على مصادقة البرلمان بسهولة، حيث يشكل حزب نداء تونس الحاكم غالبيته، وهو الحزب الذي توجه إليه اتهامات بضم رموز نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي. ووفقا للدستور المعتمد منذ 2014، فإن هيئة الحقيقة والكرامة هي الجهة المسؤولة للنظر في قضايا الفساد المالية. لكن في عامها الأول، لم يصدر عن الهيئة أي إجراء فعلي، مع أنها استلمت آلاف الشكاوى من المواطنين، ولم تحدد أي موعد لجلسة استماع علنية، كما سبق أن وعدت بذلك، كما لم تتقدم بطلب إلى القضاء للنظر في قضية ما. وتواجه هذه الهيئة عدة عراقيل خارجية وداخلية جعلت ستة من أعضائها الخمسة عشر يستقيلون أو أنهم أقيلوا من مهامهم، احتجاجا على سياسية رئيستها سهام بن سدرين.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه