2015-10-10 

القصة الحقيقية لتنظيم داعش ( كتائب البعث )

من بغداد، زين العابدين يحيى

يصف مراسل مجلة دير شبيغل الألمانية كريستوف رويتر في كتابه الجديد "السلطة السوداء" خلفيات وأسباب صعود تنظيم الدولة الإسلامية. وزار رويتر سوريا سبع عشرة زيارة، من أجل القيام بالتحرِّيات والأبحاث ويقول الصحافي في حوار نشره موقع قنطرة للحوار الإثنين لقد بات المجتمع الدولي يعتبر تنظيم "الدولة الإسلامية" أخطر ميليشيات العالم إرهابا، فضلا عن سيطرته على منطقة تمتد من شمال شرق سوريا حتى غرب العراق تضم معظم حقول النفط والغاز السورية. لا يعود تأسيس تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى فقهاء وعلماء مسلمين، بل يعود إلى الجنرالات وضبَّاط الاستخبارات العلمانيين في حزب البعث العراقي - وبمساعدة غير مباشرة من قبل الجيش الأمريكي. ويقول كريستوف رويتر تمت تصفية العديد من ضبَّاط الجيش العراقي عام 2003، عندماأقدم رئيس الإدارة الأمريكية السابق في العراق بول بريمر على حلِّ الجيش العراقي وأجزاء من الدولة العراقية بموجب مرسومين وبجرّة قلم واحدة. ولذلك فقد كان لديهم شعور بأنَّهم قد تعرَّضوا لمعاملة غير عادلة. لم يكن هؤلاء الضبَّاط بالضرورة أتباعًا مخلصين لصدام. وبعد ذلك انتقلوا إلى مقاومة قوَّات الولايات المتَّحدة الأمريكية، وذلك من خلال تأسيسهم ما يعرف باسم "كتائب البعث"، وهي مَنْ مهَّدت الطريق لتنظم "الدولة الإسلامية". لقد تمت تسمية هذه الكتائب بحسب اسم حزب "البعث العربي الاشتراكي"، الذي تم تأسيسه في عام 1947 وقد ربط كلاً من الوحدة العربية القومية والعلمانية مع الاشتراكية العربية. وبعد أن سيطر تنظيم " الدولة الإسلامية" مساء الخميس 21 مايو 2015 على آخر معبر للنظام السوري مع العراق، المعروف باسم "معبر التنف". أدرك مؤسِّسو تنظيم "الدولة الإسلامية" بسرعة أنَّ دعوتهم إلى "إعادة حزب البعث" لم يكن لها أي تأثير في جذب الجماهير. ولكن عندما قالوا: "نحن سوف نُعيد الإسلام ونجاهد وننشئ دولة إسلامية" - أدركوا أنَّ لذلك تأثيرًا كبيرًا في جذب الناس من جميع أنحاء العالم. وهؤلاء الناس كانوا على استعداد للموت، وهذه ميِّزة كبيرة بالنسبة لأية قوة مسلحة. بالإضافة إلى استغلال اسمهم "الدولة الإسلامية" وكلُّ مَنْ هو ضدَّنا يعتبر كافرًا. وهذا يمنحهم شرعية لم يكن يتمتَّع بها حزب البعث. وهؤلاء رجال المخابرات ومسؤولو حزب البعث وقادة الوحدات الخاصة القدماء جعلوا الصعود السري في "تنظيم القاعدة في العراق" وبعد ذلك في تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق" أمرًا ممكنًا. وفي عام 2010 تولوا بدورهم القيادة بعدما تمكَّن الأمريكيون تقريبًا من قتل جميع القادة الإسلاميين أو القبض عليهم. وقد نصَّبوا أبا بكر البغدادي قائدًا لهم، وذلك لأنَّه الشخص الوحيد المؤهل كخطيب وداعية إسلامي داخل قيادة تنظيم "الدولة الإسلامية". لقد كان استياء السُّنة العراقيين، الذين كانوا يسيطرون على العراق، عندما تم استبعادهم عن جميع مراكز السلطة من قبل الحكومة الشيعية برئاسة نوري المالكي وهذا دفعهم في شهر أكتوبر 2006 إلى تأسيس "الدولة الإسلامية في العراق". وانتقل هؤلاء العراقيون إلى شمال سوريا بالذات، من أجل تأسيس "الدولة الإسلامية" في عام 2012 ، حتى يتمكَّنوا من النمو ومن جعل جميع الجماعات الأخرى تُلاحظ أنَّهم يمثِّلون القوة الرائدة. ويضيف كريستوف رويتر لقد أسَّسوا خلايا من الواعظين ومكاتب الدعوة، حيث كانوا يجنِّدون الجواسيس ويدرِّبونهم. وكانت مهمة هؤلاء الجواسيس تتمثَّل في الاطلاع على كلِّ شيء ومعرفته - وكان يجب عليهم على سبيل المثال جمع معلومات حول العائلات القوية في المنطقة وحول توجُّهات الإمام الدينية، ومَنْ يقوم بنشاطات إجرامية ومَنْ توجد لديه علاقة عاطفية أو مَنْ يمارس اللواط والمثلية الجنسية، وذلك بغية التمكُّن من ابتزازهم بذلك. وإلى جانب ذلك كانوا يوزِّعون في الاحتفالات والفعاليات الدعائية المصاحف المجانية وينظمون في شهر رمضان وجبات الإفطار الجماعية وموائد الرحمن. وفي وقت لاحق بات يتم كسب (ود) بعض الأعداء من خلال المال والمناصب أو كان يتم خلسة اختطافهم واغتيالهم. وكان يتم تعيين الأجانب قادة وآمرين لأنَّ العراقيين كانوا يعرفون بطبيعة الحال المشاركين في تأسيس تنظيم "الدولة الإسلامية". ولم يكن المعنيون يريدون الاعتماد على السوريين، لأنَّهم كانوا مضطرين على الأرجح إلى الإيفاء بالتزامات محلية. ولكن في المقابل اعتمدوا اعتمادًا تامًا على الشباب الأجانب، وخاصة على الجهاديين المدرَّبين تدريبًا عسكريًا القادمين من تونس ومصر وتركيا والشيشان وكذلك من أوروبا. وهؤلاء الجهاديون بدأوا يتوافدون منذ منتصف عام 2012 إلى شمال سوريا وكانوا على استعداد للموت. وكان بإمكان المرء السيطرة بشكل جيد على هذا الجيش الهجين. وفقط منذ شهر مايو 2013 بدأ يدور الحديث حول "الدولة الإسلامية". من المعروف أنَّ معظم ضحايا تنظيم "الدولة الإسلامية" كانوا حتى الآن من السُّنة، ولكن مع ذلك فإنَّ هذه الميليشيا الإرهابية تُقدِّم نفسها كمنقذ للسُّنة من الشيعة وهو جزءً من مخطط دعائي معقَّد جدًا لدى هذا التنظيم. غير أنَّ تنظيم "الدولة الإسلامية" لا يزال يتمسَّك حتى اليوم من أجل تمكُّنه من الصعود العسكري في سوريا بالتحالف التكتيكي القديم مع نظام الأسد، من العلويين الشيعة. وبدورها ساعدت أجهزة الاستخبارات السورية في تهريب الجهاديين من العراق، من أجل صدّ الأمريكيين وكذلك من أجل دعم النظام في دمشق. وعندما حاولت في عام 2014 جماعات المتمرِّدين السوريين المتَّحدة إخراج تنظيم الدولة الإسلامية من سوريا، قصفت القوَّات الجوية السورية التابعة للنظام هؤلاء المتمرِّدين فقط. دون تنظيم الدولة الإسلامية. و "بعد استيلائه على مدينة الموصل العراقية المليونية وسيطرته على العديد من مستودعات السلاح، شعر تنظيم ’الدولة الإسلامية‘ بأنَّه أصبح قويًا جدًا بحيث أنَّه بدأ الآن يقاتل ضدَّ الجيش السوري"، مثلما يقول الصحفي الألماني كريستوف رويتر. ويموِّل تنظيم "الدولة الإسلامية" نفسه من عائدات تجارة النفط في المنطقة التي تسيطر عليها هذه الميليشيا الإرهابية حيث يبيع النفط لجميع المهتمين، وفي المقام الأوَّل يبيعه للنظام السوري، وذلك بسبب وجود المصافي لدى نظام الأسد. ويؤكد رويتر أن الفضل في الصعود الكبير الذي حقَّقه تنظيم الدولة الإسلامية يعود إلى عمل مشترك أنجزه المخططون ذوو الأعصاب الباردة والرزينون، الذين يهتمون بالاستيلاء على المناطق المحلية، بدلاً من تنفيذ هجمات في الخارج. لقد تقلصت بسبب الغارات الجوية نسبة ضبَّاط المخابرات المحنكين كما أنَّ تعويضهم ليس بتلك السهولة. وعندما يصدِّق في يوم ما القياديون "نحن مختارون من الله، فمن المحتمل كثيرًا أنَّهم سوف يلاقون عندئذٍ نفس مصير الحركات الجهادية الأخرى، التي قضت في نهاية المطاف على نفسها بنفسها. أو من المحتمل أنَّهم سوف يخلقون لأنفسهمالكثير من الأعداء، بحيث أنَّهم سوف يُهْزَمون. وهذا الانتصار عليهم لن يكون ممكنًا إلاَّ عندما يتمكَّن مواطنو العراق السُّنة - الذين استولى الجهاديون على مناطقهم في أغلب الأحيان من دون أية مقاومة - من العيش كمواطنين متساوين في الحقوق.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه