2015-10-10 

أسنان واترلو

سمير عطاالله

في مثل هذا اليوم منذ قرنين انتهت انتصارات أهم قائد عسكري فرنسي، في هزيمة موصوفة في واترلو، يومها إحدى ضواحي العاصمة البلجيكية، بروكسل. سقطت جيوش نابليون بونابرت الأولى أمام الجيوش الحليفة بقيادة البريطاني، الدوق ولينغتون. كانت قوة نابليون، الضابط الكورسيكي الذي صار إمبراطور فرنسا، مؤلفة من 125 ألف رجل و350 مدفعًا، فيما ضمت القوة المواجهة 212 ألف رجل و450 مدفعًا. الجنود الفرنسيون كانوا حسني التدريب. جنود الحلفاء كانوا شبابًا ومتطوعين. وبصرف النظر عن الأسباب التي يطرحها المحللون بعد المعركة ونتائجها، فإن واترلو أنهت طموحات الإمبراطور في أن يحكم العالم، من مصر إلى روسيا، وأنهت صراعًا عسكريًا بين البريطانيين وجيرانهم الفرنسيين، دام 5 قرون. لكن الحروب الضارية سوف تستمر حتى 1945، بعدما سحقت الحرب العالمية الثانية حياة القارة وأضلاع روسيا. صدرت في الأسابيع الأخيرة، ما بين نيويورك ولندن وباريس، مؤلفات عدة بعنوان واحد هو واترلو 1815. مثل كل معركة تاريخية كبرى، هناك من الأسئلة أكثر مما هناك من الأجوبة: ماذا لو قدم نابليون موعد الهجوم قليلا؟ ماذا لو جاء ولينغتون من الجهة الأخرى؟ ماذا لو نجحت خدع نابليون كالعادة؟ ماذا لو لم يُصب بالنزيف وهو على حصانه الشهير؟ مثل هذه الأسئلة طُرحت في حرب هنيبعل على روما: ماذا لو كان معه المزيد من الأفيال وهو يقطع جبال الألب؟ ماذا لو ضربنا إسرائيل في 4 يونيو (حزيران) بدل أن تضربنا في الخامس منه؟ ما مضى قد مضى. سُمعت أصوات المدافع المتضاربة في بريطانيا على بعد مائة ميل. وملأت الجثث أرض المعركة. وراح المنتصرون ينهبون كل ما يحمل ضحاياهم. أما نابليون نفسه، فقال بعد عودته إلى باريس: «لم أعد أملك جيشًا. كل ما أملك هو مجموعة من الهاربين». 40 ألف قتيل وجريح ارتموا في ساحة المعركة فوق أرض مخضبة. وألوف الخيول المصابة، بعضها «يعدو على ثلاث أرجل وينزف حتى الموت». الأسلحة المتضررة بقيت على الأرض. مدنيون وعسكريون نهبوا كل شيء حتى أسنان الضحايا التي باعوها للأطباء وعُرفت في الأفواه الجديدة بـ«أسنان واترلو». لم يكن مشهد القتلى هو الأقسى، بل مشهد الجرحى الذين تُركوا ينازعون حيث وقعوا. وصلت إلى باريس أنباء الهزيمة بأسرع مما وصل نبأ الانتصار إلى لندن. وشعر الفرنسيون بالحزن والحنق على نابليون، البطل الذي صار خاسرًا. وأرغموه على التنحّي، وعملوا على عودة لويس الثامن عشر. وبعد فترة قصيرة، كان ولينغتون أيضا يدخل باريس التي هرب منها نابليون بحراسة بعض جنوده. لكن هؤلاء قاموا بتسليمه إلى البريطانيين، الذين ناشدهم الإمبراطور الأسير أن «يُحسنوا أصول الضيافة».

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه