2015-10-10 

الرقابة في مصر على الأعمال السياسية فقط

من برلين، علياء رشدي

نشر موقع قنطرة الألماني المختص بالحوار مع العالم العربي تقرير كتبته أليزابيث ليمان عن دور الرقابة في مصر على المصنفات الفنية ، والتي وفقًا للتقرير تحولت إلى رقابة على الموضوعات السياسية فقط. وذكر التقرير أنه على الرغم من استياء المصريون من بعض الأفلام والأغاني أو المسرحيات بسبب إظهارها للكثير من العري أو إساءتها للدين. لكن الموضوعات السياسة تبقى الخط الأحمر الأبرز بالنسبة لأجهزة الرقابة المصرية بل وأكبر المحظورات. وينطبق هذا على الأعمال الثقافية الإبداعية التي أصبحت رقابة الدولة تضيق الخناق على مبتكريها بشكل متزايد منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي منصب الرئاسة. بعد لكمتين سقط شادي على الأرض. "يجب عليك أن تتدحرج بشكل صحيح، وإلاَّ فإنَّ هذا سوف يبدو غير طبيعي. كما أن هذا مؤلم" - هكذا يقدِّم المدرِّبُ لشادي ولزميله الممثِّل النصيحة الأخيرة من أجل ظهورهما على المسرح في اليوم التالي، حيث يتم تقديم العرض الأوَّل من مسرحية "خمسميات" في مهرجان حكاوي الدولي في دار الأوبرا المصرية. وهذه المسرحية تدور حول البلوغ في مصر، وحول الصديقة الأولى والمشكلات في المدرسة ومع الأصدقاء. وفي هذا العرض يتعيَّن على هذين الشابين أن يضربا بعضهما بعضًا على خشبة المسرح. سندس شبايك مخرجة هذه المسرحية، تقول إنَّ "الحديث حول وجود مشكلات تقنية هو تعبير معدَّل دبلوماسي للغاية. لقد كان ذلك بكل بساطة: رقابة"، مثلما تقول المخرجة سندس شبايك. وتضيف أنَّ إدارة المسرح انزعجت من مشهد في المسرحية: "نحن نتحدَّث في هذا المشهد حول ’العادة السرية‘، وهي كلمة دارجة تعني الاستمناء". وهاتان الكلمتان كانتا كافيتين من أجل إبعاد المسرحية كلها عن مسارح الدولة في مصر. تقول سندس شبايك: "طلبت منا إدارة المسرح أن نعيد كتابة السيناريو وأن نحذف هذا المشهد". بيد أنَّ سندس شبايك رفضت، لأنَّها التزمت - بحسب تعبيرها - بجميع القواعد، وأرسلت السيناريو قبل ذلك إلى دائرة الرقابة - التي أجازت من جانبها عرض مسرحية "خمسميات" من دون تغييرات وأعطتها التصنيف "زائد 13". "في مصر توجد لدينا ثلاثة محرَّمات كبيرة: الدين والجنس والسياسة"، مثلما يقول حسام علاء رئيس "مؤسَّسة حرية الفكر والتعبير"، يعمل حسام علاء مند أعوام في البحث حول خلفيات الرقابة وتأثيرها في مصر. وقد نشر العديد من الأبحاث حول هذا الموضوع. بيد أنَّه مع ذلك لا يزال يجد صعوبة في الإجابة على السؤال عن سبب هوس السلطات بالرقابة. وحول ذلك يقول: "أعتقد أنَّهم يحاولون خلق نوع من مواطن نموذجي، لكي يتمكَّنوا من تحقيق إيديولوجيتهم. وهذا أسهل عندما يكون الجميع يفكِّرون التفكير نفسه. أنا لا أرى أنَّ هناك تفسيرًا آخر". وهذا يعني في الممارسة العملية فرض قيود كبيرة على الفنَّانين والمبدعين. قبل التمكّن على الإطلاق من البدء في مشروع ما، يجب أن يتم عرض هذا المشروع على دائرة "الرقابة على المصنفات الفنِّية المصرية" - وهي دائرة رسمية تعتبر جزءًا من وزارة الثقافة المصرية. ورئيسها هو فتحي عبد الستار، وهو رجل شائب في نحو الخمسين من عمره لديه تصوُّرات واضحة عما يندرج تحت الفنِّ الجيِّد وما لا يمكن اعتباره كذلك. يقول فتحي عبد الستار إنَّ "كلَّ مبدع متمكِّن من أدواته هو مع الرقابة. اسألي الناس الراسخة، اسألي أي مخرج كبير عندنا". وفتحي عبد الستار مقتنع بأنَّ دائرته الرقابية تُقدِّم خدمة للمبدعين في البلاد يقول فتحي عبد الستار: "يوجد ناس كثيرون جدًا، يأتون إلينا بعدما نُرَخِّص لهم بعمل، لأنَّنا ساعدنا في صياغة هذا العمل بالشكل الواجب. وضيف فتحي "كان لا بدّ من التدخُّل لأنَّ هؤلاء الناس، هؤلاء الرقباء والمفتشين أصبحوا عيونًا مُدرَّبة وآذانًا مُدرَّبة". فالجمهور المصري لا يتقبَّل ببساطة كلَّ شيء وبالتالي فإنَّ الذي يريد أن يحقِّق نجاحًا في السوق المصرية، يجب عليه أن يراعي ذوق الجماهير" الذي يحدِّد شكله فتحي عبد الستار والرقباء العاملون في دائرته. وفي الحقيقة تأتي معظم الشكاوى على الأفلام والأغاني أو المسرحيات من قبل مواطنين مستائين. وذلك لأنَّهم يشعرون أحيانًا أنَّ الآداب العامة تُنتهك من خلال إظهار الكثير من العري، أو من خلال الإساءة إلى الدين. ومع ذلك فإنَّ السياسة تمثِّل أكبر المحظورات. "لقد توقَّف المبدعون عن تقديم الأعمال المثيرة للجدل، لأنَّ في ذلك خطرًا كبيرًا للغاية"، مثلما يقول حسام علاء ويلاحظ هو وزملاؤه أنَّ المعايير الخاصة بالمنشورات أصبحت أشد بكثير من ذي قبل، منذ تولي الرئيس الجديد عبد الفتاح السيسي الرئاسة في مصر. يذكر حسام علاء أنَّ في عهد مبارك كانت لا تزال توجد مجالات صغيرة للأفلام والمسرحيات أو الكتب الناقدة. وبعد ثورة عام 2011 اتَّسعت هذه المجالات فجأة إلى حدّ كبير. ونشأ نقاش عمومي مفعم بالحيوية حول السياسة والمشكلات الاجتماعية وحول مختلف النماذج المجتمعية. ولكن "هذه النافذة تم إغلاقها بقوة منذ عزل الرئيس الإسلامي محمد مرسي قبل عامين". كما أنَّ كلَّ شخص يجرؤ على انتقاد أصحاب السلطة، ينتقل إمَّا إلى ما وراء القضبان أو يتم إبعاده عن وسائل الإعلام أو يتم إجباره على الرحيل إلى المنفى. وأبرز الأمثلة على ذلك المدِّون علاء عبد الفتاح والإعلامي الساخر باسم يوسف. وهكذا فإنَّ ما يبقى هو التيار العام. يقول حسام علاء مؤكدًا: "لم يعد لدينا فنَّانون حقيقيون في بلدنا". ويضيف أنَّ "جميع الأفلام التي تم إنتاجها في الأعوام الأخيرة تبدو متشابهة". وأنَّ مَنْ يُعتبر موهوبًا حقًا يعمل إمَّا تحت الأرض أو في خارج مصر. وهذا خيار غير مطروح بالنسبة لسندس شبايك، حيث تقول: "بطبيعة الحال بإمكاني أن أشكو وأقول: ما أصعب العمل في مصر! ولكن هذه نصف الحقيقة فقط". وتضيف أنَّ حين تتمكَّن ذات مرة مسرحية من مسرحياتها من الوصول إلى خشبة المسرح، فعندئذ تجعلها ردود فعل الجمهور تواصل العمل. "كثيرًا ما يعبِّر الجمهور عن امتنانه، لأنَّنا طرحنا مشكلات، يعرفها الجميع من خلال تجربته الشخصية، ولكن لا يدور الحديث حولها أبدًا. وهذا يعوِّضنا تمامًا في كثير من الأحيان عن نضالنا في مرحلة الإعداد".

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه