2015-10-10 

مدائن صالح

زاهي حواس

إذا كنا نقول إن مصر تفتخر بوجود الأهرامات على أرضها، وإن الأردن يزهو بالبتراء؛ فإن المملكة العربية السعودية تفخر بوجود موقع مدائن صالح الأثري بها.. وبمجرد وصولي إلى الموقع تذكرت ما قاله الشاعر جميل بثينة: «ألا ليتَ شعري.. هلَ أبيتنّ ليلة؛ بوادي القُرى؟.. إني إذًا لسعيد!»، ودُفن جميل ناحية حلوان بمصر بعد أن أهدر دمه لعشقه ابنة عمه. طُفت بآثار مدائن صالح وبصحبتي الآثاري مطلق المطلق، الذي عمل لمدة 3 سنوات بالمواقع الأثرية في العلا، وهو عاشق للآثار؛ يتحدث عنها من القلب؛ فتصل كلماته إلى قلب الزائر.. ويطلق على مدائن صالح أيضا اسم «الحِجر»، ويمكن أن نصف الآثار الموجودة بالموقع بأنها لوحات حجرية بديعة منحوتة بصخر الجبل، تمثل واجهات المقابر الصخرية. وبمجرد أن ترى هذا الجمال الفريد الذي لا يوجد له مثيل بأى مكان آخر بالعالم تقع في حب وعشق مدائن صالح، وآثار المنطقة كلها؛ حيث هناك المنطقة الدينية، والسكنية، والآبار، والقنوات المائية، وآثار طريق الحج الشامي، وآثار قرية الحجر، وسكة حديد الحجاز، والمدافن الركامية على رؤوس الجبال.. ولقد عثر الأثريون على آثار في مدينة صالح تعود إلى أقدم العصور، ومنها آثار عصور ما قبل التاريخ التي عُثر عليها على قمم الجبال، وقد سكن الأنباط مدائن صالح بدءا من القرن الأول الميلادي وحتى القرن الثاني، وتركوا لنا المقابر الضخمة بواجهاتها الفخمة، التي تقف أمامها منبهرا عاجزا عن وصفها بالكلمات. وفي العصر الإسلامي نالت مدائن صالح أهمية كبيرة؛ حيث كانت محطة رئيسية على طريق الحج الشامي، والموقع مساحته نحو 1621 هكتارا، وهناك مقبرة تعرف باسم «قصر الصانع» عليها نقش مؤرخ بالسنة السابعة عشرة من حكم الحارث الرابع ملك الأنباط، وهناك منطقة أخرى يوجد بها نحو ثماني عشرة مقبرة.. أما منطقة واجهة «قصر الفريد» فتعتبر أشهر مواقع مدائن صالح، وتعرف المدائن من واجهة «قصر الفريد»، وسُميت بـ«الفريد» لانفرادها بصخرة ضخمة مستقلة، وتحتوي على عنصر معماري لا يتوفر في أي مقبرة أخرى، وهو عبارة عن عامودين إضافيين وسط الواجهة.. وهناك زرنا المنطقة السكنية، وتقع في السهل الذي يتوسط الموقع، ويحيط بها سور لا تزال آثاره باقية إلى الآن، وهذه المقابر تُظهر لنا نظام الدفن عند الأنباط، وتنوع المقابر، وتخص أسرة كاملة، وقد أمدتنا النقوش التي نُقشت على المقابر بمعلومات عن طقوس الدفن، والأشخاص الذين يحق لهم الدفن، والمكان الذي يمكن أن يدفنوا فيه، والغرامات واللعنات التي يمكن أن تلحق بمن يخالف ما جاء في النصوص، وقد وجدت في الموقع كتابات عربية وثمودية ونبطية ولاتينية.. ونصوص اللعنة الموجودة على جدران مقابر الأنباط تماثل تلك النصوص التي تركها الفراعنة على مقابرهم، يتوعدون فيها من تسول له نفسه أن يمس المقبرة بسوء بعقاب وعذاب أليم! وأهم ما بموقع المدائن هو الفن.. فن النحت؛ ويبدو أن الأنباط تفردوا بأسلوب خاص وتقنية عالية في تطويع الصخر الصلد ونحته، ويتأكد ذلك من انسيابية الخطوط وجمال العناصر المعمارية المصقولة جيدا؛ فيخيل إليك أن تلك المقابر والواجهات الجميلة إنما بنيت بالرمال المبللة وتركت لتجف في الشمس. وهذا يدل على عبقرية الفنان النبطي الذي أثبت أنه أعظم نحاتي العالم القديم.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه