2015-10-10 

عصر النهضة والعصر المضاد

سمير عطالله

لعصر النهضة إعلام متفق عليها تقريبا، أما تعريفه فمتعدد الاتجاهات. ومن الناحية الزمنية، على الأقل، فهو يقع بين نهايات الاستعمار وبدايات الاستقلال. والنهضة مثل التخلف، موجة يصنعها المفكرون والأدباء، إذ يخرجون من دوائر السائد إلى دائرة التجديد، من دون الخروج على الإرث أو نكران الماضي. وأبرز علامات وآثار عصر النهضة العربي كان ظهور اللحمة الوطنية والمفهوم القومي والدولة المدنية. ولد العصر في روايات محمود تيمور، ودراسات طه حسين، وشعر شوقي، ومسرح يوسف وهبي، و«عبقريات» العقاد، وظهور الصحافة العلمية. وكان طبيعيا أن تكون مصر هي أم العصر والحركات الوطنية. وأن تكون ساحة النقاش والجدل والتطور ومركز الدولة الحديثة الأولى. ومن ازدهار الحركة الوطنية في مصر، ولدت الآمال القومية في سائر البلدان. ونقلت صحف مصر وكتبها، ولاحقا فنونها، إلى سائر العرب معالم التجدد وأهمية الدولة وعظمات القانون. وصار القضاء المصري و«الشاويش» المصري وبطل الرواية المصري، نماذج تحتذى. أي أن «عصر النهضة» كان في نهاية المطاف، مجموعة قيم ومثل تماشي عصور التقدم، وتحاكي قيام الدول والمجتمعات القابلة للحياة، خلافا للمجتمعات القبلية والعصبيات القاتلة والثارات وعلاقات الانتقام والعيش خارج قواعد العدل العام والصالح العام. ما هو نقيض «عالم النهضة»؟ هو الخروج من اللحمة الوطنية والأمل القومي والرحابة البشرية، إلى أمة مفكروها من أهل الإنترنت. بلاد انحطت فنونها من أغاني أحمد رامي وإبراهيم ناجي إلى كليبات زيزي، مطربة الموز وإيحاءاته. وقد لحق بها المعجبون كما يلحق القتلة الأوروبيون بساحات التطرف. وهذا الانفصال في الوعي سببه اختلال التوازن واعتلال المشاعر واضطراب ميزان القيم في النفوس. غياب النهضويين، بكل ما في ذلك من معان، وأصول ومفاهيم، يرمي الأمة في هذا الفراغ الذي لا يجد ما يملؤه سوى أغاني السقط وحضارات القتل والدمار والغربان المحلقة في كل مكان. لا قضايا فكرية مطروحة ولا قضايا حياتية ولا مواضيع إنسانية، فإما التقدم الذي تعرضه علينا زيزي وخلاعة الموز والكليبات المليئة بالصور، الخالية من اللحن والكلمات، وإما التقدم الذي يعرض علينا من الرقة والموصل، القاضي بإغلاق المدارس والجامعات. كيف حدث ذلك؟ سامحوني على التكرار. حدث يوم أصبح الزعيم هو مفكر الأمة، والشاعر موظفا في مهرجاناته، ووزارات الثقافة فرعا من الشرطة السرية، والصحف يحررها الرقيب، رتبة ووظيفة، يوم صارت الأحزاب شرطة أمنية، ويوم أدت هذه المكدسات الرملية إلى انهيار عظيم، بدأ في الأمن. *نقلا عن جريدة "الشرق الأوسط" اللندنية

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه