2015-10-10 

قمة «كامب ديفيد».. بين الواقع والمأمول

علي العنزي

تابع الجميعُ قمة كامب ديفيد الأميركية-الخليجية، والتي عُقدت الأسبوع الماضي، إذ التقى الرئيس الأميركي باراك أوباما قادة ومسؤولي دول الخليج العربي، وقد حظيت القمة بتغطية واسعة من وسائل الإعلام كافة، المشاهد والمسموع والمطبوع، وكذلك الجديد، وهو ما يعطي للمتابع مؤشراً على أهمية هذه القمة والتطلعات التي يرغب الطرفان في تحقيقها، وتباينت الآراء والتحليلات حول القمة من المتابعين والمحللين، لكن البيان الختامي الذي ظهر بعد انتهاء القمة كان معتدلاً ومرضياً للأطراف المشاركة كافة، وهو ما يجعل تحليل نتائج القمة وما قيل عنها أمراً في غاية الأهمية، لما تمثله دول الخليج العربي من ثقل اقتصادي وسياسي في المنطقة، وكذلك للدور الأميركي الحيوي والمهم في المنطقة. إن الشكوك الخليجية تجاه السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، ولاسيما المنطقة العربية منذ تولي الرئيس أوباما، واضحة ومتزايدة، وهي التي دفعت دول الخليج إلى إظهار قلقها وتذمرها وانتقادها لسياسة أوباما في المنطقة، فقد علق الخبير الدولي في شؤون الشرق الأدنى والأوسط مدير مركز دراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا CNMS التابع لكلية هومبولد فيادرينا لدراسة التسيير السياسي في برلين أودو شتاينباخ، في مقابلته مع DW عربية قائلاً: «إن القمة مهمة بالنسبة إلى الإدارة الأميركية، التي يجب أن توضح مخططاتها لدول الخليج في ما يتعلق بالاتفاق النووي مع إيران، مشيراً إلى أن عدم مشاركة معظم الزعماء الخليجيين، قد يكون راجعاً إلى الشكوك التي تنتابهم بأن تقارب الولايات المتحدة مع إيران، قد يكون على حساب أمن دول الخليج». ومن جانب آخر، ذكر الرئيس الأميركي أوباما في حوار مع صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية أنه «حتى ونحن نسعى إلى اتفاق نووي مع إيران، فإن الولايات المتحدة تبقى يقظة ضد تصرفات إيران المتهورة الأخرى، وأن لدى دول الخليج العربية الحق في القلق من إيران». هذه التهدئة والتطمين الأميركي لا تكفي لقادة الخليج وشعوبها، وحتى لو سعى أوباما إلى التأكيد على التزام واشنطن بعلاقاتها الاستراتيجية بحلفائها في الخليج العربي، ومن بعده وزير خارجيته جون كيري بأن القمة ستبحث التوصل إلى اتفاق على إجراءات وتفاهمات أمنية جديدة مع العواصم الخليجية، ومهما صرحا من خلال وسائل الإعلام، بأن الولايات المتحدة ستقف ضد أي محاولة من طهران لزعزعة الاستقرار في المنطقة، لكن الواقع الذي يراه ويشاهده ويلمسه قادة الخليج العربي هو هرولة أميركية وحماسة؛ للوصول إلى اتفاق مع إيران قبل انتهاء فترة أوباما الرئاسية، وهو ما يزيد ويعزز الشكوك لدى شعوب الخليج العربي وقادته، بأن إدارة أوباما ما يهمها هو الوصول إلى اتفاق بغض النظر عن انعكاساته على المنطقة، فمن المعروف أن الولايات المتحدة لا تكشف كل أوراقها، وهو ما يجعل الدول الخليجية تتعامل بحيطة وحذر مع التطمينات والتصريحات الصادرة من أركان الإدارة الأميركية. أعتقد بأن الإدارة الأميركية ترسل رسائل غير واضحة، فهي من جهة تدعم قيادة التحالف العربي في اليمن سياسياً ولوجستياً، ولكن من جهة أخرى تضغط وتدعو إلى الحوار مع إيران، بحثاً عن حل سياسي، وهذا غير منطقي، ويوحي بأن الإدارة الأميركية تغازل إيران وتحاول إدخالها طرفاً في الشأن اليمني، وهو ما جعل المملكة تقطع الطريق على أي دور إيراني، بعقدها مؤتمراً في الرياض في الشأن اليمني، يقرر اليمنيون مستقبل بلدهم، وهذا ذكاء وحنكة سياسية من القيادة السعودية، فالحل هو يمني أولاً وبمساعدة دول الخليج العربي؛ لأنها هي المعنية بالشأن اليمني، لذلك قمة كامب ديفيد أظهرت وبينت إلى أي مدى ستكون الإدارة الأميركية مستعدة للوقوف إلى جانب قيادة التحالف العربي في اليمن، سواءً في نهجها السياسي أم العسكري؟ فالإدارة الأميركية، تعلم وتصرح دائماً بأن إيران تدعم الحوثيين، فما الذي يمنعها من أن تكون واضحة وتتخذ موقفاً حازماً تجاه هذه التدخل الذي تعترف بها علناً؟ وهو ما حدى بدول الخليج إلى اتخاذ مواقف حازمة جداً تجاه اليمن؛ لأنها خشيت أن يحصل في اليمن كما حصل في العراق وسورية ولبنان، وكلها بسبب السياسة الأميركية والتطمينات التي كانت توزعها هنا وهناك. لقد تابع الجميع نتائج القمة من خلال البيان الختامي، والذي تضمن نقاطاً عدة، أبرزها مطالبة إيران باتخاذ إجراءات لبناء الثقة، وتبديد مخاوف دول الجوار، وكذلك التزام واشنطن بأمن دول الخليج، وأن أي اتفاق مع إيران سيضمن أمن دول الخليج، وأن الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي، وكذلك تسوية النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي على أساس حل الدولتين، وكذلك تعزيز التعاون في مكافحة التهديدات الإرهابية وضرورة التحرك بشكل سريع نحو عملية سياسية في اليمن، وكذلك كان من نتائج القمة هو تأكيدها على أن الرئيس السوري بشار الأسد فقد شرعيته. بالنظر إلى البيان الختامي أعتقد بأن القمة حققت أهدافاً عدة، أهمها: التأكيد الأميركي على الالتزام بأمن الخليج، لكن ما زالت سياسة الإدارة الأميركية تجاه إيران ضبابية، ولم تبدد قمة كامب ديفيد الشكوك الخليجية بشكل كامل، فالموقف الأميركي تجاه توقيع الاتفاق النووي واضح ويسير باستعجال؛ لإنجازه، علماً أن دول الخليج مؤيدة للاستخدام السلمي للطاقة النووية لأي دولة بما فيها إيران، إلا أن التدخلات الإيرانية في المنطقة، وطموحاتها الجيوسياسية في المنطقة هو ما يقلق دول الخليج العربي، ولن تتساهل في هذا الأمر المهم، فالدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية، لن تسمح بأي حال بأن تتمدد إيران في المنطقة، سواءً في اليمن أم غيره، فالأمن العربي مهم للسعودية. لقد كانت قمة كامب ديفيد مهمة ومفيدة للطرفين، فالأميركي سمع القلق والانتقاد الخليجي لسياساته في المنطقة، ورأى وسمع كذلك، التصميم الخليجي على الحفاظ على أمنهم ومصالحهم مهما كلفت الأمور، والخيارات لديهم كثيرة، أما الأميركي فقد حاول شرح الأسباب والأهداف والفائدة من توقيع الاتفاق النووي مع إيران، لذلك في النهاية أمن الخليج هو مسؤولية أبنائه، ولن ينتظرون نتائج هذا الاتفاق أو ذاك، وما بعد «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل»، ليس كما قبلها.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه