2015-10-10 

أساليب تناول الشبكات الاجتماعية لحوادث الحرم المكي الأمنية

بدر بن سعود

مقدمة: الحرم المكي يحتفظ بحرمة ووقار في نفوس زواره من المصلين والمعتمرين والحجاج، وهذا يفرض عليهم تأجيل أمور الدنيا والتفرغ للعبادة، ولعل في ذلك عامل من العوامل الأسـاسية التي تزيد في الطمأنينة، إلى جانب الدور الفاعل لمن يقومون على أمن وسلامة المصلين والزوار في كل الأوقات. إلا أنه ورغم أسباب الأمان والطمأنينة المتوفرة في المسجد الحرام على مدار الساعة وطوال العام، فقد تحدث مواقف أو تصرفات (متعمدة أو غير متعمدة) تشوش على المصلين والزوار ويقوم بها بعضهم في الغالب، وربما كانت في أصلها نادرة الحدوث ولا تقبل التعميم، وخلال الفترة ما بين عامي 2005 و 2014 وقعت أحداث محدودة، وكانت نتيجة لتصرفات شخصية، وفي مساحات ضيقة داخل الحرم، وقد تم ضبطها والتعامل معها بدون ضجة إعلامية أو مضاعفات غير جيدة، وسنذكر أمثلة عليها في التالي: 1- ثلاثة محاولات انتحار من أشخاص معتلين نفسياً. 2- ثلاثة حالات لاستهداف أئمة الحرم. 3- حالة اشتباه في التخطيط لعمل إرهابي. 4- حالتي صعود لمنبر الخطيب في صلاة الجمعة بالحرم المكي قام بها أشخاص يرجح أنهم مصابين بأمراض نفسية. 5- حالة صعود مواطن معتمر على حجر إسماعيل من الجهة الغربية والضرب عليه بمطرقة. 6- حالتي طعن تعرض لها رجال القوة الخاصة لأمن المسجد الحرام. ولأن المكان يحتفظ بقدسية وأهمية في نفوس كل المسلمين، فأن معظمهم قد يتفاعل مع أي حدث أو موقف بسيط يقع في الحرم، وهذا التفاعل عندما يكون في الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، لا يتم بغرض التأجيج أو الإثارة في الغالب، وإنما للأسباب المذكورة، ولهذا يصبح محل التركيز والتداول الإسلامي وعلى نطاق واسع المسلمين. بجانب أن شبكات التواصل الاجتماعي تسهم في تحقيق مشاركة فاعلة في موضوعات الحرم، باعتبار المكان مؤثر مهم في تحديد وزن الخبر وأولويته، يضاف إليه بالتأكيد الشخصية محل التناول وطبيعة الحدث نفسه، وبالتالي فأنها ترفع من معدلات الإطلاع على المادة المنشورة وقيمتها الإخبارية، وذلك نظراً لما تمتاز به من آنية في النقل وسعة في الانتشار، ولأنها تفتح مجال التعليقات وتبادل الآراء لكل أحد وبدون قيد أو شرط. مشكلة الدراسة: المسجــد الحرام هو أعظم مسجد في الإســلام ويقع في قلب مدينة مكة غرب المملكة العربية السعـودية، تتوسطه الكعبة المشرفة، أول بيت وضع للناس على وجه الأرض ليعبدوا الله فيه، وهذه أعظم وأقدس بقعة على وجــه الأرض عند المسلمين. والمسجد الحرام هو قبلة المسلمين في صلاتهم، وإليه يحجون. وقد كانت تسميته بالمسجد الحرام لحرمه القتال فيه منذ دخول الرسول الكريم إلى مكة المكرمة منتصراً. قال تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران: 196]. والمسجد الحرام هو أول مسجد من ثلاثة مساجد تّشد إليها الرحال. فقد قال الرسول الكريم: "لا تشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام...". ولذا فإن الحرم المكي محل اهتمام كل المسلمين، و إليه يتوافدون من بقاع الأرض المختلفة طوال العام، وخصوصاً في موسمي العمرة والحج، وهذا الحشد الكبير من الحجاج والمعتمرين في منطقة صغيرة محدودة، يمكن أن يستغـله بعض ضعاف النفـوس للإعلان عن معتقـدات مخالفـة، التصـرف بطـريقة غير مقبولة أمام الزوار، السرقات، التجاوزات الأخلاقية، ترويج الممنوعات، التجمعات المشبوهة وتوزيع المنشورات إلى غير ذلك. هذه التصرفات والسلوكيات قد تعبر عن وجهة نظر من قام بها شخصياً، أو ربما مثلت مجموعة أو مجموعات عرقية أو دينية مختلفة، إلا أنها في نهاية الأمر ستكون محل تناول الإعلام في الداخـل والخارج، وخروجها عن إطارها المكاني سيؤدي إلى قيام شبكات التواصل الاجتماعي بنقل تفاصيلها وفي فترة زمنية قصيرة جداً، وعلى مستوى واسع جداً، وبالتالي إعطاء من يرغب من الناس فرصة المشاركة والتعليق الإيجابي أو السلبي على المنقول، وكثرة منصات النشر توفر بيئة خصبة لنمو الشائعات والتعديل على الخبر أو تحويره، لأن إمكانية التحكّم في المحتوى الإلكتروني صعبة. ويزداد معدل انتشار الشائعات عبر شبكات التواصل الاجتماعية كلّما كانت المواضيع محل النقاش متعلقة بالقضايا الإنسانية والعرقيّة والدينية، أو عندما تخص شخصيات عامة. فقد ارتفعت أعداد مستخدمي شبكـات التواصل الاجتماعي بشكل مطــرد في السنوات الأخيرة، وأصبحت هذه الشبكات مصدراً رئيسياً من مصـــادر تبادل المعلومات، على سبيل المثال، وصل عدد مستخدمي شبكة "تويتر" في العالم العربي إلى ما يقارب 7,2 مليون، وما نسبته 50% من هؤلاء في المملكة العربية السعودية، في حين يزيد مستخدمي "فيسبوك" عن 900 مليون مستخدم في العالم، ونصيب المملكة من هذا الرقم 6 مليون مستخدم. وتشير الإحصائيات إلى أن 35% من السعوديين يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي لمراسلة أصدقاءهم، و 57 % يستخدمون "فيسبوك" للتواصل، و30 % "تويتر" و23% يستخدمون مواقع أخرى. هذه الإحصائيات في الواقع تعكس أهمية ودور شبكات التواصل الاجتماعي بين أفراد المجتمع السعودي و بين غيرهم من المجتمعات. (جمعة وآخرون، 2012م، ص8). انطلاقاً مما سبق نجد أن الأحداث بشكل عام وما قد يحدث في الحرم المكي بشكل خاصة، سيكون محل اهتمام كبير في شبكات التواصل، لأهمية المكان، ولأن أخبار الإسلام والمسلمين لها قيمة إخبارية عالية على مستوى العالم، و بالنسبة للمسلمين ولمن يهتم بأحوالهم، والمتابعة الأمنية مطلوبة لما يكتب حول الحرم المكي على الشبكات الاجتماعية، و يستحسن التوعية بأضراره كلما أمكن، وتصحيح الإشاعات السلبية بإظهار الحقائق الممكنة. و يمكن تلخيص مشكلة الدراسة في السؤال التالي: ما هي أساليب تناول شبكات التواصل الاجتماعي للأحداث الأمنية في الحرم المكي، وانعكاساتها على القوة الخاصة لأمن المسجد الحرام؟ وباستعراض أحداث المسجد الحرام الأمنية، والبالغ عددها (65 ) خلال الفترة ما بين 1 يناير 2012 و30 يناير 2015، و بعد أن جرى تحليلها بصورة مبدئية، وجد أن أبرز ما تم تناوله من أحداث أمنية في شبكات التواصل الاجتماعي وتحديداً في منصة "تويتر" طوال السنوات المذكورة، كان في الفترة ما بين 26 مايو و26 يونيو لسنة 2014 ميلادية، وقد تركزت في خمسة "هاشتاغات" نشطة كما يلي: 1- سقوط معتمرين بسبب إغلاق الطواف. 2- تدافع المعتمرين في الحرم. 3- انتحار ثلاثة أشخاص في الحرم. 4- عسكري يضع قدمه على الكعبة. 5- أفريقي يحطم أنوار حجر إسماعيل. القوة الخاصة لأمن المسجد الحرام. القوة الخاصة لأمن المسجـد الحرام بدأت أعمــالها قبل حادثة الحرم في سنة 1979، وكانت مرتبطة بقوة الحج والمواسم، وتقوم بأعمال أمنية محدودة، وبعدها وفي سنة 1989 ارتبطت بشرطة منطقة مكة المكرمة وقامت بمهام الضبط الجنائي والإداري داخل الحرام المكي وفي ساحاته، وفي سنة 1995 تم ربطها بشرطة العاصمة المقدسة، واستحـدث مخفر الحرم المكي الشريف الذي أوكلت اليه أعمــال الضبط الجنائي والتحقيق والتوقيف، واقتصر اختصاص القوة على المراقبة وتنظيم الحشود و ضبط الحالات والجرائم والجنح وتسليمها لمخفر الحرم، وفي سنة 1999 ربطت القوة مجدداً بشرطة منطقة مكة المكرمة، وكان مخفر الحرم مرتبط إدارياً بالقوة الخاصة وجنائياً بشرطة العاصمة المقدسة، وفي سنة 2000 فصل الإرتباط الإداري لمخفر الحرم من القوة الخاصة والحق بشرطة العاصمة المقدسة، واصبح ارتباطه الإداري والجنائي بها، وقد عرفت قوة الحرم تسميات كثيرة كشرطة الحرم وقيادة أمـن الحرم المكي الشريف وقيادة أمن المسجد الحرام، وتحولت في سنة 2011 الى قوة خاصة بإسم القوة الخاصة لأمن المسجد الحرام، وفي الأشهر الأخيرة من 2014 ارتبطت بأمن الحج والعمرة، و القوة الخاصة تقوم بأدوار مهمة و حققت بالتعاون مع الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي والجهات الأمنية ذات العلاقة، نجاحات كبيرة في تنظيم المصلين وممرات المشاة بما يضمن انسيابية الحركة والتنقل من الساحات إلى صحن المطــاف والعكس، وأدارت الحشود بطريقة احترافية، وذلك عن طريق احكام السيطرة الأمنية على أعداد ضخمة من المعتمرين والزوار الذين يتحركون في مساحات جغرافية ضيقة. إضافة لما سبق تقوم القوة الخاصـة لأمن المسجد الحرام وبمشاركة الجهات المختصة، بمتابعة القضايا الجنائية عن طريق الدوريات الداخلية ودوريات ساحات الحرم والحراسات على أبواب المسجد الحرام، إضافة لمهامها الإنسانية في إرشاد التائهين وإعــادة المفقودات لأصحابها، ومكافحة الظواهر السلبية داخل الحرم أو في ساحاته كالنشل والتصرفات الخارجة و ترويج الممنوعات، و الحد من انتشار الباعة المتـجولين والمتسولين والعـربات غير المرخصة، وتعمـل على مراقبة وضبط الجرائم والجنــح والمخالفات على اختلافها، ومن ثم تحويلها بعد استيفاء إجراءاتها الأولية للجهة المعنية، أو تعمل على فك الاختناقات وحالات الزحام والتدافع، وتمارس القوة مهام البحث الجنائي السري باللباس المدني والدوريات والحراسات باللباس العسكري، وعن طريق مأمورات البحث السـريات، ويكون توزيعها على مجموعات يترأسها الضباط في أمــاكن تحدد لها داخل وخارج المسجد الحرام، وتباشر القوة أعمالها بمجرد استلام بـلاغ من أشخاص أو من احد أفرادها أو عن طريق توجيه من غرفة عملياتها، والثالثة ترصد كل شاردة وواردة بكاميراتها الأمنية، و القوة لديها إستراتيجية ثابتة وخطط افتراضية لمعالجة التجاوزات المحتملة والتعامل معها، وقد استفادت من الدروس السابقة وطورت في أساليبها ورفعت جاهزيتها(1). أما بالنسبة لتوسعات وإنشاءات المسجد الحرام، فقد كانت قبل التوسعة السعودية الأولى تستوعب 47 ألف مصل، زادت إلى 313 ألف مصل بعد التوسعة السعودية الأولى، وارتفعت إلى 460 ألف مصل بعد توسعة الملك فهد - يرحمه الله – ثم أتى مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز – يرحمه الله – لتوسعة المسجد الحرام الذي سيرفع الطاقة الاستيعابية للمسجد الحرام لعد اكتماله إن شاء الله إلى أكثر من مليون ومائتي مليون مصل. كذلك مشروع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز – يرحمه الله – لزيادة الطاقة الاستيعابية للمطاف، الذي سترتفع طاقته الاستيعابية بعد اكتماله من 48 ألف طائف، إلى مئة وخمسة آلاف طائف في الساعة. تجدر الإشارة إلى أن أكثر الفروض كثافة في المسجد الحرام تكون في التالي: 1- صلاة الجمعة من كل أسبوع، وتزداد الكثافة في هذا اليوم أوقات المواسم والإجازات الرسمية. 2- صلاة المغرب والعشاء في المواسم والإجازات. 3- صلاة التراويح والتهجد خلال شهر رمضان المبارك. 4- صلاة التراويح ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان المبارك وتزداد الكثافة في هذا اليوم. 5- ليلة التاسع والعشرين من شهر رمضان المبارك وتزداد الكثافة في هذا اليوم نظرا لختم القرآن الكريم في هذه الليلة المباركة. 6- صلاة عيد الفطر المبارك. ومن أكثر الأيام كثافة يوم العاشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة. ومن أكثر الأشهر والمواسم كثافة في مرتادي المسجد الحرام: 1- موسم العمرة والإجازات الرسمية. 2- شهر رمضان المبارك. 3- موسم الحج. الأمر الآخر أن الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي تشارك القوة الخاصة لأمن المسجد الحرام في مكافحة الظواهر السلبية، وذلك عن طريق لجنة مشتركة بين الطرفين في ساحات الحرم، وتعمل اللجنة على مكافحة التسـول، والباعة المتجولين في المنطقــة المركزية، ودافعي العربات، والنشالين، وكل ما يشكل ظاهرة سلبية، حيث يتم تحويل جميع المخالفين للأنظمة إلى الجهات المختصة، وهناك بعض الضبطيات من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المسجد الحرم، فيما يتعلق بالمخالفات الشرعية، والقضايا الأخلاقية كقضية التحرش بالنساء والالتصاق بهن والمعاكسات، وإخراج بعض المصاحف الموقوفة للحرم إلى خارجه بطرق غير ظاهرة، ومنع القصاصين والحلاقين المتجولين في الساحات، وضبط بعض التجاوزات عليهم(2). بدراسة الجرائم والإحداث (القضايا) في المسجد الحرام خلال الفترة من 2004 إلى 2014 سنجد أن القضايا المتنوعة كانت من أكثر القضايا حدوثاً بمعدل سنوي (620) قضية تم رصدها خلال الثلاث سنوات الأخيرة وحدها، تلاها قضايا التسول وبمعدل سنوي مقداره (452) قضية وبهذا يمكن أن تعتبر هذه ظاهرة منتشرة في المسجد الحرام، و يجب العمل على علاجها والحد من فرص وقوعها باتخاذ التدابير الوقائية اللازمة، خصوصاً وأن المتسولين يشكلِّون مظهراً لا يليق بروحانية المكان وقدسيته ويسيء لسمعة المملكة العربية السعودية، وبالتأكيد يتسبب في إزعاج المعتمرين والحجاج والزائرين للمسجد الحرام. جريمة النشل كانت بدورها من الجرائم المهمة في المسجد الحرام حيث بلغ معدلها السنوي 273 جريمة ونلاحظ أنها قد انخفضت في عام 2014 وقد يكون ذلك بسبب الإجراءات الأمنية الجديدة، كنظام البصمة، وكاميرات المراقبة المنتشرة في أركان المسجد الحرام. وهذا ما يوضحه الرسم البياني التالي: دراسة: عن واقع الشائعات في المجتمع السعودي قام مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني بدراسة إستطلاعية في سنة 2014 عن واقع الشائعات في المجتمع السعودي، واستخدم فيها عينة عشوائية بلغ حجمها 1049 مفردة من المجتمع المحلي، ممثلين عن جميع مناطق المملكة. ومن أبرز نتائجها أن 82% من المشاركين أجمعوا على تأثر الرأي العام السعودي بالشائعات، بينما رأى 17% فقط انه لا يؤثر. وقال ما يقارب 69.2% من عينة الدراسة أن الشائعات تنتشر انتشار واسعاً بين الناس في المجتمع، في حين أكد (23.1%) أنها متوسطة الانتشار، و (7.7%) أن الإشاعات تنتشر في أوساط اجتماعية محدودة.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه