2015-10-10 

كلمة السر... في تفجير القديح

جاسم بودي

قدم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف واجب العزاء باسم خادم الحرمين الشريفين لأهالي ضحايا تفجير مسجد الإمام علي بن أبي طالب في القديح الإرهابي. زار المسجد المتصدع ووقف بين دموع الناس وحزنهم وغضبهم. استمع بكل رحابة صدر إليهم. لم يقاطع حتى من كان في قمة الانفعال وتركه يتكلم وينتقد وينفث عما في صدره كما يريد، لكن ما ان تحدث المواطن السعودي عن الدولة ووجوب بذلها جهداً أكبر في تأمين الأمن والحماية حتى بادره الأمير محمد بالقول إن الدور هو للدولة ولا دور لأحد خارج نطاق الدولة، موجهاً رسالة واضحة للجميع بأن من يعتقد أن دوره يكبر إن صغر دور الدولة فهو واهم لأن الجميع سيخسر إن غابت مظلة السلطة أو تراجعت. رسالة محمد بن نايف الرسمية سبقتها رسالة شعبية جسدت معدن أهل القطيف والمملكة عموماً، فمنذ اللحظة الأولى للتفجير الإجرامي الإرهابي الذي أراد تحقيق جملة أهداف، توافد أهل المنطقة السنة قبل الشيعة للمشاركة في عمليات الإنقاذ وإجلاء الجرحى ونزع الركام. تبرعوا بدمائهم وقدموا سواعدهم وسياراتهم وطعامهم وانتظروا في المستشفيات انتظار الملهوف الخائف على فقدان فلذة كبده... ثم فتحوا بيوتهم مشاركة منهم في العزاء. هذا المشهد السعودي الأبيض كان الرد الأقوى على مشهد التفجير الأسود. وهذه اللحمة الوطنية، التي أريد لها أن تنفك وتتقطع من خلال عمل إرهابي تقطعت معه الأجساد، صمدت وتماسكت وقويت أكثر من ذي قبل بفعل وعي المواطنين والتفافهم حول المشتركات الجوهرية في الدين الحنيف واتقائهم لربهم عز وجل في كل أفعالهم وحرصهم على بلدهم ومؤسساتهم وأمن مجتمعهم واستقراره. التفجير الإرهابي كان يرمي إلى أكثر من تدمير مسجد وقتل مصلين. ومن فجر نفسه قد لا يعرف غير الدوافع التي غسلوا دماغه بها، أما من أرسله ومن أعطاه الأمر ومن وجّهه فهم بالتأكيد يخططون لعمليات أخرى حتى الوصول إلى أهدافهم البغيضة، والمصيبة الكبرى أن حتى هذه القيادات الإرهابية لا تعرف ربما أنها أداة في يد مشروع أكبر منها قد لا تكون له علاقة مباشرة بها... إنما له علاقة أكيدة بنتائج أعمالهم وكيفية توظيفها لخدمة مشروعهم الرامي إلى القضاء تماماً على هوية المنطقة وقيمها وشكلها ودورها. نحن أمام منفذ مغسول الدماغ إلى الدرجة التي رضي فيها أن ينتحر وينحر إخوة له في الدين، وأمام قيادات خططت ووزعت خرائطها لتقسيم المملكة خمسة أجزاء وضرب الدولة السعودية بهدف حلم إقامة إمارات خلافة فيها، وأمام «جهة ما» أو أكثر تغذي هذا السرطان وتستخدمه وتؤمّن له مقومات الانتشار كي ترث نتائج أفعاله بخرائط أخرى وأشكال أخرى وهيمنة أخرى... وقادة المملكة العربية السعودية يعرفون تماماً الرابط بين كل هذه العناصر وهم يخوضون حرباً ضد التطرف المتعدد الوجه، تبدأ من تكريس مبادئ الاعتدال والوسطية والبناء على المشتركات في المناهج والمدارس والمؤسسات الدينية وتنتهي في المشاركة العسكرية ضد حركات التطرف في أكثر من مكان ومهما كانت الهوية المذهبية لهذا التطرف. ولا أوهام في السعودية للعلاقات المتشابكة بين السياسة الأميركية في الشرق الأوسط من جهة والحرب في سورية والعراق واليمن وليبيا من جهة أخرى، والتحديات الداخلية التي تواجهها كل دولة خليجية من جهة ثالثة، وعملية «شد الحبال» بين الغرب وإيران من جهة رابعة وكيف يسعى كل طرف لتحويل الملفات الإقليمية إلى أوراق تفاوض. صارت الأمور واضحة ومكشوفة مهما حلّقت طائرات المؤامرات على علو منخفض كي لا ترصدها شبكات الرادار. كل شيء صار في دائرة التوقع أو الربط، فإن وصلت المحادثات «من فوق» إلى طريق مسدود يمكن للأطراف المتفاوضة أن تلعب ورقة «الجنوح إلى الهاوية» على الأرض لنستيقظ ومناطق برمتها كانت مع الدولة وصارت مع المتطرفين، أو لنصدم بخبر تفجير يريد إسقاط مجتمع لا مبنى اسمنتي فحسب... والمصيبة أن الأطراف المتفاوضة لا تخسر شيئاً، فإن توصلت إلى اتفاق فهو على حساب مصالحنا وإن تصادمت بالنار فعلى أرضنا وبأجسادنا وضحايانا. تعرف المملكة ذلك كله، وكذلك الكويت ودول الخليج، فهي في مرمى المخطط وفي قلب أهدافه، ولذلك كان التضامن العفوي الطبيعي مع الضحايا من جميع أهل المملكة مرآة للوعي الذي صار سلاحاً للرد على ما يخطط له. لن نكون مثاليين ونقول إن هذا الوعي يمثله الجميع وأن لا نعرات تعصب وتطرف وتكفير وإقصاء هنا وهناك، لكننا نريد البناء على الصورة الإسلامية الاجتماعية الإنسانية الوطنية الحقيقية التي أظهرها التعاطف بعد التفجير، ونريد أن نشيد بمواكبة المؤسسات الإعلامية السعودية لهذا التعاطف بشكل راقٍ عكس رسالة جديدة لم نألفها من قبل سواء للتركيز الدائم على هول الجريمة وحقد المجرمين أو لجهة إبراز الجوانب المضيئة المتمثلة في الوحدة الوطنية التي عمقتها التجربة وغذتها بعناصر جديدة. تعرف المملكة الرابط بين مختلف عوامل التطرف في المنطقة والسياسات الخارجية، وهي ترصد وتعلن عن الشبكات والأهداف، وأعتقد أن ما من أجهزة أمنية مستنفرة على مدار الساعة في العالم قدر الأجهزة الأمنية السعودية. وتعرف المملكة ما وراء التفجير أيضا، وترصد من يشجع على تعميم الإرهاب في أماكن أخرى لاستهداف جماعات وقطاعات أخرى، وتراقب الدعوات إلى إنشاء «حشد شعبي» هنا أو أمن ذاتي هناك، ولذلك كان ولي العهد الأمير محمد بن نايف دقيقاً في توجيه رسالة حازمة إلى من واساهم: لا تسمحوا لمن فجّر مسجداً أن يفجر مجتمعاً، ولا تفكروا في أي مظلة غير مظلة الدولة فإن وهنت هذه المظلة لا سمح الله فالسيل الجارف لن يستثني أحداً، لا من السنة ولا من الشيعة ولا من المواطنين ولا من المقيمين... ولن يتوقف عند حدود المملكة. تعرف المملكة أن ضرب مشروع الدولة كان كلمة السر خلف كل تفجير... لذلك قالت كلمتها في العلن. جاسم مرزوق بودي

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه