2015-10-10 

ضربة الجيش تحمل رسالتين

سليمان جودة

فى يناير من العام الماضى، أى قبل أكثر من 12 شهراً، كتبت فى هذا المكان، منبهاً إلى خطورة ما صدر عن محمود جبريل، رئيس وزراء ليبيا الأسبق. وكان «جبريل» قد أجرى حواراً صحفياً ممتداً، على عدة أيام، فى صحيفة «الحياة» التى تصدر فى لندن، وفيه قال كلاماً خطيراً، أشرت أنا إلى الأخطر منه، فى حينه. وكان هذا «الأخطر» يدور حول نقطتين لا ثالث لهما، أولاهما أن هناك من يتصور أن فى إمكانه استعادة مصر عن طريق ليبيا، والنقطة الثانية أن هناك أطرافاً إقليمية فى المنطقة تساعد الإرهاب على الأرض الليبية، وتغذيه، وتموله، ولم يجد رئيس الوزراء الليبى أى حرج فى أن يسمى تلك الأطراف بأسمائها! ولم يكن الرجل، وهو يتكلم عمن يتصورون استعادة مصر، عن طريق ليبيا، يخاطب نفسه، ولكنه كان يوجه «رسالة» إلى الدولة المصرية، فى أعلى مستوياتها، وبكل أجهزتها المعنية، لعلها جميعاً تنتبه، ثم تتصرف. والمؤكد أن ما قال به جبريل، قبل أكثر من عام، قد وصل إلى الذين يعنيهم الأمر من بين مسؤولينا، ثم إن المؤكد كذلك أن ليبيا، بكل مساحتها الشاسعة، وبكل حدودها الممتدة لسبعة آلاف كيلومتر، والمشتركة مع ست دول، كانت تحت العين المصرية، طوال هذه الفترة. إن ليبيا تشترك فى حدودها مع تونس، والجزائر، والنيجر، وتشاد، والسودان، ثم معنا، وقبل ذلك وبعده، فإن لها شاطئاً على البحر المتوسط، يمتد لأكثر من ألف كيلومتر، ولابد أن مساحة بهذا الطول والعرض الهائلين، كانت ولاتزال مغرية للإرهاب فى المنطقة. وحين قرر الجيش المصرى، فجر أمس، توجيه ضربة مركزة، لعدد من معسكرات تنظيم «داعش» الإرهابى على الأرض الليبية، فلابد أنه كان يوجهها، بعد أن درس جيداً، إلى أين، بالضبط، سوف يضرب، وماذا يريد أن يحقق من وراء ضربته، وكيف يضمن أن ينجح فيما يهدف إليه.. لابد أن هذا كله، كان مدروساً منذ وقت مبكر، ومنذ أن حذرنا محمود جبريل، بل ومنذ ما قبل تحذير جبريل. ولست أظن أن فيديو إعدام 21 مصرياً، الذى جرت إذاعته قبل الضربة بساعات، كان هو السبب الأساسى وراءها، صحيح أن كل مصرى قد حزن من أعماق قلبه، لما أصاب المصريين الواحد والعشرين، وصحيح أننا كلنا كنا نأمل أن يعودوا جميعاً سالمين إلى عائلاتهم، وصحيح أن الفيديو كان صادماً، وموجعاً، غير أن الأصح من ذلك كله أن ضربة من نوع ما حدث، كان لابد منها، بسبب الفيديو، أو بغير سببه، وأنه كان يجرى الإعداد لها، وربما لضربات أخرى من بعدها، منذ أن أطلق «جبريل» تحذيره، ومنذ ما قبل تحذيره، لأن أى عاقل لابد أن يدرك أن ليبيا بمساحتها، وبطبيعة الأحداث الحالية على أرضها، تظل مغرية لكل الذين يحاولون إلحاق الأذى بنا، وتظل مغرية للإخوان، وغير الإخوان، ممن يمارسون أفدح أنواع العنف، ويحرضّون عليه، داخل بلدنا، وخارجه بالسواء. تبقى نقطتان: أولاهما أن الذين أقدموا على إعدام المصريين الواحد والعشرين، سوف يذوقون طعم ما فعلوه، وسوف يذيقهم الجيش من الكأس نفسها، وسوف يعرفون، الآن، أن محاولة اللعب على حدود مصر الغربية، ليست كأى محاولة أخرى، وأن ما جرى منهم له ثمن سوف يدفعونه واحداً واحداً بالضرورة. والنقطة الثانية أن فيديو الواحد والعشرين مواطناً مصرياً، وما قبله على أرض ليبيا، وما بعده، يقطع بصواب الرؤية التى طرحتها القاهرة، فى مؤتمر جدة الذى أطلق تحالفاً دولياً ضد إرهاب «داعش» فى سوريا، وفى العراق. وقتها، قالت مصر بكل وضوح إن الإرهاب ليس إرهاب داعش فى سوريا والعراق، وفقط، وإن هناك إرهاباً آخر يمارسه الإخوان ضد المصريين، داخل بلدهم، ولابد من إدانته دولياً، وإن هناك إرهاباً ثالثاً لداعش نفسه فى ليبيا، وإن الإرهاب على بعضه إنما هو كل لا يتجزأ، لمن أراد أن يقاومه حقاً، ويقضى عليه فعلاً، لا أن يفتح عليه عيناً هنا، ثم يغلق عينه الأخرى عنه هناك! الإرهاب إرهاب، وهو كالكفر، ملة واحدة، والذين يقاومونه دولياً وأمريكياً، بانتقائية مكشوفة، اليوم، سوف يكتشفون يوماً، أنهم مخطئون، وأن عليهم ألا يفرّقوا بين هذا، وذاك، من صنوف الإرهاب، ولكن يبدو أن ذلك سوف يكون بعد أن يصل إليهم هم، كما تنبأ لهم الملك عبدالله بن عبدالعزيز، يرحمه الله. وفى كل الأحوال، فإن ضربة الجيش تحمل رسالتين: أولاهما أن تحذير «جبريل» قد وصل فى وقته، والثانية أن الذين تصوروا أن ليبيا يمكن أن تكون طريقاً إلى القاهرة قد أخطأوا العنوان. * نقلا عن صحيفة "المصري اليوم"

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه