2015-10-10 

العراقيون وخطر.. الإباحية

ديانا مقلد

أيها العراقيون احذروا المواقع الإباحية، فإنها الشرّ الأكبر الذي يتهددكم.. على الأقل هذا ما يجب استنتاجه من الحملة القائمة لحظر تلك المواقع بصفتها «الخطر» الداهم المحدق بالعراقيين. وكأن هناك من يريد أن يصرخ بالناس بأعلى صوته: «لا تلتفوا للتظاهرات الغاضبة، ولا لاستمرار القوى السياسية في انتهاك الحريات، ولا تقلقوا من تصاعد قوى المد الديني وتقاعس الحكومة. اقلقوا فقط من صفحات الجنس الإلكترونية». هذا الخطاب أو ما يعادله يحدث في بلد لا يزال يسقط فيه يوميًا أبرياء تفجيرًا وقتلاً وذبحًا، وفي بلد دشن فيه تنظيم داعش عامه الثاني من السيطرة على مناطق عراقية، فيما تثبت إيران موقعها في الحكم سلطة سياسية وعسكرية، كل هذا وسط تجاذب سياسي لا يزال يشق العراقيين ويطيح بما تبقى من دولة تترنح أيضًا تحت وطأة فساد مقيم وقاتل. وسط المشهد المعقد هذا ظهرت حملة اجتماعية ونيابية تهدف إلى حجب المواقع الإباحية الإلكترونية حتى يكاد يشعر من يتابع الحملة أن تلك المواقع هي الخطر الأكبر الذي يواجه العراق حاليا. وضاعف من زخم هذه الهجمة دخول المرجع الشيعي علي السيستاني على الخط مفتيًا بتحريم تلك الصفحات، فتحرك حشد من النواب لجمع تواقيع لتشريع قانون يحظر تلك المواقع. وهذه الحماسة الدينية والسياسية لمجابهة تلك المواقع لم تتوافر لقضايا كثيرة أخرى تقض مضاجع العراقيين وتنال من حياتهم وعيشهم.. طبعا قد يبدو من السماجة وثقل الدم ربما المقارنة بين حجم العنف المادي والبصري والمعنوي الذي يتعرض له العراقيون، والخوف من خطر المواقع الإباحية، لكن هذه المفارقة حقيقية. ففي العراق، وبعد عام 2003، عجت الأسواق الشعبية بأسطوانات مدمجة لفيديوهات للرئيس السابق صدام حسين وأبناؤه، فيها الكثير من مشاهد القتل والتعذيب والترويع. أسواق العراقيين وفّرت لاحقا فيديوهات تنظيم القاعدة ونجمها الأردني أبو مصعب الزرقاوي الذي بدأ في عهده تعميم مشاهد الذبح، واستمر العراقيون يتلقون سيلاً إلكترونيًا من الفيديوهات والصور المرعبة، التي تصدر تنظيم داعش حقبة الرعب الأقصى فيها. أن يأتي اليوم من يحذر من خطر يتربص بالشباب العراقي قوامه مواقع الجنس الإلكترونية في الوقت الذي يتغذى فيه وجدان العراقيين على كل العنف، فهذا هو لا يقصد حتما حماية العراقيين بقدر ما يريد التمكن منهم أكثر فأكثر. وللحقيقة، نعم، هناك ملايين في العالم العربي والإسلامي يتصفحون مواقع إباحية، بل إن لائحة العشر دول الأكثر مشاهدة لهذه المواقع تضم دولا أساسية في الشرق الأوسط بحسب «غوغل»، الذي تقول معلوماته أيضًا ما هي تحديدًا الكلمات والصور التي يشاهدها شعوب هذه الدول.. «ألم» هي الرابعة في كلمات محرك البحث من العراق خلال التنقيب في كلمات مفتاحية عن صفحات لها علاقة بالجنس. هذه التفاصيل توحي بتغيرات المجتمع، كما أنها توحي بأن العنف تسلل إلى الوعي الجنسي الجماعي فارتبطا ببعضهما، وهذا يؤشر إلى تقدم العنف ومشاهده كخطر محدق على الجنس، كون الأخير يمكن أن يجد تصريفًا غير العنف فيصبح طبيعيًا، أما أن يرتبط بالعنف فهذا يعني أيضًا أن مؤشر العنف هو ما يتهدد العراقيين قبل أن يتهددهم مؤشر المواقع الإباحية. في منطقتنا، تعلن دول عربية وإسلامية قيمًا اجتماعية صارمة وملتزمة، وتحرص على معاقبة من يخرقها، لكن الحقائق والأرقام تقول إن الواقع شيء آخر تماما. فحقيقة أن الدول الإسلامية تسيطر على متصدري لائحة الباحثين عن مواقع الإباحية في منطقة ملتهبة وغارقة في الحروب والعنف كبلادنا أمر نهرب من مواجهته. هل من علاقة بين العنف المتفشي وذاك الانشغال الكبير بمواقع إباحية؟ يقول فرويد إنّ «جنسانية معظم الناس تشتمل على العدوانية». لا شك أن العلاقة بين العنف والسلطة والجنس أمر يستحق البحث في بلادنا، التي لا تزال محكومة بهذا الثالوث. وفي بلاد تعيش على تاريخ من القهر والاستبداد وتعوم على عنف كالذي نراه اليوم يعصف بالمنطقة العربية، في بلاد كهذه، فإن خفة بعض المسؤولين لا تُحتمل فعلا..

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه