2015-10-10 

الاتفاق النووي حقق الاستقرار للنظام الإيراني في الداخل!

هدى الحسيني

منذ وصوله إلى البيت الأبيض، انخرط الرئيس الأميركي باراك أوباما بعملية تجميل وتسويق للنظام الإيراني، لكن من سيجمل صورة الرئيس الأميركي ويسوّقه كرجل يتمتع بمصداقية ويعمل من أجل حل القضايا العادلة. قضية فلسطين لو أعطاها هذا الوقت وجمع الدول الـ«5 + 1» من أجلها، لكان دخل التاريخ كرجل سلام وليس كرئيس سيتسبب بحرب مذهبية لا يعرف أحد كيف ستنتهي. الاتفاق النووي الإيراني لن يجلب السلام، سيشعل أرضًا شاسعة تتجاوز المنطقة، تصل نيرانها إلى الهند وباكستان وأفغانستان، وسيطلق سباق تسلح نووي وهذا مؤكد. اعتقد أوباما أن صورة له وهو يدخن السيجار الهافاني ويستمتع بأكل الكافيار الإيراني ستكون شعار إرثه، الذي سيثبت ما كان قاله الرئيس الأميركي السابق جون كيندي واعتمده لاحقًا وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر، بأن على أصدقاء أميركا أن يحذروها أكثر من أعدائها. أول ردة فعل لإيران على الاتفاق النووي كانت بأنها لن تسمح لمفتشين أميركيين بدخول أراضيها ومنشآتها (وهذا أول إذلال). قد يكون الأهم في الاتفاق الإيراني أنه سيغير نمط التفكير العربي والرؤى الاستراتيجية العربية، خصوصًا أنه من خلال قراءة الاتفاق (16 صفحة) و(5 ملاحق)، فإن إيران لن تغير من أهدافها النووية الاستراتيجية، لكن خلال تطبيق الاتفاق سيكون من الصعب على النظام الإيراني إنتاج النووي من دون أن ينكشف أمره، ومن المؤكد أن إيران ستلتزم ولن تفرط في الاتفاق. أهداف إيران عبر الاتفاق هي: المحافظة على نظام الجمهورية الإسلامية، والإصرار على النفوذ الإيراني بأن يزداد. الآيديولوجيا المتبعة التي بدأها الرئيس حسن روحاني عندما قاد المفاوضات زمن الرئيس محمد خاتمي: «قدموا تنازلات اليوم من أجل الكسب في المستقبل». روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف يعتبران الآن بطلين في إيران، وقد رُفعت صورة لظريف إلى جانب صورة لمصدق. أما روحاني فقد حقق أهم إنجاز، إذ وعد بتغيير العلاقة بين إيران والغرب، وقد رأينا صورًا لإيرانيين يحملون صورًا أميركية ويهتفون: «نحب أميركا»، «لا للفلافل نعم للماكدونالدز».. إذا انتظرنا قليلاً، فلن نعود نرى مثل هذه الصور، لأن على المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي أن يعطي جزءًا من الانتصار للمحافظين، وقد أعطاهم في خطابه يوم السبت الماضي الكثير من المواقف والشعارات، هو أيضًا يريد أن يوفر للحرس الثوري الإيراني الأموال كي لا يؤذوا روحاني أثناء تطبيق الاتفاق. ستسترجع إيران 100 مليار دولار، وسيكون للحرس حصتهم التي ستساعدهم على الإبقاء على نفوذهم في الداخل، ونفوذ إيران في العراق وسوريا واليمن وعند «المجاهدين في لبنان وفلسطين»، كما وعد خامنئي. لكن على المدى البعيد، فإن القوة الاقتصادية للحرس ستتضاءل إذا ما جاء الأجانب وبدأوا الاستثمار، ستنافس شركاتهم شركات الحرس، وربما بعد أقل من أربع سنوات سيسبب الحرس مشكلة سياسية وأمنية واقتصادية لإيران. إيران مع الاتفاق تبقى الدولة نفسها، لن تغير سياستها، لم يسألها أحد تغيير سياستها ومع هذا صارت بنظر الغرب «دولة إيجابية». الذي تغير هو الغرب فإيران بنظره هي «البقرة الحلوب»، لذلك لا يحق للغرب، ولواشنطن بالذات، الطلب من الدول العربية تغيير مواقفها تجاه إيران. ثم إن دول المنطقة لم تتفاوض مع إيران، بل أميركا والغرب والصين وروسيا. ومن وجهة نظر إيران فإنها لا تريد التعاون مع أميركا ضد «داعش»، تريد أن تحقق الانتصار بمفردها. هي بالأحرى تخاف أن تستغل أميركا الوضع، وترسل قوات برية إلى العراق. أيضًا لن نرى سفارة أميركية في طهران، كما رأينا يوم الاثنين الماضي في هافانا، فالمرشد الأعلى «أقسم» على أنها الشيطان الأكبر، فكيف يدخل الشيطان إلى جمهورية ولاية الفقيه؟ خلال المفاوضات، كان جواد ظريف يصرح بأن إيران على استعداد للعمل مع أميركا لحل مشكلات المنطقة. أميركا تريد هذا لكنها لا تزال بنظر إيران العدو، أما إيران فلم تعد العدو بل الدولة التي «لا تزال لنا مشكلات كثيرة معها إنما...» على قول جون كيري وزير الخارجية الأميركي يوم الأحد الماضي. اعتقد الأميركيون أن إيران إذا وقّعت اتفاقية مع الغرب قد يتغير نظامها في المستقبل القريب، العكس سيحدث. من دون الاتفاقية كان وضع النظام صعبًا، لأن الناس كانوا يعانون مع الاتفاقية. ارتاح النظام. الشارع الإيراني هادئ، يرى أن انتخاب روحاني أدى إلى الاتفاق، فأصبح للناس أمل. أتى هذا الاتفاق لمساعدة النظام، السنة المقبلة لن تكون هناك أي معارضة للنظام، ربما بعد 3 أو 4 سنوات، عندما يشعر الناس بأن كل ثمار الاتفاق ذهبت للفساد، ربما عندها سنلاحظ توترًا. أهم إنجاز لهذا الاتفاق هو استقرار النظام، عكس ما كان يحلم به الغرب من المقاطعة. أرادوا قلب النظام فثبتوه، أرادوا إيقاف البرنامج النووي، فأعطوا إيران فرصة لتطوير قدرتها، وهي تنتظر مرور السنوات العشر التي هي مجرد لحظات في تاريخ الدول. أمام روحاني العام المقبل انتخابات مجلسي الشورى والخبراء. من الصعب أن يفوز المعتدلون في مجلس الشورى لأن الأغلبية من رجال الدين الذين ينتخبون المرشد المقبل لمدة 8 سنوات، قابلة للتجديد، وسيعمل خامنئي كي يكون المرشد بعده من الآيديولوجيا نفسها. حاليًا مجلس الخبراء برئاسة رجل الدين المتشدد أحمد جنتي (والد علي جنتي وزير الثقافة). هناك حظوظ للمعتدلين في انتخابات مجلس الشورى، قد لا يحصلون على الأغلبية لكنهم يساعدون حكومة روحاني على العمل من دون تهديد وزرائه بسحب الثقة منهم. مجلس الشورى غير مهم، لأن إيران ليست دولة ديمقراطية، إنما يساعد على معرفة التحرك السياسي للقيادة الإيرانية. صحيح أن الحكومة ستكون معتدلة، لكن كل الأجهزة الأمنية الأساسية في عهدة المتشددين، وكذلك القضاء الذي يرأسه صادق لاريجاني (شقيق علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى) أحد المرشحين لخلافة المرشد الأعلى. هذا الاتفاق لم يحل لإيران مشكلة المقاطعة العسكرية، وكانت روسيا مع رفعها فورًا وليس بعد 8 سنوات، من أجل تحقيق صفقات عسكرية. خطاب خامنئي، رغم كلماته النارية، لا يدل على أن إيران تكسب على الجبهات الكثيرة التي تقاتل عليها، البحرين ردت على التدخل الإيراني بشكل أحرج الغرب، وفي اليمن لاحظنا الماكينة الإعلامية الإيرانية كيف تحركت على كل الأصعدة لتكذيب ما يجري على ساحته المحروقة. الوضع الإيراني في سوريا ليس جيدًا، إنما في العراق أفضل، إذ أصبح «تابعًا لها» رغم أن معركة تكريت كشفت عن ضعف عسكري. إيران تنجح بدفع «داعش» إلى سوريا، إذ لها خطوط حمراء في العراق أهمها أن يبقى «داعش» على بعد 40 كلم من حدودها، تهمها بغداد، والأماكن المقدسة لدى الشيعة. طالما الحرب في العراق مستمرة، فإن إيران تكسب. رئيس الوزراء حيدر العبادي من دون الميليشيات الشيعية لا شيء. فالجيش انهار، والبلاد مقسمة. في سوريا الوضع مختلف، بشار الأسد صار مشكلة ولم يعد حلاً. «داعش» و«جبهة النصرة» وآخرون يقتربون أكثر من لبنان، وهذا يعني أن «حزب الله» مهدد ويُستنزف. إيران لا ترسل جنودًا إيرانيين لمساعدة الأسد، لديها 500 من الحرس الثوري كمستشارين، بينما لـ«حزب الله» ما بين 5 آلاف إلى 6 آلاف مقاتل. الأسد ليس الأهم في سوريا بالنسبة إلى إيران. الأهم اللاذقية كمرفأ (مهم أيضًا لروسيا)، ومطار دمشق من أجل إيصال الأسلحة إلى «حزب الله». إذا ساعدت إيران في المحافظة على المنطقة العلوية مع دمشق يكون هذا كافيًا. المشكلة أن الوضع يزداد سوءًا، والإسلاميون يقتربون من الأماكن التي تعتبرها إيران حساسة. بعد الاتفاق، قد تتوقف الولايات المتحدة عن محاربة إيران، لكن سنرى آخرين وهم كثر، وهؤلاء لن يقبلوا بسيطرة إيران على المنطقة. ثم داخل إيران سيزداد النقاش حول تقاسم المصالح، وحول كيفية التعامل مع الغرب. وربما قبل أن تدير أميركا ظهرها للشرق الأوسط، كما تهدد، قد يفاجئ الرئيس أوباما العالم، تمامًا كما فعل الرئيس المصري الراحل أنور السادات مع إسرائيل. لكن هل ستسمح له القيادة الإيرانية بإلقاء خطاب في مجلس الشورى الإيراني، إذا ما حط رحاله، قبل رحيله عن البيت الأبيض في طهران، كي يكمل الدائرة؟ جريدة الشرق الأوسط

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه