2015-10-10 

حتى التوقيت الزمني لعبة سياسية

بي بي سي

بدأت كوريا الشمالية العمل بتوقيت زمني خاص بها باسم "توقيت بيونغيانغ"، في خطوة ذات دافع سياسي لمحو هيمنة الامبراطورية اليابانية في السابق. وكتبت مراسلة الشؤون الاجتماعية لبي بي سي فاليريا بيراس أن كوريا الشمالية ليست الدولة الوحيدة التي استخدمت تغيير التوقيت في معركة سياسية، فقد سبقتها دول أخرى في ذلك المجال في مناطق مختلفة حول العالم. وبدأ العمل بالتوقيت الجديد بتأخير الوقت ثلاثين دقيقة ابتداء من يوم السبت. وجاء اختيار تاريخ بدء العمل بهذا التوقيت ليوافق الذكرى السبعين لتحرر كوريا الشمالية من حكم الامبراطورية اليابانية. كما يرى الكثيرون أنها خطوة لتقوية صورة الرئيس كيم جونغ أون. وقال البيان الذي صدر من الحكومة " لقد ارتكب المحتلون اليابانيون الكثير من الجرائم التي لا تغتفر وحرمانها حتى من توقيتها الزمني الخاص بها". وأصبحت كوريا الشمالية أحدث دولة تنضم لقائمة طويلة ممن قرروا الخروج على قواعد الجغرافيا والتقاليد. ويقول روري ماكفوي، المسؤول بمرصد غرينتش الملكي: "لا يمكن رسم خطوط مستقيمة على الخريطة، وفرضها. الدول لها سلطة في اختيار توقيتاتها، وأحيانا يصبح الأمر سياسيا". يرى الكثيرون أن "توقيت بيونغ يانغ" خطوة لتقوية صورة الرئيس كيم جونغ أون. في القرن التاسع عشر، حددت المدن توقيتها المحلي وفقا للشمس، إذ كانت النقطة الأعلى التي تصل إليها الشمس في السماء دليلا على انتصاف اليوم. وبذلك، كانت المدن المتجاورة تتبع توقيتا مختلفا، وهو أمر شاق بالنسبة لمن يضعون خطط مواعيد القطارات، وكل أصحاب الأعمال. وأدى تطور شبكات القطارات، والثورة الصناعية لاستحداث نظام دولي ثابت للتوقيت. وفي عام 1884، قسم مؤتمر ميريديان العالم إلى 24 منطقة زمنية بعدد ساعات اليوم. وكل منطقة بعرض 15 درجة، بحيث تستوعب خطوط طول الأرض البالغ عددها 360. وعرف هذا النظام باسم "توقيت غرينتش"، ثم لاحقا بـ "توقيت الإحداثيات العالمية". قسم العالم إلى 24 منطقة زمنية، لكن فعليا، أصبح تنظيم التوقيت العالمي أكثر تعقيدا. وكانت السياسة هي الدافع الرئيسي وراء تقسيم العالم إلى المزيد من المناطق الزمنية التي تم الاتفاق عليها في الأصل إذ وصل عدد المناطق الزمنية حول العالم إلى 40 منطقة. ولا تلتزم الكثير من الدول بضبط ساعاتها بحسب التوقيت العالمي، فهو أمر تطوعي. فمثلا، لم تلتزم أفغانستان وإيران بهذا النظام لأسباب جغرافية، إذ وقعتا بين منطقتين زمنيتين، واضطرتا لإيجاد حل وسط وهو وضع ثلاثين دقيقة بين الزمنين. لكن آخرين أوضحوا أنهم يستخدمون التوقيت الزمني كوسيلة للتأكيد على الهوية الوطنية، وأن الوقت الذي يظهر على الساعة يعبر عمن يمسك بزمام السلطة. لا يهم إن كان القرار جيدا أم سيئا، لكن تغيير الساعة يكون دائما أمرا محيرا، خاصة لأصحاب الأعمال. وتمتد الصين على مساحة خمسة آلاف كيلومتر، ومقسمة إلى خمس مناطق زمنية، لكن الحكومة تبقي البلاد تحت توقيت واحد، هو توقيت بكين. ويعرف توقيت بكين بـ "التوقيت الصيني"، واستحدث عام 1949 لتقوية الوحدة الوطنية في الفترة الأولى لحكم الحزب الشيوعي. ومنذ العمل بهذا التوقيت، تشهد بعض المدن في غرب الصين نهار مظلم، وغروب الشديد في وقت متأخر للغاية. ولكن إقليم شينجيانغ اتخذ توقيتا غير رسمي خاص به، بفرق ساعتين عن التوقيت الصيني، كرسالة واضحة للحكومة المركزية. وتتشارك كل مناطق الهند المترامية في منطقة زمنية واحدة، استحدثت بعد الاستقلال. وكانت الهند مقسمة إلى منطقتين زمنيتين تحت الحكم البريطاني، لذا كان توحيدها طريقة لكسر الربط بالتاريخ الاستعماري. وعمليا، يعني هذا التوقيت أن من يعيشون في أقصى غرب البلاد يشهدون شروق الشمس قبل من يعيشون في شرقها بـ 90 دقيقة، إلا أن ساعاتهم تُظهر نفس الوقت. لكن البعض يعملون وفق توقيتهم الخاص، فبعض قطاعات ولاية آسام في الشرق يستخدمون ما يعرف بـ "توقيت حديقة الشاي"، وهو يسبق التوقيت الرسمي بحوالي ساعة، وذلك بهدف زيادة عدد ساعات النهار في المنطقة المنتج لنبات الشاي. ومؤخرا، أعيد ضبط توقيت فنزويلا لأسباب مشابهة. وفي عام 2007، قرر الرئيس آنذاك، هوغو تشافيز، إجراء تغيير مفاجيء في التوقيت كوسيلة لتحسين إنتاجية البلاد فقدم التوقيت لتشرق الشمس مبكرا. وقال إن تغيير الوقت سيحدث "توزيع أكثر عدالة لشروق الشمس". لكن معارضيه رأوا أنه قرار لغاية قومية، من رجل دائما ما تمرد على القواعد الدولية. وقال آخرون إنها محاولة منه لجعل "اشتراكية القرن21 " الخاصة به تبرز بشكل مميز عن الحكومات السابقة. وتعتبر روسيا مثالا معبرا عن استخدام تغيير الوقت لغرض سياسي، إذ أضافت وقللت من مناطقها الزمنية لمرات عدة. والبلاد حاليا مقسمة إلى 11 قسما، بشكل يفوق أي دولة أخرى في العالم. واضطرت القرم لضبط وقتها وفق توقيت موسكو بعد ضمها لروسيا. لكن هذا التقسيم مستحدث منذ مارس 2010، عندما تخلص الرئيس آنذاك، ديمتري ميدفيديف من منطقتين زمنيتين في محاولة لتبسيط الأمور إداريا. وبعد عام، خرج بخطة لإلغاء التوقيت الصيفي المستخدم منذ تأسيس الاتحاد السوفيتي لما يعرف بـ "التوقيت الصيفي الدائم". وأثار هذا القرار غضب الكثيرين، خاصة في المناطق الروسية التي بقيت مظلمة حتى الساعة التاسعة صباحا. وعندما تولى فلاديمير بوتين الرئاسة، ألغى القرارين. لكن الأمر لم ينته عند هذا الحد، ففي عام 2014، قرر الكرملين تغيير توقيت شبه جزيرة القرم الأوكرانية بعد ضمها، ليتوافق مع توقيت موسكو، رغم أن القرم تقع على بعد منطقتين زمنيتين، ولا يوجد أي أساس جغرافي لهذا التغيير. وهو الأمر ذاته الذي حدث في وقائع تغيير الكثير من المناطق الزمنية الأخرى، بما في ذلك كوريا الشمالية. الأمر لا يتعلق بالجغرافيا أو الحركات المدارية، فالوقت متعلق بالسلطة في نهاية الأمر.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه