2015-10-10 

فلنتعلّم من الموسيقار

عبداللطيف بن نخي

شاهدت قبل أسابيع مقطع فيديو يظهر شاباً عربياً يؤذن للصلاة، ومن خلفه موسيقار غربي حامل غيتاره. تبين لي لاحقا بأن الحادثة وقعت في سوق بمدينة زيلامسي النمساوية، حيث وافق العازف النمساوي على إعارة ميكرفونه، مع كامل ملحقاته الصوتية لشابٍ خليجيٍ ليؤذن منادياً لإقامة صلاة المغرب. البعض اعتبر أن ما حصل بمثابة انتصارٍ للإسلام والمسلمين، ومنهم من أعلن اعتزازه في فضاء التواصل الاجتماعي مغرداً «اللهم انصر الإسلام والمسلمين بكل مكان وزمان». وهنالك من كانت له زاوية مختلفة لقراءة الحدث، فعلق قائلاً «رائع وجميل سلوك هذا الموسيقار النصراني. كان يعزف - ليكسب قوت يومه - فتوقف احتراماً لعقيدة المسلم وليسمح له أداء الأذان. فهل نتقبل نحن حرية الأديان؟، وهل نحترم عقيدتهم في بلادنا وخصوصا في الخليج ؟». أعجبني التعليق كثيرا خاصة وأنه صدر من دكتور متدين من أبناء إحدى القبائل الكبيرة في الكويت. فحرصت أن يكون تعليقه موضوع مقالي في ذلك الأسبوع، ولكن بسبب توالي الأحداث المهمة في الكويت وتبعاتها الخطيرة على المجتمع اضطررت لتأجيل هذا المقال لأسابيع عدة. لم يكن مفاجأً لي – كتربوي - أن أجد أغلبية التعليقات على مقطع الفيديو مهللة بالنصر والفتح، ولم يكن مستغرباً انزعاج البعض من دعوة الدكتور للتعلم من موقف الموسيقار وتبني نشر التسامح الديني في مجتمعاتنا. حيث برر البعض استنكاره بسرد المواقف العنصرية والمتطرفة من الغرب تجاه العرب والمسلمين ومن بينها محاولات القس الأميركي تيري جونز حرق القرآن الكريم، فضلاً عن القضايا المبتورة والقصص المفبركة لترسيخ كراهية الغرب في قلوبنا. لا أقول بأن الغرب خالٍ من العنصرية أو التطرف، ولا أحتمل أن تكون حكوماته نزيهة من المكر السياسي أو المكائد. ولكن أقول بأن أحزاب التجهيل الإقليمية حريصة على خلق حواجز تعيق تمدّن شعوب المنطقة وتحضرها سياسياً. فهي شديدة الالتزام بالتشكيك في نوايا الاستكبار العالمي والتخويف من خطط الدول الاستعمارية. لأنها - والحكومات التي ترعاها - أول المتضررين من مفاهيم الحوكمة الرشيدة والتعايش السلمي إن تسللت إلى مجتمعاتنا. علينا كمجتمع يسعى للتحرر من قيود التخلف السياسي والتعصب الجاهلي، أن نتعلم من واقع المجتمعات المتحضرة، فنجلب إيجابياتها بشجاعة ونتجنب سلبياتها بثقة. ومن بين أبرز ما ينبغي اقتباسه من تلك الأمم هو التعددية التي تربوا على ثقافتها وحرصوا على ممارستها ثم استمراريتها في أجيالهم اللاحقة. لذلك مازالوا يشرعون القوانين التي ترعى وتنمي التنوع الثقافي ويوفرون المناهج والنماذج التي تكرس قبول الآخر في الأفراد منذ نعومة أظافرهم. كل من درس في الغرب شهد وتلمس التسامح الديني في تلك الدول. فالكثير من الجامعات توافر مصليات للطلبة المسلمين، بل أنها أحيانا توافر أيضا دورات مياه مناسبة لتلك المصليات. و الجاليات الإسلامية تشتري مباني، ومن بينها كنائس، ثم تحولها إلى مساجد أوحسينيات. بل أن معظم تلك المساجد والحسينيات تتلقى دعما ماديا من قبل الحكومات الغربية في صورة إعفاءات جزئية أو كلية من الضرائب أو فواتير الكهرباء والماء. ولابد من التذكير هنا بأن الشعوب الغربية تساهم في ميزانيات حكوماتها من خلال مجموعة متنوعة من الضرائب. أي أن «النصراني» يشارك في المصاريف التشغيلية للمساجد والحسينيات في الغرب. المجتمعات المتحضرة تسمح للمسلمين ولغيرهم بالمجاهرة في ممارسة شعائرهم بحرية قد تفوق المسموح لهم في أوطانهم. ولا أقصد هنا فقط القيود المتفاوتة على الأقليات الطائفية في معظم الدول العربية والإسلامية، بل حتى تلك المفروضة على أبناء الطائفة الحاكمة. فتجد قوات الأمن في بعض الدول الإسلامية تقتحم دور العبادة والبيوت لتعتقل مواطنين من ذات طائفة الدولة، بتهمة ممارسة شعائر دينية تحرمها المرجعية الدينية المالكة في تلك الدولة. وفي المقابل تجد الدول المتقدمة تسمح للمسلمين بإقامة صلاة الجمعة في الساحات المفتوحة والحدائق العامة، كما أنها ترخص لمسيرات دينية بل وتؤمن لها خط سيرها.. لأن تلك الأمم تعي أهمية حماية الحريات الدينية في توفير الرضا النفسي وتباعاً تأمين السلم الأهلي وتنمية الاقتصاد الوطني. من جريدة الرأي الكويتية

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه