2015-10-10 

ولا العفاريت الزرق

علي سالم

في شهر يوليو (تموز) المقبل، تكون قد مرت خمسون عاما على تقديم أول عمل مسرحي لي على خشبة المسرح الكوميدي، من إخراج جلال الشرقاوي. كانت المسرحية هي «ولا العفاريت الزرق»، بطولة نجوى فؤاد، ومحمد عوض، وسمير صبري، ومحمد رضا، وسيد راضي، وجمال إسماعيل، رحم الله من انتقل إلى رحمته، وأمد في عمر الأحياء ومتعهم بالصحة والعافية. خمسون عاما من الاحتراف بما يتطلبه من خوض لمعارك سبقتها أعوام طويلة من الهواية، لذلك لن تجد مكانا في جسمي يخلو من طعنة رقيب، أو ضربة مخرج، أو ضربة تحت الحزام من ناقد كاره للبشر، أو لكمة من مسؤول يشعر بالخوف من المسرح. اسم المسرحية هو مصطلح شعبي يعني الاستحالة، فنقول مثلا إنه «ولا العفاريت الزرق قادرة على فعل كذا». وكانت ثيمة المسرحية، الـ(theme)، تتحدث عن عفريت مثقف متحمس لعلاقات سلام بين العفاريت والبشر، تقدم بطلب إلى مجلس إدارة العفاريت الزرق يطلب منهم السماح له بالنزول إلى الأرض لمساعدة فنان يمر بظروف تعسة، وذلك بمساعدته في الحصول على دور في فيلم، وهو ما يعده البشر معجزة. بالطبع زمن المعجزات لا وجود له في عصرنا هذا. غير أن عفريتنا «شمهورش 5»، وشهرته «ميشو»، كان طيب القلب، ويريد أن يستعيد العفاريت علاقتهم الطيبة بالبشر، التي ساءت إلى الدرجة التي يزعم فيها بعض الناس أن العفاريت تركبهم، مع أن المواصلات في عالم العفاريت ممتازة ومريحة ومنتظمة. وافق مجلس الإدارة على الاقتراح، فنزل ميشو إلى الأرض، غير أنه فشل في مهمته، وانهار باكيا عندما اكتشف أنه ولا العفاريت قادرة على صنع معجزة لفنان، لسبب بسيط، هو أن الفنان بما يحمله من إبداع فني هو المعجزة. هذا بالضبط ما أريد أن أقوله للمسرحيين السعوديين: أنتم فقط من يستطيع صنع المسرح السعودي. وإذا لم تستطيعوا صنع هذا المسرح في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز المثقف الذي يجمع في ثقافته بين الأصالة والمعاصرة، وفي وجود شاب متحمس وزيرا للثقافة، هو الدكتور عادل الطريفي، أقول: إذا لم تستطيعوا صنع المسرح السعودي المنشود في هذا العهد، فسيكون العيب فيكم، وفي هذه الحالة سيكون المسرح قضية مؤجلة لأحفادكم أو أحفادهم. أعرف ما تمرون به في هذه المرحلة من توهان؛ فقد تهنا في مصر طويلا بحثا عن الطريق الصحيح. الطريق الصحيح المناسب لكم كما أراه هو علاقات قوية ونشطة مع إنجلترا؛ مع المجلس البريطاني، ومع فرقة شكسبير المسرحية. مع تخصيص بعثات لدراسة المسرح هناك. هنا تدخل المشهد جهة مسؤولة، هي وزارة التعليم. لا بد أن تكون البداية تقديم مسرحيات عالمية بمساعدة من المجلس البريطاني، ولا شك أنه سيسعده أن يسهم في ذلك بإمدادكم بالمخرج ومصمم الملابس والديكور. في المسرح، نحن نبدأ بالتمثيل وننتهي به. كلنا نعمل عند هذا الممثل، وعلينا إعداده بشكل جيد إلى أن يفتح الستار عليه. هذا هو بالضبط ما ستهتمون به.. فقط عليكم أن تتسلحوا بالتواضع، أنتم لم تنجزوا شيئا بعد.. واحترسوا من الغرور؛ ذلك المرض الذي يصيب عادة هؤلاء الذين ما زالوا في أول الطريق. *نقلا عن جريدة "الشرق الأوسط" اللندنية

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه