2015-10-10 

فى شرح ابتعادنا عن الإنسانية المعاصرة

عمرو حمزاوي

لننتبه، فبلاد العرب ما عاد يشار إليها فى الإعلام العالمى إلا فى سياق تناول وحشية ودموية عصابات الإرهاب والعنف، وحروب الكل ضد الكل العبثية، وانتهاكات الحقوق والحريات التى تتورط بها السلطوية الحاكمة، وكوارث النزوح والتهجير واللجوء والهجرة غير الشرعية، وأزمات الإعاشة فى مناطق كثيرة تعانى الفقر وأزمات الإغاثة فى مناطق أخرى تعانى من الدمار والتخريب. لننتبه، فالقليل من التقارير الإيجابية عن تجربة التحول الديمقراطى المتماسكة فى تونس يبعده عن الإعلام العالمى التصاعد النسبى فى العمليات الإرهابية وتواصل التعثر الاقتصادى. والقليل من التغطية الصحفية المتعاطفة مع الانفتاح السياسى الهادئ فى المغرب وتحسن أوضاع الحقوق والحريات، تطيح به أزمة الصحراء المغربية وأزمات الفقر والبطالة والتهميش التى لم يتحقق بها ولو المحدود من التقدم. والقليل من الإشادة الإعلامية بالتنمية البشرية والنمو الاقتصادى والاجتماعى فى بلدان مجلس التعاون الخليجى، تحبطه التقارير الكثيرة عن المظالم المجتمعية المتراكمة بفعل التمييز على أساس المذهب والعرق والنوع والرأى وعن انتهاكات الحقوق والحريات المستمرة وعن التمويل الخليجى للسلطوية الحاكمة فى العدد الأكبر من بلاد العرب وعن تورط بعض حكومات الخليج فى صراعات إقليمية مسلحة وفى توفير السلاح والمال لمتورطين فى حروب أهلية وحروب الكل ضد الكل العبثية. لننتبه، دون تونس والمغرب وبلدان مجلس التعاون الخليجى لا تتجاوز الأنباء المتداولة عالميا عن بقية بلاد العرب خانات الإرهاب والعنف والانتهاكات والصراعات المسلحة والحروب. ففى ليبيا والسودان واليمن وسوريا والعراق ــ وفى الصومال منذ تسعينيات القرن العشرين، ينهار السلم الأهلى للمجتمعات، وتنهار مؤسسات وأجهزة الدول الوطنية، وتلحق إما حكومات الاستبداد أو القوى الطائفية والمذهبية والقبلية أو نخب المال بالمواطنات والمواطنين الأذى ما يتفاوت بين الإبادة والجرائم ضد الإنسانية والتهجير وبين الإفقار والتهميش والبطالة. ويعمق من كوارث العرب فى هذه البلدان تورط حكومات عربية أخرى وحكومات أطراف إقليمية وحكومات دولية فى الصراعات والحروب الدائرة إما ﻹطالة أمد حكم المستبدين أو لاستبدالهم بقوى طائفية أو مذهبية أو قبلية لا تقل أبدا لجهة النزوع الاستبدادى والإجرام والتطرف. وفى الجزائر ومصر، سلطوية حاكمة تفرض فى الجزائر وضعية ركود اقتصادى واجتماعى وسياسى وغياب للتنمية المستدامة وتدافع عن نهجها كالسبيل الوحيد لعدم الانزلاق مجددا إلى خانات العنف والإرهاب والحرب الأهلية، بينما تقايض السلطوية المصرية المواطن على إما الأمن والخبز وإما الحق والحرية وتوظف مواجهتها للعنف وللإرهاب فى العصف بسيادة القانون والإلغاء الكامل لمسار التحول الديمقراطى والضغط المتصاعد على المعارضين السلميين وحركات المجتمع المدنى والتهجير المنظم للمواطن من المجال العام خوفا وتقييدا وتهديدا بالقمع وقمعا. وفى مصر، كما فى الجزائر، تحسن غائب فى الظروف الاقتصادية والاجتماعية والأوضاع المعيشية وتنمية متعثرة وبعض السياسات الرسمية التى تذهب فى الاتجاه الصحيح تنمويا غير أن عدم حضور الرؤية المتكاملة وعدم التزام مبادئ الشفافية والرقابة والمساءلة والمحاسبة يخصمان منها الكثير. وفى لبنان وفلسطين، دول وطنية معطلة أو غائبة، ومجتمعات تمور بالتوترات والصراعات فى سياقات متنوعة، ومعاناة مستمرة من احتلال واستيطان عنصريين أو من طائفيات ومذهبيات مسلحة. لننتبه، نحن بتنا خارج البشرية المعاصرة ونبتعد يوميا بسرعة مرعبة عن بحثها عن العدل والحق والحرية والتقدم والتوازن.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه