2015-10-10 

الإسلام في أوروبا يواجه صوت التطرف العالي

قنطرة

يتجدد الجدال حول حقيقة الإسلام، وبرائته من الدعوة للعنف ضد المدنيين المسالمين، بعد كل عمل إرهابي يقوم به متطرفون، ويزعمون أن أفعالهم هي من صحيح الدين. وبقدر ما يكرر المسلمون المعتدلون أن الإرهاب "لا يمتُّ إلى الإسلام بأيَّة صلةٍ"، بقدر ما يتكرر السؤال في الغرب عن حقيقة الإسلام. غير أن الكاتب والصحفي الألماني دانيل باكس لديه سؤال آخر هذه المرة وقد طرحه على الموقع الألماني "قنطرة" المعني بمد جسور الحوار بين المجتمع الألماني والمسلمين بداخله وخارجه. كان السؤال هو "من المسؤول عن تشويه صورة الإسلام؟" على خلفية ما ترتكبه داعش يوميا من مذابح، ومتطرفون يستهدفون مدنيين غربيين في أوروبا، يقول باكس أن هذه الأفعال تدفع الكثير من المسلمين المسالمين إلى التأكيد على أن هذا ليس من الإسلام في شيء، لدرجة أن وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزيبر صار يستخدم هذه الصيغة في عدة مناسبات. ويشير باكس إلى الإسلام الذي تمارسه الغالبية العظمى من المسلمين، وخصوصًا في أوروبا. بأنه لا يتفق مع ذلك الدين الذي يتحدث عنه المتطرفون، لكنه لا ينكر، من ناحية أخرى، أن هناك ريبة في أوروبا لأنَّ الإرهابيين يعتمدونه في الواقع مرجعيةً لهم، كما حدث في فرنسا مثلاً، فكيف يمكن تفسير هذا التناقض؟ ويؤكد الصحفي الألماني أنه كما يتم استغلال الإسلام من قبل مرتكبي أعمال العنف، هناك أيضا اليهودية التي يستغلها المستوطنون المتطرفون في الأراضي المحتلة، كما يوجد استغلال للمسيحية في الولايات المتحدة من قبل قتلة مناهضي الإجهاض، فضلا عن البوذية في ميانمار التي يستغلها الرهبان في إبادة مسلمي الروهنجا. لكنْ فقط للإسلام المتطرّف قوة تجذب الشبَّان القابعين على هامش المجتمع، بحيث يسافر بعضهم ليشارك في الحرب الأهلية في سوريا أو يقوم بالاعتداءات في بلاده الأصلية. ويعود باكس بالزمن إلى المجتمعات العربية الإسلامية حتى أواخر العصور الوسطى، حيث كانت تسبق مجتمعات أوروبا على صعيد التسامح والثقافة والعلوم بأشواطٍ كبيرةٍ. وعندما نهضت أوروبا العسكرية والثقافية، واستعمارها للبلدان ذات الطابع الإسلامي، وجد العالم الإسلامي أمام طريقين، إما الأخذ الجذري بالنماذج الأوروبية، أو العودة إلى الإسلام لاستعادة النفوذ السابق. ويعتبر باكس أن الأنظمة العلمانيَّة أخفقت في تحقيق الرخاء والمشاركة والعدالة لمواطنيها، نشطت الحركات الإسلامويَّة التي ألبست الخطاب المعادي للإمبريالية مصطلحاتٍ دينيةً وقدَّمت نفسها على أنَّها البديل. وكلما زاد القمع الذي تعرَّضت له عنفًا، زاد جزءٌ منها تطرُّفًا. ليشهد هذا الفهم المتصلِّب للإسلام انتصاراتٍ متواصلةً في العقود الأخيرة ورسخت إيمانًا بوجوب النقاب، وفسَّرت القرآن بشكلٍ جامدٍ، ورفضت التديُّن الشعبيَّ التقليديَّ، واتـَّخذت منحىً إرهابيًا، يجد أشكاله الأكثر تطرُّفًا في أيديولوجيا حركة طالبان الأفغانيَّة، وميليشيات "تنظيم الدولة الإسلاميَّة" أو "بوكو حرام" في نيجيريا. في الوقت ذاته سرعت التدخلات الغربيَّة في عملية تفتت دول في الشرق الأوسط على طول حدود دينية-عرقية، مثل ما حدث مؤخرًا في العراق وليبيا. والآن تتغلغل جماعات إرهابية سلفية كهذه في هذا الفراغ. يوجد في ألمانيا آلاف السلفيين حاليًا، وحقًا لا تجنح إلى العنف سوى قلَّة منهم، إلا أنَّ هذه القلـَّة تشكل خطرًا كبيرًا، وبخاصَّةٍ بعد عودتها من الحرب الأهليَّة في سوريا. والملفت للنظر أنَّ هؤلاء ينتمون في كثيرٍ من الأحيان إلى صغار المجرمين السابقين والفاشلين في حياتهم، كما كانت حال المعتدين في باريس. وهم يستخدمون مصطلحاتٍ إسلاميَّةً مثل "الجهاد"، فيُسقِطون معناها الأصلي ويحوِّرون تفسيرها، لكي يبرروا فِعلاتهم وليرفعوا من شأنها. بغية فهم هذا الإسلام، المصنوع على طريقة "افعل الأمر بنفسك" (do it yourself)، باعتباره التعبير الأصيل عن هذا الدين، أو حتى باعتباره حتمًا التأويل الصحيح للقرآن، لا بدَّ من تجاهل عدَّة قرونٍ من الفقه الإسلامي والممارسة الدينية – وهذا بالضبط ما يفعله الإرهابيون، ولكن أيضًا ما يفعله الكثير من "منتقدي الإسلام" المفرطين في حماستهم، الذين يقتطفون فقراتٍ من القرآن بشكلٍ اعتباطيٍ، بهدف وضع الدين الإسلامي برمَّته تحت الاشتباه العام. لا توجد في الإسلام كنيسةٌ من شأنها أنْ تطرد مثل هؤلاء الإرهابيين، ويخشى المسلمون من إعلان هؤلاء "كفَّارًا"، لأنَّ هذا بالضبط هو أسلوب الإرهابيين، أي حلَّ دم خصومهم. لكنَّ كلَّ المرجعيات الإسلامية المهمَّة، والسعودية منها أيضًا، وجميع الجمعيات الإسلامية في أوروبا، أدانت الإرهاب الذي وقع في باريس بالإجماع، وانتقدت استغلال معتقدها وهذا التشويه لدينها. ذلك لأنَّ هؤلاء الإرهابيين يشكِّلون تهديدًا لتماسك المجتمعات التي يهاجمونها – وبخاصَّةٍ للأقليات المضطهدة مثل المسيحيين في الشرق الأوسط، أو اليهود في أوروبا، ولكنْ أيضا لكلِّ الآخرين. وتصبح الاستباحة التي يمارسونها باسم الإسلام ضربًا من العبث من خلال حقيقة أنَّ معظم ضحايا الإرهاب الإسلامويِّ هم من المسلمين. ويختتم الكاتب طرحه بأنه يجيب أن يكون إلى جانب إجراء التدابير الأمنيَّة اللازمة التي ينبغي اتـِّخاذها، يتوجَّب على الساسة في أوروبا المضي في دمج الإسلام هنا، بغية تعزيز قوة المسلمين المسالمين. ولا بدَّ لهم من عدم التوقف عن تبيان أنَّ خط المجابهة لا يقع بين المجتمعات الغربية والمسلمين، بل بين الديمقراطيين والإرهابيين.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه