2015-10-10 

المخ و«المهلبية»!

محمد اليامي

الكل يسأل في السعودية منذ أشهر: لماذا لا تنخفض أسعار الغذاء محلياً على رغم انخفاضها عالمياً؟ والحكومة تتساءل عن عدم استجابة السوق المحلية لانخفاض أسعار السلع دولياً؟ لماذا لا يحدث النزول بالأسعار إلى المستويات المقاربة للأسعار العالمية، خصوصاً مع موجة انخفاض أسعار السلع التموينية من مواد غذائية أساسية أو استهلاكية في جميع دول العالم؟ الإعلام يتحدث عن قلق المستهلكين من ارتفاع الأسعار محلياً، وليس عند انخفاضها، ولكن هل بدا القلق على سلوكهم الشرائي، وعلى نهمهم الاستهلاكي، الدلائل تقول لا، وطالما ظلت هكذا سيظل الميزان مختلاً في هذه السوق التي تعيش فوضى الشراء، وفوضى البيع على حد سواء. أسعار الغذاء لدينا لا تتبع أسعار العالم لأن أكلنا واستهلاكنا للغذاء، ونفاياتنا الغذائية لا تتبع سلوك العالم غنياً كان أو فقيراً، وبالتالي لا يجد التاجر غضاضة في استغلالنا، لأننا نقدم له نموذجاً مشوهاً من الشراء غير المبرر، وكان كل ذهاب أسبوعي لتبضع الغذاء استعداداً لانقطاع السلع، وكأن تبضعنا السنوي لشهر الصوم استعداد لمجاعة. لا يمكن للأسعار أن تستجيب للمؤشر العالمي، ومؤشرنا المحلي في الاستهلاك يرتفع، هناك فوبيا من «الجوع» على رغم ندرته، يأكل الناس بانتظام وغير انتظام للترفيه، وملء جداول اللقاءات في المطاعم، أو «قطات» الاستراحات. هروبنا من الجوع، كفكرة، وممارسة، سبب رئيس أيضاً، فالناس تعودت الرفاه، أو بعبارة أدق، أدمنت الشبع، وهو إدمان أنتج ثقافة الشراء المفرط للغذاء، وتحمل أعباء مالية وصحية أكبر، على عكس المفترض، أين هذا المفترض؟ هو في دول كثيرة نتكلم عن انخفاض أسعار الغذاء فيها، على رغم أنها لم تشهد انخفاضاً في عدد السكان. هل يمكن الاستغناء عن الاستجابة لاتجاه عام أصبح ضرره الاقتصادي والصحي واضحاً جداً، هل يمكننا التأمل قليلاً في عدد منافذ بيع الغذاء من أسواق وبقالات في كل شارع ومقارنتها بأي دولة متحضرة فيها عدد مماثل من السكان أو يزيد؟ هل نحن نتعرض لمؤامرة؟ نعم لكننا نحن من يتآمر على أنفسنا، ببساطة أغلبنا يعيش حالة هلع غير مبررة من نقص وجبة في جدوله، أو صنف طعام من ثلاجته أو مستودع بيته. المصيبة الأكبر أن كثيراً من غذائنا مستورد، ونأتي به من دول تنخفض الأسعار فيها منذ أشهر عدة بحسب التقارير المنشورة في الصحف، ثم بدأنا نكتشف أننا نأتي به بجودة أقل، ويشير بعضهم بأصابع الاتهام إلى كثير من الأغذية المستوردة بأنها سببت الأمراض! فلماذا لا نشير إلى بطوننا بأصبع، وبأصبع ثانٍ إلى جيوبنا المثقوبة جراء هذا الاستهلاك منا، والاستغلال من التجار، ثم نرفع السبابة ونعكفها ونشير بها إلى جانب الرأس قائلين: «هنا مخ مش مهلبية!» كما كنا نفعل صغاراً لإثبات ذكائنا، وقد كنا كذلك بالفعل

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه