2015-10-10 

قناة الجزيرة مابين الترويج للإرهاب والترويج لنفسها

من القاهرة، حسين وهبه

أجرت قناة الجزيرة القطرية حوارا مع أبو محمد الجولاني "أمير" جبهة النصرة في ثاني مقابلة مع هذا التنظيم المتطرف بعد لقاء سابق عام 2013، ما يطرح تساؤلات حول مخاطر منح منبر دعائي يُوظف لنشر إيديولوجية الحقد والكراهية. وأثارت المقابلة التي بثتها قناة الجزيرة القطرية يوم الأربعاء 27 مايو تفاعل كبير من قبل مستخدمي وسائل التواصل الإجتماعي، وتطرح أسئلة جوهرية حول الخط التحريري والدقة المهنية المتبعة في تغطية ظواهر الإرهاب والتطرف من قبل العديد من وسائل الإعلام العربية. وعندما كانت المقابلة مع زعيم جبهة النصرة أبو محمد الجولاني ، جناح تنظيم القاعدة في سوريا، جاء فيها أن الجبهة باتت تركز على الاستيلاء على العاصمة السورية دمشق والإطاحة بالرئيس بشار الأسد ولا تستهدف أهدافا غربية. وجاءت المقابلة من خلال برنامج ( بلا حدود ) والذي يقدمه الإعلامي أحمد منصور ومن آخر ردود الفعل ما قاله المبعوث السوري لدي الأمم المتحدة‭‭‭‭ ‬‬‬‬بشار الجعفري أمام مجلس الأمن الدولي، والذي قال إن تلك المقابلة تستهدف "الترويج للإرهاب لتوجيه المزيد من التهديدات للحكومة وللشعب في سوريا"، مؤكدا أنها تمثل "انتهاكا لقرارات الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب". وبغض النظر عن كون الجعفري يمثل نظاما يمارس بكل الوسائل الإرهاب ضد شعبه، كما تؤكد ذلك العديد من المنظمات الدولية التي تتهمه بارتكاب جرائم حرب، فإنه من الملفت أن تمنح قناة الجزيرة ساعة بث كاملة لزعيم تنظيم يتبنى إيديولوجية العنف والكراهية ويتحمل مسؤولية مقتل الآلاف من المدنيين سواء في الغرب أو في العالم الإسلامي. وتضع الولايات المتحدة التنظيم على قائمتها للمنظمات الإرهابية ويفرض عليه مجلس الأمن عقوبات. ويقول الدكتور صفوت العالم أستاذ الإعلام السياسي في جامعة القاهرة لدويتش فيله أن "المشاهدة المكثفة هي هدف هذه القنوات، دون أي اعتبار لحقوق المشاهد العربي، أو المهنية أو الالتزام بالسياسة التحريرية"، فيما يرى مراقبون آخرون أن الدوحة تسعى لـ "تبييض" صفحة جبهة النصرة وتقديمها كحركة تسعى لإسقاط نظام الأسد. وبدأ أحمد منصور مذيع قناة الجزيرة برنامجه بالقول "حوارنا مع مؤسس جبهة النصرة محمد الجولاني...أشكرك أنك منحت شبكة الجزيرة وبرنامج بلا حدود هذا الحوار". وكان الجولاني يضع وشاحا أسود يغطى رأسه وكتفيه، ووضعت الراية السوداء التي تستخدمها جبهة النصرة على الطاولة بينه وبين محاوره. وجلس على مقعد مزخرف في الجهة المقابلة للمحاور وظهره للكاميرا. وقال الجولاني إن على الأقلية العلوية أن تتبرأ من الأسد، ولكنه أضاف شرطا آخر لم يثر انتباه المذيع، إذ طالب العلويين بترك مذهبهم ودعاهم إلى "ترك الأشياء العقائدية التي أخرجتهم من دينهم والعودة إلى حضن الإسلام"، وهو الشرط الذي وضعه على الدروز أيضا. ولم يقدم مذيع الجزيرة أي سؤال أو استفسار نقدي بهذا الصدد وكأن الأمر بديهي وطبيعي. ويرى صفوت العالم أن هناك ظاهرة أساسية تجمع كل التنظيمات الإرهابية، وهي اهتمامها باستخدام وسائل الإعلام والتقنيات الحديثة استخداما جيدا، وهي حريصة على تنوع وتعدد وسائل تواصلها مع الجمهور العام والجماهير المؤيدة لها. والدليل على ذلك أن "داعش" لها سبعة أذرع إعلامية، منها مجلات ومواقع الكترونية واستوديوهات وقنوات. ولا يمانع الخبير المصري من حيث المبدأ تعامل الإعلام العربي مع الأصوات المتطرفة، إلا أنه يشترط ألا "يترك الأمر للمتحدث الدعائي ليخلق درجة من الإثارة، أعتقد أن هذا أمر لا يليق ولا يستجيب للمعايير المهنية". وأضاف "هذه التنظيمات لها قدرة على التواصل مع عديد من القنوات الفضائية لبث الرسائل الإعلامية التي تريد. هذه القنوات تجعل من نفسها منبرا وآلية للتناول الدعائي والإعلامي لمثل هذه التنظيمات". و يرى غيدو شتاينبيرغ، الخبير الألماني في شؤون الإرهاب إن الفضاء الإعلامي "الطبيعي" للتنظيمات الإرهابية هو وسائل الإعلام الجديدة. إلا أن المقابلة مع الجولاني تظهر أن الجماعات المتطرفة قادرة على اختراق القنوات الكبرى أيضا. وبهذا الصدد يوضح صفوت العالم "أعتقد أن القنوات لديها سياسات تحريرية، لكنها تبحث عن كل ما هو مثير، وعن كل ما يشكل سبقا إعلاميا من قبيل: ها نحن نستقبل أمير الإعلام في الجماعة الفلانية". وتجدر الإشارة أيضا إلى أن هناك تنافسا ميدانيا وإعلاميا متزايدا بين "الدولة الإسلامية" المعروفة إعلاميا بـ"داعش" وتنظيم القاعدة الذي تنتمي إليه جبهة النصرة. فيقول غونتر مولر، الخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط في جامعة ماينز أن "الدولة الإسلامية أصبحت أهم وأقوى وأفضل تسلحا وتمويلا من القاعدة، ولها قدرة فائقة على توظيف الإعلام الجديد في الانترنت والشبكات الاجتماعية، ما يجعل الشباب الجهاديين ينجذبون لها أكثر". وربما يدفع هذا بالقاعدة للبحث عن كسب نقاط بكل الوسائل أمام منافسة "داعش" والظهور إعلاميا بأنها لا تزال فاعلة وموجودة. ويرى صفوت العالم أنه يتعين على هذه القنوات الإعلامية العربية أن تضع المنطق الدعائي للتنظيمات المتطرفة في سياق نقدي، فإذا كانت تستعمل "استمالات اقناعية" كادعائها مثلا بأن هدفها هو نصرة الإسلام والمسلمين، فيجب إبراز درجة التناقض بين هذا المنطق الدعائي العام والأدلة والشواهد التي يستند إليها، وبالتالي إظهار ان خطابها يفتقد للمصداقية.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه