2015-10-10 

لماذا يعيش حملة الدكتوراه أطول من الثانوي؟

فهد عامر الأحمدي

لا يمكن لأحد منحك نصيحة خارقة تضمن عيشك لمئة عام أو تزيد.. لا يوجد شيء يدعى إكسير الشباب بمعناه الحرفي والبيولوجي ولا يعرف أحد الى متى سيعيش حتى أصحاب الأمراض الخطيرة.. أفضل ما يمكننا فعله هو الحديث عن متوسط العمر لدى مجتمعات معينة (كأن نقول متوسط العمر في اليابان يتفوق على متوسط العمر في سيراليون بأربعين عاما كاملة) أو تخمين عيش "سعد" عمرا أطول من شقيقه "سعيد" كون الأول لا يشرب ولا يدخن ولا يعاني من سمنة مفرطة كالثاني.. ولكن هذا لا يعني عدم وجود من يعمر لسن متقدمة في سيراليون، أو أن هناك بدناء ومدخنين ومرضى لامسوا سن المئة.. كم من مريض قد تخطاه الردى فنجا ومات طبيبه والعُوّد وبناء عليه يمكننا فقط تقديم نصائح مفيدة في العمر الطويل؛ كالتغذية الجيدة، والقيادة الواعية، والرعاية الصحية، والبعد عن العادات السيئة كالتدخين والسمنة والكحول..الخ .. وفي حين تبدو كلها نصائح مألوفة، نستغرب من وجود دراسات تؤكد مثلا أن حملة الدكتوراه يعيشون أطول من حملة الماجستير، أو حملة الماجستير أطول من حملة البكالوريوس، والبكالوريوس أطول من الدبلوم أو الثانوي.. وهذه النتيجة الغريبة خرجت من جامعة لندن ضمن بحث للأسباب المؤدية لطول العمر على مستوى انجلترا أثبتت أن الفرق بين متوسط أعمار حملة الشهادات العليا والشهادات الدنيا 9,5 سنوات.. ويكمن السر في ارتباط الشهادة العليا بالدخل المرتفع والوعي الصحي والرعاية الطبية الممتازة وجميعها عوامل يصعب وجودها لدى غير المتعلمين أو الأقل دخلا (حسب العدد الأخير من New Scientist) فالحديث عن مستوى الشهادة يعني بالتبعية الحديث عن المكانة الاجتماعية ودورها في إطالة أو تقصير العمر. ففي الغالب ينال الحاصل على شهادة عليا مرتبة وظيفية أعلى ودخلا يمنحه رعاية طبية متقدمة.. وهذه الحقيقة تم إثباتها في كلية علم الأوبئة في جامعة يونيفيرستي كوليج في لندن. فخلال ثلاثة عقود قام البروفيسور ماموت بدراسة العوامل المؤدية لطول العمر ونشر مايعرف ب"دراسة وايتهول" التي قارنت بين صحة الموظفين الحكوميين في لندن (واتضح من خلالها أن صحة موظفي الحكومة ترتبط بدرجتهم الوظيفية وأن من يحتلون مناصب كبرى يتمتعون بصحة أفضل وعمر أطول)!! ... ونتيجة لهذه الدراسة الفريدة خرجت دراسات لاحقة انتهت إلى نتائج مماثلة أكدت ارتفاع متوسط العمر لدى الأكاديميين والوزراء والرياضيين والحاصلين على جوائز الأوسكار.. فقد تضح مثلا أن الممثلين الحاصلين على جائزة الأوسكار يعيشون ثلاث سنوات في المتوسط أطول من زملائهم، وأن العلماء الذين نالوا جائزة نوبل عاشوا أطول بمتوسط خمس سنوات ممن لم يحصلوا عليها، وأن الرياضيين الفائزين بجوائز أولمبية عاشوا أطول من زملائهم الحاصلين على جوائز محلية بثلاث سنوات ونصف...!! ويعتقد ماموت أن هذه القاعدة يمكن تطبيقها على أي فئة ناجحة ومتعلمة في المجتمع.. وهو على قناعة تامة بأن الصحة العامة وطول العمر يتأثران بقوة بمنصب الانسان ومكانته الاجتماعية ومستواه التعليمي وهو ما أطلق عليه اسم "عارض الوضع الاجتماعي"!! أيها السادة ؛ بكلام أكثر بساطة: الانسان المتعلم أكثر وعياً بصحته.. والإنسان الثري أقدر على رعايتها.. وصاحب المنصب يدرك أهمية حالته الطبية ومظهره الصحي في استمرارية المنصب ذاته.. .. وفي الإجمال ؛ السيارة التي يتم صيانتها والكشف عليها بشكل دوري، نادرا ما تتعطل أو تحال للتقاعد !! *نقلاً عن صحيفة "الرياض"

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه