2015-10-10 

«إرهابيون» وليسوا «فئة ضالة»

عبد الله العتيبي

لم تزل المملكة العربية السعودية هدفًا لجماعات الإرهاب قديمها وجديدها، أصولييها وطائفييها، وكيفما تشكلت هذه الجماعات ومهما تنوعت فإن السعودية تبقى هدفًا ثابتًا لها، وسواء كانت مدعومةً من دولٍ إقليمية أم كانت تعمل وفق آيديولوجيا متطرفة، فإن السعودية تبقى الغاية. العملية الإرهابية التي وقعت يوم الخميس الماضي أثناء صلاة الظهر بمسجد تابعٍ لقوات الطوارئ السعودية في منطقة عسير، ووقع ضحيته 12 شهيدًا وبعض الجرحى، تمثل أحدث النماذج على استهداف السعودية من قبل جماعات الإرهاب والأصولية والطائفية، التي لم يعد لديها أي رادعٍ من دين أو خلق، فهي تستهدف الركع السجود في المساجد، وهي تأمر الولد بقتل أبيه والقريب باغتيال قريبه. لقد قدمت السعودية نموذجًا مبهرًا في مواجهة تنظيم القاعدة الذي كان فرعه في السعودية أحد أقوى فروع التنظيم، وكان يلقى عناية خاصة من قيادات التنظيم آنذاك، واندحرت «القاعدة» في السعودية، واضطرت للجوء إلى الخارج في اليمن أو العراق أو غيرهما لاحقًا. النجاحات السابقة يجب أن تكون محفزًا على المراجعة والتعديل والتطوير، وبناء منظومةٍ جديدةٍ ومتكاملةٍ لمواجهة الإرهاب والإرهابيين، فقد أصبحوا خطرًا يهدد ويستهدف أمن البلاد واستقرارها ووحدتها، ومن ذلك تطوير المنظومة الفكرية والإعلامية والتشريعية والتنفيذية الحاكمة للتعامل مع هذه الجماعات وقياداتها وأفرادها وداعميها والمحرضين وصانعي السخط بشتى أصنافهم. ويبدأ ذلك بالتأكيد الواضح والمستمر على أن الشرعية السياسية للدولة هي لولي الأمر صاحب الشرعية، لا يشاركه فيها فقيه ولا داعية، وهي شرعية التاريخ والتأسيس والتنمية والتطوير وحماية وحدة الدولة وضمان استقرارها واستمرارها، وكل من يزعم شراكةً في الحكم يجب أن يخضع للمساءلة والمحاكمة، وإن برّر لها دينيًا بأي شكلٍ من الأشكال. أما المنظومة الفكرية والإعلامية، فيجب أن تُبنى من جديد على أساس تسمية الأمور بأسمائها دون مواربةٍ أو مجازٍ، فقيادات هذه الجماعات وعناصرها إرهابيون وليسوا فئةً ضالةً، ومجرمون وليسوا مغررًا بهم، وهم يستحقون المحاكمة لا المناصحة، والعدالة الناجزة بالتنفيذ السريع والواسع لأحكام القضاء فيهم. ومن شرط نجاح المنظومة الجديدة أن تكون مبنيةً على أسسٍ تشريعية وقضائية تعتمد على القائم من الأنظمة والقوانين، وتضيف إليه تشريعاتٍ جديدةٍ تجمع بين ملاحقة المخاطر الجديدة والصرامة في مواجهة التحديات، والحزم مع كل إرهابي أو مجرمٍ أو داعمٍ أو متعاطفٍ بأي صورةٍ من الصور، وكما قال عمر بن عبد العزيز: «تُحدثُ للناس أقضيةٌ بقدر ما أحدثوا من الفجور». لقد كان الملك عبد العزيز واعيًا كل الوعي بالشرعية السياسية التي يحملها أمانة في عنقه وحده، وكان يرفض أي تدخلٍ من أحد فيها، وقد اتخذ موقفه هذا بعدين؛ الأول، في مواجهة أي تدخل من الفقهاء في الشؤون السياسية. الثاني، في المواجهة العسكرية الحاسمة مع التمرد الديني الذي قام به من كانوا يعرفون بـ«إخوان السبلة». وقد كان الملك عبد العزيز «لا يبالي إذا كان المشايخ والعلماء لا يرضون دائمًا عن هذه الخطة العمرانية، إذ ليس لهم أن يعترضوه بشيء في سياسته الداخلية والخارجية» (أمين الريحاني، ص 584). لقد فهم العلماء هذا الموقف من الملك عبد العزيز فهمًا واضحًا، ينقله الملك عبد العزيز بنفسه؛ فمن كلمة له مع لجنة التحقيق الأميركية البريطانية في 9 مارس (آذار) 1946 بالرياض علّق على كلمته التي ألقاها في مكة، ودعا فيها للوقوف مع بريطانيا قائلاً: «وعلى أثر ذلك تلقّى علماؤنا كتبًا من العلماء في بلاد المسلمين، تنتقد موقفي. ففاتحوني بما جاءهم، وأبدوا لي أنّهم لا يتعرّضون للمسائل السياسية» (الزركلي). ويقول الملك عبد العزيز لحافظ وهبة إنه التقى بعض كبار رجال الدين في عام 1931، لما علموا بعزمه على إنشاء محطات لاسلكي في الرياض، وبعض المدن الكبيرة من نجد «فقالوا له: يا طويل العمر، لقد غشّك من أشار عليك باستعمال التلغراف وإدخاله في بلادنا، وإن فلبي سيجر علينا المصائب، ونخشى أن يسلّم بلادنا للإنجليز، فقال لهم الملك: لقد أخطأتم، فلم يغشنا أحد، ولست - ولله الحمد - بضعيف العقل، أو قصير النظر، لأخدع بخداع المخادعين، وما فلبي إلا تاجر، وكان وسيطًا في هذه الصفقة، وإن بلادنا عزيزة علينا لا نسلمها لأحدٍ إلا بالثمن الذي تسلمناها به. إخواني المشايخ، أنتم الآن فوق رأسي. تماسكوا بعضكم ببعضٍ لا تدعوني أهزّ رأسي فيقع بعضكم أو أكثركم، وأنتم تعلمون أن من وقع على الأرض لا يمكن أن يوضع فوق رأسي ثانيةً» (حافظ وهبة، جزيرة العرب في القرن العشرين). وقد سار على نهج المؤسس أبناؤه الملوك، فقام الملك فيصل بالقضاء بقوة السلاح القاتلة على محاولة إغلاق التلفزيون السعودي بدعوى متطرفةٍ، وتم إعدام 17 مخربًا يمنيًا، وفي عهد الملك خالد وبعد حادثة اقتحام الحرم المكي الشريف وتطهيره من حركة جهيمان، قامت التحقيقات، وصدرت أحكام القضاء الصارمة بقتل العشرات من أتباع الحركة، وتم تنفيذها في عدة مدنٍ سعوديةٍ، وحدث الأمر ذاته بعد تفجيرات نفق المعيصم في مشعر منى 1989، وصدرت الأحكام الصارمة بحق بضعة عشر إرهابيًا، وتكرر الأمر بعد تفجيرات الرياض 1994، وأخذت العدالة مجراها عقابًا للمجرم، وردعًا لغيره. هذه ودون استقصاء بعض أحداث التاريخ السعودي ومواجهته بالحزم والعزم لكل إرهابي أو جماعةٍ إرهابيةٍ سعت لزعزعة أمن البلاد، أحكامٌ صارمةٌ وتنفيذٌ سريعٌ فيه قطع لدابر الفتنة وردع للمجرمين. وبالتأكيد، وكما سبق أن ذكر كاتب هذه السطور في هذه المساحة، فيجب أن يتزامن مع ذلك خطةٌ شاملةٌ لتطوير الخطاب الديني الصادر عن مؤسسات الدولة كوزارة التعليم، ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف، وغيرهما من المؤسسات المعنية بالشأن الديني من قريبٍ أو بعيدٍ، فحين يكون ثمة خللٌ بينٌ، فيجب أن يكون العلاج بحجم الخلل، وأن يحظى العلاج بالمدى الزمني اللازم لإنضاجه وضمان نجاحه. أخيرًا، فإنه لن تنتهي القصة دون استراتيجية شاملةٍ وطويلة الأمد لاقتلاع جذور الإرهاب في أي مكانٍ وأي مؤسسة وأي وسيلةٍ، وتطوير خطاب ديني جديد يلبي حاجة الناس الإيمانية، ويخدم توجهات الدولة، ويرعى مصالحها، وكما هزمت السعودية الإرهاب من قبل، فهي قادرةٌ على هزيمته مجددًا وبكل قوةٍ وحزمٍ. من جريدة الشرق الأوسط

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه