2015-10-10 

من يحاكم قاتل سارة الشريف؟

سارة مطر

في كل مرة أقرأ فيها تعليقاً أو مقالةً أو حتى أشاهد مقابلة تلفزيونية، يتحدث فيها أحدهم عن وطنه بالحزن والأسى والتقريع، أتمتم بحزن مرير، بأن لو كان للوطن لسان؛ لشكا حاله ممن يعضون الأيدي التي امتدت إليه. دائماً أوطاننا تأتي في مؤخرة أطراف سعادتنا، يقع الوطن في الخط الفاصل بين تعاستنا المستحيلة وفوضانا المتقلبة، نعرف جيداً كيف لنا أن نوصف سماء أوطان أخرى وجبالها، وفي الوقت ذاته نجلد الأرض التي وُلدنا فيها، ولا مانع بأن نمنحه شهادة العجز والسخرية والمرارة، هكذا يفعل بعضنا، تعلم الجحود الذي لا يليق به. النظرة الدونية للأرض التي صنعت بداياته الأولى، الحي الذي مارس فيها طفولته حتى كبر، عامل البقالة الذي لم يمل يوماً من صراخه وضحكاته مع أبناء الحارة، المدرسة التي عبأ جدرانها بـ«شخابيط» تحتاج إلى وقت وجهد لكي تُمحى، الاكتشافات التي مارسها وهو يقود سيارة والده من دون رخصة قيادة. في السعودية، كما في الكثير من الأوطان العربية، ما أن تقع مشكلة فردية، حتى يبدأ بعضهم في الثرثرة والبحث عن أي ثغرة؛ كي يلوموا الوطن على المشكلة، على القانون، على الوزراء، على كل شيء، من دون أن يلوموا يوماً واحداً أنفسهم، وكأنهم بعيدون تماماً عن أي خطأ، يطلب من الوطن أن يقوم عنه بكل ما يريده ويبتغيه من حياته، من دون أن يقدم هو ذاته شيئاً لوطنه، عليك أن تفكر لحظة، ماذا يمكن أن يقدم الوطن لك لكي تكون في أحسن حال؟ وماذا يمكن أنت أن تقدم لوطنك لتكون مواطناً شريفاً من الدرجة الأولى؟ ولأنك تريد وطناً مثالياً، عليك أن تكون أنت مثالياً أيضاً، أن تكون أباً صالحاً، موظفاً يؤدي كامل عمله، لا أن يهرب من نصفه بحجة أن الإجازة الأسبوعية قد بدأت، وليذهب المراجعون إلى الجحيم؛ فأقل ما يمكن أن تفعله أن تحترم إشارة الطريق قبل أن تشتم هذا وذاك وأنت تقود سيارتك. ثمة أمور حينما تتواجه معها تكتشف مدى السطحية المعرفية المنتشرة في أواسط الشباب، والذي يقع عليه حمل ثقيل في المستقبل، وما لفت انتباهي حينما استيقظ أهالي «تويتر» على خبر مقتل المواطنة الشريفة -يرحمها الله- «سارة الشريف»، الحاصلة على ماجستير من بريطانيا، لكن هي واجهت مشكلة عصيبة مع إخوتها، حيث إنها رغبت في الزواج، واختارت شاباً يحمل الجنسية اليمنية، وحينها أقدم شقيق المغدورة على قتلها، القصة مؤسفة جداً، مؤلمة جداً، لكن هل الوطن هو المسؤول عن مقتل الفتاة؟ هل الوطن مسؤول عن حماقة هذا الشاب ورعونته؟ بالتأكيد لا، لكن كيف يمكنك أن تخاطب هؤلاء الصغار، الذين يلمحون إلى أن الدين والوطن هما العاملان الرئيسان في مقتلها، لم يأتِ مثقف ليخاطب الشباب في «الوسم»، ليقول: «إن هذه الجريمة بالنسبة إلى المجتمع السعودي جريمة فردية، ولا يعني أن المجتمع به خلل أو يفترض بأن يحاكم، من يحاكم هو مرتكب الجريمة فقط، ما عدا ذلك فلا يمكن أن يسلط الشباب سواط كلماته، بأي سوء تجاه الدين أو الوطن». وجريمة مقتل الشابة الثلاثينية، سبق أن حدثت في بعض دول الخليج، كما حدثت في دول عربية، ولا ننسى المشكلات التي تعاني منها البلاد الأوروبية من الجاليات المسلمة كالتركية-الكردية، والشرق الأوسطية والآسيوية، والعربية، وحتى من أوروبا الشرقية، إذ تأتي «جرائم قتل الشرف» في المقدمة، والضحايا هن من النساء اللاتي انخرطن في علاقات تعتبرها أسرهن إخلالاً بشرف الأسرة، وهذه الظاهرة التي يندد بها الإعلام الغربي هي أبعد تماماً عن الإسلام، وإن كانت تتستر خلفه في أحيان كثيرة وتستمد شرعيتها منه ظاهراً، كما ذكرت الصحف التي تحاول أن توضح الصورة الحقيقية للمجتمع الإسلامي. وقد ذكرت «بي بي سي» أنه في بريطانيا تعيد الشرطة التحقيق في أكثر من 100 حالة قتل، تشتبه في أنها مما يعرف بـ«جرائم الشرف»، وفي الأردن للمرة الثانية على التوالي، يرفض البرلمان الأردني مشروع قانون، بتشديد العقوبة على الرجال الذين يرتكبون جرائم الشرف، إذ تعاني المرأة الأردنية من هذا الظلم القبلي عليهن، هذا إذا ما علمنا أن «جرائم الشرف» في باكستان في ازدياد مستمر. إذاً، وطنك لا يستحق منك كلمة إساءة؛ لأن هناك

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه