2015-10-10 

ربيع عربي.. وخريف مسيحي

دويتش فيله

عندما أندلعت ثورات الربيع العربي، شعرت كثير من الفئات أنه ربما حان الوقت لأن يتحسن وضعها السياسي والاجتماعي بعد الإطاحة برؤوس أنظمة مستبدة، أو على الأقل هكذا آملت، فقد حملت السنوات الأربعة خريفا عاصفا بآمالهم. أحدى هذه الفئات هي مسيحيو الشرق، الذين يعتبرون "أكبر الخاسرين من الربيع العربي"، بحسب وصف دويتش فيله، والتي تناولت وضعهم في تقرير، على خلفية ذبح 21 قبطيا مصريا في ليبيا على يد داعش. وطرحت دويتش فيله عدة اسئلة عن مصيرهم في ظل ما يحدث الآن؟ وهل سيفرغ الشرق الأوسط من المسيحيين؟ وما هو الحل بالنسبة لهم؟ ويعتبر التقرير أن مسيحيو الشرق يعيشون في أجواء مقلقة منذ انطلاق أحداث ما سمي بالربيع العربي. الخوف من التهجير و القتل وتزايد تهميشهم أصبح هاجسا أكبر لهذه الأقلية مع ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية" المتطرف. ومع أحداث الاعتداءات على الرموز والكنائس المسيحية وتهجير المسيحيين في العراق وسوريا، ثم ذبح 21 قبطيا مصريا في ليبيا على يد داعش. ففي مصر، التي تحتضن أكبر تكتل مسيحي في الشرق الأوسط، ويشكل المسيحيون حوالي عشرة بالمائة من سكانها، يبدو الوضع مقلقا أكثر مع اقتراب تهديد داعش. فبعد أن الحادث المروع الذي استهدف الاقباط في ليبيا يقول القس بولس حليم المتحدث الرسمي باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر لـ دويتش فيله "إن جريمة ذبح المصريين الأقباط في ليبيا أثارت شعورا بالخزي الإنساني لدى مسيحيي مصر بالتحديد، ولكنها جريمة تستهدف مصر ككل ووحدتها الوطنية قبل أي شيء." أما يوسف كورية المتخصص في الآداب المسيحية في جامعة برلين الحرة فينظر إلى ما ارتكبته داعش على أنه تأكيد جديد لمسيحي المنطقة العربية ككل على أنهم لم ولن ينظر لهم يوما ما على أنهم جزء من هذه المنطقة. ويضيف: "داعش حركة سياسية لُونت بالدين وما تفعله يزيد المسيحيين إيمانا بأنهم قابلون في أي وقت للإنهاء والإقصاء." وبرغم إلقاء الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لخطاب عقب نشر فيديو ذبح الأقباط، يتوعد فيه بالقصاص من الإرهابيين وزيارته لكاتدرائية لتقديم واجب العزاء في الضحايا، رأى التقرير أن هذا لم يخرجه من دائرة المسؤولية عن التهميش الذي يعيشه أقباط مصر. فيما قال إدوارد بباوي المتخصص في شؤون أقباط مصر أن "الحرمان كان موجودا قبل داعش، فهم لطالما كانوا مهمشين على مستوى الحقوق السياسية والوظيفية ومراكز الفئة الأولى، وهم أيضا مقصيون على المستوى العسكري، وأبسط مثال على ذلك هو أن الضابط القبطي يحال إلى التقاعد عندما يصل لرتبة معينة وإن كان عمره ثلاثين عاما." وعن الهجرة المتزايدة للاقباط إلى الدول الغربية يقول أمين عام الرابطة القبطية في لبنان إدوارد بباوي "هنا يجب أن نكون واعيين بأن هجرة المسيحيين من الشرق الأوسط أمر يهدد قبل كل شيء اللحمة الوطنية في العالم العربي ويهدد التوازن الديموغرافي في المنطقة. المسيحيون ضرورة وهم أصحاب الأرض الحقيقيون تاريخيا واستقبلوا المسلمين بترحيب لكنهم يجدون اليوم أنفسهم ضحايا تنظيمات إرهابية تنسب نفسها للإسلام." لكن وضع مسيحيي سوريا والعراق يبدو الأسوأ بسبب سيطرة تنظيم "الدولة الإسلامية" على مناطق عراقية وسورية بأكملها، مستفيدا في ذلك من حالة الفوضى السائدة فيها. وفي الموصل، ثاني أكبر مدن العراق التي تضم نحو 30 كنيسة يعود تاريخ بعضها لما يقرب من 1500 سنة، وصل الأمر إلى فراغ المدينة من المسيحيين؛ هربا من داعش لأول مرة في تاريخ العراق. ويعزو كورية ما يعيشه المسيحيون اليوم في دول الشرق الأوسط إلى سياسية حكامها، معتبرا أن القيادة السياسية تروج لبقائها في السلطة على حساب الشعب ويقول: "هذا ما لاحظناه مع المالكي والأسد ومرسي واليوم السيسي. لا توجد هناك سياسة أو إيديولوجية في هذه الدول تمنع الاعتداء على الأقليات." وتابع كورية المتخصص في الآداب المسيحية في جامعة برلين الحرة : "حتى قيم مجتمعاتنا لا تصمد لتدافع عن مجتمع كامل فنسمع اليوم أمورا من قبيل أن الجار المسلم يعتدي على جاره المسيحي قبل وصول داعش وينسى 30 عاما من الجوار. وإن كان الضحية اليوم مسيحيا فغدا سيكون شيعيا وبعدها سنيا وهكذا دواليك". ويرى كورية أن الحل الوحيد للخروج من هذه الأزمة هي أنظمة ديمقراطية تصغي لجميع الأصوات وليس أنظمة تعمم دينا واحدا أو إيديولوجيا واحدة "أما إذا بقي الحال على ما هو عليه فلن نخرج من هذا المطب." وعن استقبال الغرب للمسيحيين يقول كورية "ما لا يعلمه البعض هو أن مسيحيي الشرق يعيشون مشاكل كبيرة في الغرب ودول المهجر عموما، لأن اللجوء الديني غير معترف به ويعتبر لجوءا إنسانيا شأنه شأن اللجوء السياسي ويتم إرجاع هؤلاء لبلدانهم بمجرد استتباب الأمن فيها، مع أن حصول هذا لا يعني تحسن أوضاعهم هناك كأقليات دينية".

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه