2022-12-25 

الموسيقى والغناء فى الوطن العربى بين المحلية والعالمية

الدكتور أحمد الطويل

 

أ.د./ أحمد يوسف محمد على الطويل

عميد المعهد العالى للموسيقى العربية  أكاديمية الفنون بمصر

 

 

نلتقى اليوم تحت شعار "الوحدة" بين فنون وثقافات العرب؛ وكم هى متمازجة؛ وصامدة أمام كل دخيل فنى؛ وهناك فرق ما بين التأثر من اقتباس وإبداع ، وما بين الدخيل الذى يغزو، لا بهدف إبداع إنما لفرض هيمنة ومحاولة تغيير وطمس هويات، كأحد أدوار الاستعمار الذى لازال يتعامل مع ثقافاتنا خناقا لاعناقا.


وباىء ذى بدء؛ نستهل بعرض لمحات من الفن السعودى، قديما وحديثا؛ إذ يجدر بنا التعرف على فن هذا البلد الأمين، وكم كان رائعا فى كل ما ينتج من ثقافة متميزة.

الموسيقى فى السعودية

حافظت الجزيرة العربية على الموروث العربى الكبير فى ظل الخلافة الإسلامية، سواء فى الثقافة المادية الثابتة،كالأثر الإسلامى، وأدوات المعيشة والشكل العام للأزياء، أو المتحركة كالفنون الموسيقية، والتى وصل فيها العرب إلى الذروة، سواء فى الثروة اللغوية الهائلة، أو الموسيقى التى تطورت فى ظل عصور مختلفة من أنماط الحكم، الإسلامى،راشدى، أموى، عباسى، وغيرها.

وقد تركت لنا آثار تلك العصور صورا بديعة لفن موسيقى، سواء فى ألحان أو مصنفات، تناولت: الموسيقى ومدارسها، أشكالها، مقاماتها إيقاعاتها، قوالبها، وأساليب الممارسة الموسيقية؛ وقد عمت تلك المدارس كافة الجزيرة العربية، من شمالها لجنوبها، ومن شرقها لغربها، حتى اليمن، وإمارات الخليج. 

ولكن من أسف، لم تعط الموسيقى فرصا للتطور، فى ظل فترة سادت فيها النظرة المتشددة للموسيقى، بوصفها أمرا مكروها، يشغل الناس عن أمر دينهم ودنياهم، وذلك بسبب قدر المملكة التى فرض عليها بوصفها حاميا ومرجعية للإسلام وتعاليمه الجادة. لكن الحال تغيرت فى ظل القيادة الرشيدة لخادم الحرمين وصاحب الجلالة المك سلمان – حفظه الله – وصاحب السمو الملكى ولى العهد الأمير محمد سلمان – حفظه الله – الذى واجه الحقيقة بكل جرأة وشجاعة، وبروح الشاب المتدفق والمنطلق نحو آفاق جديدة، جددت دماء المملكة لتظل نبراسا ونموذجا للثقافة المعتدلة المازجة بين العالمية مع الحفاظ على الروح العربية.

ولكن كانت هناك فترات انتعش فيها الفن الموسيقى فى السعودية، وظهر هناك فنانون متميزون، كان لهم أثرهم على أهل المملكة، وقد أحبوا الفنون من خلالهم؛ فمثلا الفنان السعودى "حسن جاوة"، وهو من مواليد تسعينات القرن التاسع عشر، وقد نشأ وتربى على الألحان القديمة،وحفظ غالبية الشعر العربى من مختلف عصور السعودية،وما قبلها؛ وكان له قدرة كبيرة على الارتجال الغنائى، وتميز بحسن الصوت وعزف رائع للعود، وقد قام بجولات عديدة للدول العربية، وتوفى عام 1964.

وقد اشتهر أيضا، الفنان الشيخ "إبراهيم السمان"،وقد ولد فى حلب عام 1894، وأقام فى المدينة المنورة، وتعلم الفن هناك، واستقى من روائع الفن سواء العربى القديم،أوالموشحات المصرية والشامية، كما كان حافظا لبدائع الشعر العربى، وكان صوته جميلا، ذا مساحة صوتية كبيرة، سواء فى القرار أو الجواب، وقد تجول فى الدول العربية، وقدم حفلات فنية، كما شارك فى الأداء الغنائى الصوفى، سواء فى الجزيرة العربية أو خارجها، وفى أخريات حياته، اكتفى بالأذان فى الحرم النبوى، وقد توفى فى عام 1963.

واشتهر من الموسيقيين السعوديين، عازف الإيقاع "عرفة صالح با عرفة"، المولود بحضرموت سنة 1895، وقد علم أجيالا من الموسيقيين فن العزف على الإيقاع.

وفى القرن العشرين، اشتهر فى السعودية فى ظل حكم الأسرة السعودية  أدام الله عزهم وحكمهم الرشيد - ،فنانون متميزون، طوروا موسيقاهم وأغانيهم، واتسعت دائرة الاستماع العربى للفن السعودى بفضل ألحانهم وغنائهم، وأشهرهم - ولنبدأ بالمتوفين منهم:

طلال مداح (5/8/1940 – 11/8/2000)

مغن وملحن سعودي؛ له تأثير كبير على الثقافة العربية في القرن العشرين؛ وهو أهم رائد للحداثة بالأغنية السعودية، ويعد أبرز فنان سعودي؛ وكان من أوائل الذين ساهموا في نشر الأغنية السعودية خارج المملكة؛ حيث غنى في العديد من المدن حول العالم مثل: "باريس، ولندن؛ قدّم الكثير والكثير من الأعمال الموسيقية، وعَمِلَ مع الكثير من الملحّنين والشعراء والموسيقيين، وكان له دورٌ كبير في تطوير الموسيقى السعودية بشكلٍ عام. 

ويعتبر من القلائل الذين لهم لهم محمد عبد الوهاب من خارج مصر؛ فقدم له ألحانا تظهر صوته الندى؛ مثل : "ماذا أقول؟", و"منك يا هاجر دائى".

ويعتبر عموما من أعلام الموسيقى العربية، وعُرف بألقاب عديدة منها: "الحنجرة الذهبية"، و" قيثارة الشرق"، و"صوت الأرض"، و"زرياب" (ذلك اللقب الذى أطلقه عليه موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب؛ و"أستاذ الجميع"، (وهو اللقب الذى أطلقه عليه زميله الفنان محمد عبده).

الملحن الموسيقار الدكتور طلال

ملحن عبقرى ولد في مدينة الرياض، ونشأ عاشقاً للكلمة والنغم، وتشرب من كل تراث الغناء العربي من خليجه إلى محيطه، وعندما يرى أو يسمع النص الشعري يفتن به ويلحنه هاوياً لأنه لم يقرر الاحتراف يوماً. رغم تلحينه لكبار المغنين سواء فى السعودية أو خارجها.

فلحن للمطربة "عتاب"، وسجلت ألبوم باسم "سعودي"؛ والذى أعجب الموسيقار طارق عبد الحكيم (صاحب النشيد الوطنى السعودى). واستطاع في فترة وجيزة أن يشد إليه الأسماع من كل صوب وحدب، وحقق انتشاراً ونجاحاً واسعين، ولحن لطلال مداح مجموعة أغان ذات مذاق مختلف، مثل: "قصت ضفايرها" ومجموعة أغاني "سيدي قم"، وللفنان "محمد عبده" مجموعة أغاني "أنا حبيبي": كما أنه جمعهما فى ملحمة "مولد أمة" عام 1990 م في حفل افتتاح المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) .

واستمر فى ألحانه للفنان طلال مداح في أكثر من عشرة أغان، مثل: "رفعت الصوت" 1986م، "جتني تقول" 1988 م ، "الحق معاي" 1989 م، "السكوت أرحم" 1992 م، "تدلل ياقمر" 1993 م، "مصدر أحزاني" 1993 م، "ألف شكر" 1994 م، و"ذهب" 1999 م؛ كما لحن لراشد الماجد أغنيات: "الدنيا حظوظ، القمرة، شمعة حياتي"؛ كما تعاون مع "عبد المجيد عبد الله" فى مجموعة أغانى "عندك خبر" عام 1992م ، و"نبيل شعيل" فى مجموعة أغاني"أهل الرياض" عام 1993م ، و"عبادي الجوهر" فى مجموعة أغاني "من عذابي"، و"زمان أول" عام 1993م؛وقد حققت تلك الأغاني نجاحات ساحقة في مبيعاتها في الخليج والعالم العربي؛ كما جمع بين صوتي: الكبيرة "وردة" و"عبادي الجوهر" في أغنية: "زمن ماهو زماني" 2012م . 

ومن كلمات الشاعر المصرى "عبد الرحمن الأبنودي" لحن أغنية "كل الكلام" 2018م والتي غنتها المطربة المصرية "نجاة الصغيرة". ولحن من كلمات الشاعر السوري "نزار قباني" أغنية "غرناطة" 2018م، والتي غناها المطرب العراقي " كاظم الساهر". ولحن من كلمات الشاعر المصري الكبير "حسين السيد" أغنيات: "سامحني ياحبيبي، من زمان، بعد ساعة، ذكرياتنا، أنا روحت منك". ونجاح تجربة الجمع بين مطربين، قد استهوته فلحن لكل من عاصي الحلاني وديانا حداد أغنية: "روميو وجولييت" 2016م . كما لحن للمطرب المصري "هاني شاكر" وللكويتى محمد المسباح؛ ولماجدة الرومي" قصيدة "متى يأتي المساء؟" 2017م، من شعر "طلال حيدر"، ولصابر الرباعي"؛ أغنية "أين أذهب؟" 2019م، و"جريدة الرجل الثاني" 2020م ، وللتونسية لطيفة بعنوان "أبروني" 2020م .

وقد حقق الموسيقار طلال الكثير للأغنية السعودية عل مدار أربعين عاماً، بوصوله إلى كبار المطربين والمطربات، ليس في الخليج فقط بل في الوطن العربي كله، وبقيامه بدور جليل لخدمة الفن والموسيقى والغناء؛ وذلك بتبنيه الكثير من الأصوات الرجالية والنسائية الجديدة، وأيضاً لمنح الأصوات العربية فرصة الغناء باللهجة الخليجية.

الفنان محمد عبده 

ولد فى 12 يونيو  1949، في محافظة الدرب في منطقة جازان جنوب السعودية؛ يُعتبر من أشهر الفنانين العرب على مستوى الوطن العربي الذين مزجوا ما بين الغناء القديم والحديث المتطور؛ فظلت أعماله مواكبة لكافة الأجيال، ومعروف بلقب "فنان العرب"، وهو يحظى باحترام كبير في الساحة الفنية. وكان نجم الحفلات العربية فى السعودية وخارجها، من الخليج إلى المحيط، كما أقام العديد من الحفلات على كافة مسارح العالم.

بدأ رحلته الفنية حين غنى في الإذاعة في برنامج (بابا عباس) عام 1960، وبارك هذا الاكتشاف الشاعر المعروف "طاهر زمخشرى"؛ ثم سجل أغنية: "قالوها في الحارة".

وبدأ التلحين لنفسه فى أغنية: "خلاص ضاعت أمانينا"، وذلك بمصاحبة عوده فقط. ثم "الرمش الطويل" عام 1967، والتى تجاوز توزيعها ثلاثين ألف شريط كاسيت؛ والتى انتشرت فنيًا في جميع أرجاء السعودية بمختلف مناطقها وفي دول الخليج المجاورة والعالم العربي. ثم أغنية "لنا الله"، من ألحان الموسيقار طارق عبد الحكيم(1967) ؛ كما كان لتعاونه مع الشاعر العبقرى سمو الأمير عبد الله الفيصل رحمه الله تقديم عمل فنى رائع بعنوان : "هلا يابو شعر ثاير".  

ثم جاءت مرحلة السبعينات، والتى حقق من خلالها محمد عبده العديد من النجاحات في مسارح عدد من البلاد مثل الإمارات، قطر، لبنان، الكويت، مصر، وغيرها؛ مما أهله ليصبح سفيرًا للأغنية السعودية، وغيرها من الأقاب مثل: "سفيرًا للأغنية الخليجية"، و"سفيرا للجزيرة العربية "، و"مطرب الجزيرة العربية"، و"فنان الجزيرة العربية"؛ 

كما قدم من شعر الأمير الشاعر خالد الفيصل قصائد نبطية مثل: "يا صاح، أيّووه، سافر وترجع، وغيرها"؛والتى أدخل محمد عبده معها ألوانا أخرى مثل:"السامري" بأصوله الخليجية التى انتشرت بفضله خارج منطقة الخليج.

ثم اشتهر له أغنية " أبعاد"، من ألحان الكويتى يوسف المهنا، والتى ترجمت إلى لغات هندية وفارسية، وكذا فرق غنائية أوروبية تركية ويونانية قد أدتها فى ريبوتوارت تلك الفرق. والتى استطاع من خلالها أن ينشر الفن العربى خارج حدوه الجغرافية.

كما تعاون من الأمير بدر بن عبد المحسن، فى تقديم الأغنية الطويلة، فقدم:  "في أمان الله" أو "الرسايل" التي قدمها على مسارح القاهرة فى صيف عام 1974.

وكان لنجاحه فى حفل بتونس، أن أطلق عليه الرئيس التونسي حينها الحبيب بو رقيبة لقب "فنان العرب"؛ كما شارك مع الفنان الملحن الدكتور عبد الرب إدريس، فى أغنيات: "محتاج لها"، و"جيتك حبيبي"، و"أبعتذر"، و"كلك نظر".

وكان لحفلاته خارج الوطن العربى رد فعل فى انتشار الفن العربى فى الدول غير الناطقة بالعربية، ومنها الحفل الذى أقامه فى مدينة جنيف السويسرية صيف  1988، وذلك في أثناء الكرنفال السنوي الخاص بها، وقد تم طبعها عبر شريطين فيديو، وحققت نجاحًا وانتشارًا كبيرًا في أرقام قياسية في التوزيع بعد أرقام التوزيع لأشرطة الكاسيت السمعية.

وبعد هذا العرض الموجز لفنون البلد المضيف، نعرج على علاقة الموسيقى العربية بالفن العالمى، من خلال نماذج قديمة وحديثة.

التأثير المتبادل بين الموسيقى العربية والموسيقى العالمية

كان التأثير العربى على الموسيقى الغربية إحدىسمات العصور الوسطى؛ سواء فى النظريات الموسيقية من حيث المسميات أو المسافات سواء اللحنية أو الهارمونية،وكذا الفكر الهارمونى؛ فقد عرف العرب التدوين على رقبة العود، تحت اسم "المجارى الموسيقية" عند إسحاق الموصلى، والذى عرفه الغرب فيما بعد باسم "التدوين الجدولى" أو "التابلاتورة" (Tablatura) على رقبة الآلة،وعرف منه ثلاثة أنواع استخدمت فى ألمانيا وفرنسا وإيطاليا؛ وهى تشير إلى أسماء أوتار العود، وترجع تلك تسميات رموز التابلاتورة على رقبة العود – أيضا - إلى مبتكر مسلم من مملكة غرناطة. وهذا هو تدوينها وفق فكر إسحاق الموصلى.

أولا: مجرى الوسطى: 

وفيه تستخدم أصابع: السبابة "1"، وهو على مسافة 2 ك من الوتر المطلق والوسطى "2"، وهو على مسافة 3ص من الوتر المطلق، والخنصر "4"، وهو على مسافة 4ت من الوتر المطلق، وهو أيضاً صوت الوتر التالى.

1- مطلق فى مجرى الوسطى: وهو يساوى حالياً، مقام النهاوند الكردى، المصور على درجة النوى.

 

2- سبابة فى مجرى الوسطى: وهو يساوى حالياً، مقام اللامى، المصور على درجة الحسينى.

 

3- وسطى فى مجراها: وهو يساوى حالياً، مقام العجم، المصور على درجة العجم.

4- خنصر فى مجرى الوسطى: وهو يساوى حالياً، مقام النهاوند الكبير، المصور على درجة الكردان.

ثانيا: مجرى البنصر:

وفيه تستخدم أصابع: السبابة "1"، وهو على مسافة 2 ك من الوتر المطلق، والبنصر "3"، وهو على مسافة 3ك من مطلق الوتر، والخنصر "4"، وهو على مسافة 4ت من الوتر المطلق، وهو أيضاً صوت الوتر التالى.

1- مطلق فى مجرى البنصر: وهو يساوى حالياً، مقام العجم، المصور على درجة النوى. 

2- سبابة فى مجرى البنصر: وهو يساوى حالياً، مقام النهاوند الكبير، المصور على درجة الحسينى. 

3- بنصر فى مجراها: وهو يساوى حالياً، مقام الكرد، المصور على درجة الكوشت. 

4- خنصر فى مجرى البنصر: وهو يساوى حالياً، مقام البسندارو "الليدى"، المصور على درجة الكردان.

وعلى نغمات العود تلك، ظهر أول تدوين موسيقى دقيق فى تاريخ الموسيقى العربية لصفى الدين الأرموى، على الشعر التالى: 

على صبكم يا حاكمين ترفقوا

 

الآلات الموسيقية 

تعتبر المنطقة العربية مخزن الآلات الموسيقية التى نقلت لأوربا، وتطورت سواء فى الشكل أو المضمون، فنجد ضبطة آلة الجيتار على مسافة الرابعات تماما كالعود العربى الأسبق منهه تاريخيا، كما أدخل العرب إلى إسبانيا آلات جديدة عليهم مثل: الطبول تحت اسم (Table) و (Taber)،(Tabor)، وهو الذى استخدم منه الطبل الكبير لتنظيم طابور الجند؛ والعود (Lute)، والرباب و الربيك (Rebec)،والجيتار (Guitar)، والنقارة (Nacer)؛ كما تفصح عن أسمائها العربية؛ كذلك الصنوج (Cymbals)، والتى جاءت عن طريق العرب باسم الصنوج (Sonajas)؛ وقد اشتهر الأعشى (ميمون بن قيس) المتوفى عام 629 م؛ بأنه صناجة العرب؛ وكذلك آلتى: "الدف" و"البندير" اللتين احتفظا باسميهما فى الحضارة الأوربية باسم (Andufe) و(Bandere)، وكذلك "طبل القصعة" (Quesse)، والتى تغيرت إلى (Caisse)؛ والنفير العربى (Anfil)، ومنه مجموعة النفير (Fanfares) ، وغيرها من تأثير العرب فى مجال الآلات الموسيقية.

ولو تتبعنا تطور الآلات الموسيقية التى صدرها العرب إلى أوربا، لوجدنا أن أول كلارينيت صنعت فى الغرب كان اسمها "شالومى" Shalume    أو "كالاموس" وهى نفسها ذات التسمية المنقولة الآلة العربية "السلامية"، والكورنو المشتقة من "قرون الوعول"، كما اصطلح الأسبان على التسمية العربي "النفير"، وكذا الأورغن الذى أهداه الخليفة هارون الرشيد إلى ملك الفرنجة شارل مان، حيث كان حديث الساعة فى أوربا فى عام 807م، وهناك العديد من التسميات العربية فى مجال تصنيع الآلات الغربية ، نذكر منها :

الآلة الموسيقية

الأثر العربى

الترجمة

فوهة آلة النفخ

البق = الفم

Bocca

It.

مبسم الآلات النحاسية

بوقال

Boccale

It.

آلة نحاسية

مقوس

Cor (net)

Fr.  It.

آلة نحاسية

قرن

Horn

E.

آلة النفير

استنفار القبيلة

Anafil

Fr.

مادة يصنع منها البوق

القنا = البوص

Cane

E.

ضرب النفير

بوقال

Bugle

E.

 

الإيقاعات الموسيقية

عرفت أوربا "السارباند" كإحدى حركات صيغة المتتالية (Suite)، وهى ذات أصل إسلامى "ساربند طائر"، وهو إيقاع "السارباند"، بمعنى "عصفور"،والعجيب أنها تتكون ثلاث وحدات زمنية، كالإيقاع العربى. 

وليس ببعيد عن تأثير متبادل بين الموسيقى العربية والعالمية؛ فنجد رؤية "الهلال" فى الإسلام وما يصاحب من احتفالات، وذلك كما فى الموسيقى الدينية اليهودية والمسيحية كما فى لحن القداس "هللويا"، وكان لقب "المهلهل" الذى أطلقه العرب على الشاعر "عدى بن ربيعة بن الحارث التغلبى"، لأنه أول من هلهل بالشعر، رققه؛ ليس ببعيد عن المعنى الموسيقى. وترنيمة الشكر والتسبيح فى الموسيقى الغربية هى: "Eleleu Eleleu "، وتعنى الولولةأو النياحة؛ ويظهر فيها التأثير العربى إذ تعود للولولة، كما يقول الأصمعى : "ويلى ويلى يا ويل لى فقلت لا تولولى وبينى اللؤلؤ لى"؛ وكانت النياحة: هو غناء المراثى على الموتى، وتعديد مآثرهم، ووصف الفاجعة التى حلّت على القوم برحيل أحد ذويهم، ويسمى أيضاُ النَوح، وكانت تؤديه النساء على الدفوف، ومن أشهرهن "هند بنت عتبة"، وقلدهم الرجال فيما بعد، وتفوقوا فيه، أمثال ابن سُريج والغريض. 

كما أن تسلسل السلالم الجريجورية، من الإيولى إلى المكسيوليدى؛ قد وردت فى كتب العرب الأقدمين "ابن المنجم" والكندى، وليس بغريب أن تتخذ نغمة (لا) الأساس فى نغمات الكندى فى الموسيقى العربية كأساس لنغمات الموسيقى الأوروبية، إذ يرمز لها بالحرف (A) الموجود فى أول نغمة لآلة العود "مطلق البم"؛ وكذا فى طريقة سردوترتيب المقامات العربية؛ فعلى سبيل المثال؛ جاءت المقامات عند الكندى على النحو التالى:

المقام الأول: ويبدأ من نغمة رى.

وهو يساوى مقام الدورى، فى المقامات الجريجورية، وفى الموسيقى العربية، حالياً، مقام النهاوند الكبير على درجة الدوكاه. 

المقام الثانى: ويبدأ من نغمة دو.

وهو يساوى مقام الإيونى، فى المقامات الجريجورية، وفى الموسيقى العربية، حالياً، مقام التبريز، العجم المصور على درجة الراست. 

المقام الثالث: ويبدأ من نغمة سى1 أسفل المدرج.

وهو يساوى مقام اللوكرى، وهو مهمل فى المقامات الجريجورية، وفى الموسيقى العربية، حالياً، مقام اللامى المصور على درجة الكوشت.

المقام الرابع: ويبدأ من نغمة لا1 أسفل المدرج.

وهو يساوى مقام الإيولى، فى المقامات الجريجورية، وفى الموسيقى العربية، حالياً، مقام النهاوند الكردى على درجة العشيران.

المقام الخامس: ويبدأ من نغمة صول.

وهو يساوى مقام المكسيوليدى، فى المقامات الجريجورية، وفى الموسيقى العربية، حالياً، مقام عجم بدون الحساس على درجة النوى.

المقام السادس: ويبدأ من نغمة فا.

وهو يساوى مقام الليدى، فى المقامات الجريجورية، وفى الموسيقى العربية، حالياً، مقام البسندارو على درجة الجهاركاه.

المقام السابع: ويبدأ من نغمة مى.

وهو يساوى مقام الفريچى، فى المقامات الجريجورية، وفى الموسيقى العربية، حالياً، مقام الكرد على درجة البوسليك.

المسافات الموسيقية

كان الفارابى وابن سينا يعتبران مسافة الثالثة الكبيرة بنسبة 5/4 ، مسافة الثالثة الصغيرة ونسبتها 6/5، أفضل فى السمع من الثالثتين الفيثاغورسيتين (81/64 – 27/32، والتى اتخذها الغرب أساسا للسلم المعدل، واستخدمت بشكل محبب للسمع، سواء لحنية أو هارمونية بعد أن كان العالم يستخدم الثالثة الفيثاغورسية وهى لم تكن مقبولة فى السمع، إذ تعتبر النسب ذات الآعداد الأصغر أكثر توافقا من النسب ذات الأعداد الكبيرة.

تعدد التصويت فى الموسيقى العربية

ظهر تعدد التصويت فى رسومات المصريين القدماء وضع العازفين عدة أصابع مختلفة على أوتار مختلقة من آلتى "الكنارة والجنك" فى ذات الوقت، وكذا الناى المزدوج الذى كانت تؤديه النساء؛ وعرف العرب أداء نغمتين فى آن واحد تحت أسماء "التضعيف" و"التركيبات"، "التمجيد"،وذلك الذى استخدمه الإغريق من الأصل العربى تحت اسم (Magadiznation)، وهى تكرار الخط اللحنى على مسافة الرابعة والخامسة؛ وهى التى ذكرها العالم المسلم "ابن سينا" فى كتابه "الشفاء"؛ وقد كان فن Magadiznationيدرس فى الأندلس؛ إبان الفتح الإسلامى.

كما كان "الفلامكنو" أحد التأثيرات العربية فى الفن الإسبانى، بأدائها ومقاماتها والتى تعتبر مقام "الكرد"العربى أساسا للغناء، كما يبدو فى أغنيات فرقة "جبسى كينج وقد نشأ فى مناطق العرب بشمال أفريقيا، وتبناها شعب "الفلامنكو" من بلجيكا وفرنسا، وكانت تلك الرقصات والغناء المصاحب يبعث النشوة والطرب فى الجمهور الذى يستحسنونه قائلين: "أوليه" أى "الله"، كما نقول نحن العرب والمسلمين استحسانا. كما أن الصناجات التى ييستخدمها الراقصون فى تلك الرقصة لم تكن معروفة فى أوروبا قبل التقاء العرب بهم بعد الفتح الأندلسى، وكذا مما جلبته الحملات الصليبية معهم بعد انتهاء حملاتهم

وفى نهاية تلك الفقرة، نترحم على علمائنا الذى أثروا الفن والعلم الموسيقى بمآثر خالدة أثرت فى معارف الإنسانية، وهم:

 

 

 

يونس بن سليمان الكاتب

المتوفى 148هـ - حوالى 765 م

الخليل بن أحمد الفراهيدى

المتوفى 175هـ - حوالى 791 م

إسحاق بن إبراهيم الموصلى

المتوفى 235هـ - حوالى 850 م

أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندى

المتوفى 260هـ - 874 م

السرخسى  أبو العباس بن مروان

المتوفى 285 هـ - 899 م

ثابت بن قرة

المتوفى 288 هـ - 901 م

منصور بن طلحة بن طاهر

المتوفى 298 هـ - 910 م

عبيد الله عبد الله بن طاهر

المتوفى 300 هـ - 912 م

يحيى بن على بن يحيى المنجم

المتوفى 300 هـ - 912 م

قسطا بن لوقا البعلبكى

المتوفى 300 هـ - 912 م

ابن خرداذبة أبو القاسم عبيد الله

المتوفى 300 هـ - 912 م

ابن عبد ربه

المتوفى 328 هـ - 940 م

أبو نصر محمد طرخان الفارابى

المتوفى 339 هـ - 950 م

المسعودى أبو الحسن بن على

المتوفى 346 هـ - 925 م

محمد بن أحمد الخوارزمى

المتوفى 370 هـ - 980 م

أبو الوفاء البوزجانى

المتوفى 387 هـ - 998 م

إخوان الصفا

القرن العاشر

أبو القاسم مسلمة المجريطى

المتوفى 398 هـ - 1007م

أبو على الحسين بن عبد الله بن سينا

المتوفى 428 هـ - 1037 م

أبو على الحسن بن الهيثم

المتوفى 430 هـ - 1038  م

أبو منصور الحسين بن زيلة

المتوفى 440 هـ - 1048  م

أبو الصلت أمية

المتوفى 529 هـ - 1134 م

أبو بكر محمد بن يحيى بن باجة

المتوفى 533 هـ - 1139 م

ابن رشد الوليد محمد

المتوفى 595 هـ - 1198 م

فخر الدين الرازى

المتوفى 606 هـ - 1209 م

نصير الدين الطوسى

المتوفى 672 هـ - 1273 م

صفى الدين عبد المؤمن الأرموى

المتوفى 693 هـ - 1294 م

قطب الدين الشيرازى

المتوفى 710 هـ - 1312 م

أبو الحسن محمد بن الطحان

القرن الرابع عشر

على بن محمد الجرجانى

المتوفى 816 هـ - 1413 م

محمد بن عبد الحميد اللاذقى

المتوفى 849 هـ - 1489 م

قطب الدين الخيضرى

المتوفى 894 هـ - 1489 م

داود بن عمر الأنطاكى 

المتوفى 1008 هـ - 1599 م

أبو العباس المقرى

المتوفى 1041 هـ - 1632 م

أبو زيد عبد الرحمن الفاسى

المتوفى 1096 هـ - 1685 م

 

الموسيقى العربية حاليا

لماذا تأثر كبار موسيقيينا بالموسيقى العالمية، بينما أثر ملحنو الجيل الحديث فى الموسيقى العالمية؟

سؤال يطرح نفسه بقوة؛ إذ ليس من المعقول أن تنتشربعض ألحان عربية عادية  وقد يكون معظمها غير مضبوط إيقاعيا - فى أوروبا وقد لا تعتبر من عيون الأغانى العربية،بينما لم يكن هناك تأثيرات كثيرة من ألحان كبار موسيقيينا القدامى على الموسيقى والذائقة العالمية.

والإجابة تتلخص فى التوقيت؛ إذ بدت علاقة الموسيقى العربية بالعالمية بعد اتصال المصريين وبعض الدول العربية المحتلة إبان القرن التاسع بالعالم الغربى، والذى وصلت موسيقاه إلى الذروة، علاوة على البعثات التى أرسلها "محمد على" والى مصر، واستقدامه لأساتذة أوروبيين فى كافة المجالات ومنها الموسيقى، وذلك للتدريس فى مدارس الجيش الموسيقية؛ وكان لهم بصمتهم فى نشر الثقافة الموسيقية الغربية؛ من حيث التعليم الموسيقى؛ سلالم موسيقية وإيقاع, وآلات موسيقية؛ وكذا أسلوب التأليف الموسيقى الغربى والفكر الموسيقى عموما؛ والنظريات التى أثرت فى الفكر الموسيقى العربى فى بداية القرن العشرين،كل هذا ألقى بظلاله على الفن المصرى العربى؛ وتأثر روادهبالفكر والموسيقى الأوربية؛ فكانت هناك اقتباسات لحنية لحمل موسيقية عالمية شهيرة، وإيقاعات: "السمبا، الرومبا،الكوكاريتشا، الباتسانوفا، والبوليرو"، وغيرها؛ وظهرت تلك الأفكار فى أعمال كبار الملحنين: محمد عبد الوهاب، فريد الأطرش، محمد فوزى، منير مراد؛ رغم عبقريتهم فى التلحين؛ كما أن هناك ألحانا عربية قد تأثر بها الأوربيون فى أعمالهم: "الربيع (فريد الأطرش)، يا مصطفى يا مصطفى (محمد فوزى)، قارئة الفنجان (محمد الموجى)؛كما اشتهر لحن "كنت فين يا على" الشعبى كتتر خاتمة أفلام "ميكى ماوس" الشهيرة، وغيرهم.

كما استخدمت الألحان العالمية فى الموسيقى التصويرية للأفلام السينمائية، أو تترات لبرامج إذاعية أو تليفزيونية؛ كموسيقات: "بيتهوفن، تشايكوفسكى،سترافنسكى، رافيل، دى فايا"، وغيرهم. بينما قل استخدام تلك الأعمال العالمية فى موسيقى أفلام بالتدريج بداية من السبعينات إلى أن تم الاستغناء عنها نهائيا فى وقتنا الحالى؛ ومع ذلك كانت ألحان الكبار فى الموسيقى العربية مزدهرة وأخذت حقها من التناول والتداول، على مدار القرن العشرين، واعتمدت بالكامل على موسيقيين محليين جدد.  

كما ظهرت ألحان لمحمد عبد الوهاب وهو يعتبر الموسيقار الأشهر فى القرن العشرين، بها اقتباسات من ألحان عالمية، مثل "القمح" من موسيقى لباليه "كسارة البندق" لتشايكوفسكى، "اللى يقدر على قلبى" من لحن أريا لشوبرت، و"يا للى نويت تشغلنى" من أوبرا "ريجليتو" لفيردى؛ ولفريد الأطرش، لحن "أنساك وافتكرك تانى" من لحن "كونفرسيتا"، ولكمال الطويل "فى يوم فى شهر فى سنة" من "كونشرتو الكمان والأوركسترا" لخاتشادوريان"،كما استعان الرحبانية فى أوج مجدهم الفنى بألحان عالمية فى الروائع التى صاغوها للفنانة فيروز؛ وغيرها. وقد اكتفت ألحان وأغنيات أولئك العباقرة   على المستوى العالمى - بحب وشغف المغتربين العرب والمسلمين فى العالم؛ دون الشعوب الأوروبية فى الغالب.

لكن الأغرب هو تأثر الأوربيين بألحان عربية فيما بعد  - كما سنعرف -  ربما أقل مستوى وملحنوها ليسوا من الرواد؛ والسبب، هو أن تلك الألحان جاءت تتمة لألحان عباقرة الموسيقى العربية، وبعد مجهود مضن من كبار فنايننا؛ وصلوا بها بها إلى أرقى ما يمكن تصوره من التطور، إذ تعتبير قصيدة "قارئة الفنجان" هى خاتمة القرن العشرين، رغم تقديمها فى عام 1976، ولما يتبق على القرن العشرين ربع قرن كاملا؛ واستمرت الأغنية على منوال عبد الوهاب وفريد وفوزى والموجى والطويل وبليغ وسيد مكاوى، وغيرهم؛ ولم يحدث أى تطوير فى بنية الأغنية شكلا ولا موضوعا؛ بل عادت الطقطوقة وهى القالب الأشهر إلى عهدها الأول ما بين مذهب وكوبليه مختلف يعادويتكرر؛ واختفى الدور والموشح والمونولوج؛ حتى القصيدة لحنت فى الغالب بطريقة الطقطوقة، رغم أن منها قصائد من شعراء عاصروا الجيلين، مثل نزار قبانى، الذى قدمت له - سابقا - قصائد "أيظن، رسالة من تحت الماء، قارئة الفنجان" على سبيل المثال، وقدمت قصائده فيما بعد بطريقة مختلفة تماما؛ ويستثنى من ذلك محاولات أخرى لبعض الملحنين أمثال: جمال سلامة وإحسان المنذر، والموسيقار طلال؛ وظهرت فى ألحانهم لماجدة الرومى ومحمد عبده والرويشد، وغيرهم.

ولكن ما الذى جعل الأغنية العربية الحديثة رغم بساطتها الموسيقية من حيث  الجمل الموسيقية وبساطة الإيقاع تجد آذانا صاغية للجمهور الأوروبى ومصدرا لفنانين أوروبيين، هل هى التوزيعات الموسيقية؟ أبدا فالغرب يوزعون موسيقاههم بشكل ممتاز، هل هى الكلمة؟ كلا فهم قد لا يفهمون اللغة العربية؛ أم الصوت المميز؟،ربما؛ لكن أن تنتشر أغانى المهرجانات فى أوروبا؛ تلك نقطة غاية فى الخطورة؛ هل لأنها صالحة للرقص؟ وأكيد ليست لجودة الكلمة بالقطع. هل لابتعاد غالبية الألحان الحالية عن الاستخدام المقامى العتيق، الذى يميز موسيقانا العربية، هذا ما سوف نجيب عنه فى السطور التالية.

فى الواقع؛ يرى الكاتب أن هناك عدة عوامل ساعدت على انتشار الفن العربى خارج أراضيه؛ أولاها، تقارب الشعوب وتقدمها فى مجال دراسة مقارنة الأديان؛ فاستمع الغرب للقرآن الكريم - مجودا ومرتلا - بعد أن كان من المحاذير العقائدية هناك، ومنها تعرفوا على الصوت العربى ونغمات من خلال كبار القراء، أمثال: "محمد رفت،مصطفى إسماعيل، محمود خليل الحصرى"، وغيرهم؛ مما مهد لخلق أرضية فى وجدانهم لسماع الفنون القولية فى الموسيقى والغناء العربى؛ بعد أن كان القرآن يمر عليهم مرور الكرام؛ وقد كان هذا البعد عن سماع القرآن الكريم عدم الاهتمام بصوت عبد الوهاب وأم كلثوم وعبد الحليم وغيرهم؛ إذ كان غريبا على آذانهم إبان تلك الفترة.

ثانيا، تقارب وسائل الاتصال والدخول فى عصر "العولمة"، وأصبح العالم قرية صغيرة؛ وتعددت تلك الوسائل التكنولوجيا والبسيطة والسهلة فى التعامل، بعد أن كانالمذياع "الراديو" هو الوسيلة الوحيدة لنشر الثقافة العربية خارج دياره؛ مما سهل تعرف العالم على فنوننا بشكل مباشر، أكثر من أى وقت مضى، وأن الأغنية العربية تنتشر فى العالم كافة بمجرد إذاعتها لأول مرة بعد ثوان معدودة؛ وأصبح من السهل اقتناء أغنيات أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش وفيروز ووديع الصافى، وغيرهم من كبار الفنانين فى الوطن العربى، بعد أن كان ذلك صعبا فى الماضى.

وثالثا؛ اعتماد الموسيقى العربية الجديدة على وسائل حديثة إما فى صياغتها، أو آلاتها الكهربائية، أوإيقاعات غربية سهلة؛ وكذا عودة الأغنية إلى مرحلة اللحن الواحد، أو اللحنين، لحن للمذهب، لحن للكوبليهات لا يتغير إلى فى الكلمات؛ وربما لاعتماد بعض الألحان الحديثة على تيمات شعبية، وهى الأكثر تأثيرا فى المتلقى؛ كما فى لحن "حبيبى يا نور العين"، وهى ذات جذور شعبية؛ إذ هو مقتبس من اللحن الشعبى: "أول سنة لـ ايوب نصلى ع النبى"، من الملحمة الشعبية: "أيوب وناعسة"؛ وربما هو سبب شهرتها.

في أحد مهرجانات الموسيقى الشهيرة في العاصمة البريطانية، لندن، ووسط مئات الأغاني العالمية، سمعالجمهور أغنية "حبيبي يا نور العين"، وهى إحدى أكثر أغاني الفنان عمرو دياب نجاحا، تليها أغنية "عيونها" للفنان حميد الشاعري، وتجد مئات من البريطانيين والعرب يتمايلون على هذه الألحان.

وفي السنوات الأخيرة أصبح من الشائع أن تسمع أغنيات عربية في حفلات (شبابيّة) في دول أوروبيّة. ومن أمام أحد الحفلات الدورية الشهيرة بلندن، يقول أحد المارة العرب لإذاعة البى بي سي عربي مستفسرا: "نحن هنا في بريطانيا ولا في مصر؟".

وتنتشر هذه الأغنيات بين الفئات الشابة، والمهتمة بالأساس بنوع من الموسيقى يطلق عليه "موسيقى العالم" أو (World Music) بالإنجليزية: والتى قد لا تنتمى إلى هوية غير أنها بلغة عربية؛ وموسيقاها قد تكون مألوفة؛ ولا ينتج هذا النوع من الموسيقى في أوروبا، بل له طابع عالمي؛ هو أشبه بمظلّة كبيرة تضمّ أنواعا مختلفة من الموسيقى الفولكلورية والمحلية لعديد من البلدان ولمختلف الثقافات. ويشمل موسيقى "الفانك" التي ذاع صيتها في ستينات القرن الماضي بين الأمريكيين السود، وموسيقى الجاز، والراب، وموسيقى المهرجانات المصريّة، والبوب والروك، والموسيقى الإلكترونية. وتدمج هذه الموسيقى في الأغلب أصواتا وألحانا مألوفة للأذن الغربية، إلى جانب الآلات الموسيقية التقليدية للشعوب المختلفة.

وتتصدر الموسيقى العربية هذا النوع من "موسيقى العالم"؛ وفي الوقت الذي قد يعتبر فيه بعض الشباب العرب أن سماع الموسيقى الغربية هو: "مؤشر على الثقافة والانفتاح" على العالم، ويتباهى شباب أوروبيون بمعرفة أغاني أم كلثوم المدمجة بموسيقى إلكترونية، أو موسيقى بعض شباب المطربين العرب بأدائه ألحانا ذات طابع الـ"سينث ويف" (Synthwave) في الثمانينات.

لماذا الموسيقى العربية؟

حين قدم المؤلف الأذربيجانى أميروف كونشرتو للبيانو والأوركسترا فى بداية السبعينات، استهلها بمقدمة مونولوج "إنت عمرى" لأم كلثوم من ألحان محمد عبد الوهاب؛ كان حدثا فريدا، إذ اعتاد الناس سماع ألحانا عالمية مقتبسة فى موسيقانا العربية، والمثل واضح فى ألحان محمد عبد الوهاب، وفريد الأطرش، عبد العزيز محمود، وجمال سلامة،وغيرهم.

ورغم استمرار تلك الظاهرة، إلا أن سماع لحن لأم كلثوم من ألحان عبد الوهاب كان شيئا هاما؛ إذ وجد صدى لألحاننا العربية فى فكر المؤلفين العالميين.

وبسبب الإيقاع الذى أحبه الغربيون فى ألحاننا العربية، جذب اهتمام الغرب وأوروبا، للسماع إلى ألحاننا العربية، بل تخيروا بعضا منها إما بوضع كلمات غربية على موسيقى تلك الأغنيات، أو اقتباسها كاملة؛ كما سنرى.

 

 

 

 

وكان تعليق الغربي على موسيقانا بأنها :" هي الأفضل، لذلك نأتي إلى قاعات الموسيقى التى تقدم فنا عربيا"، حسب تعبير الفرنسية "زوى"، لإذاعة الببي بي سي عربي، من داخل إحدى القاعات التي نُظمت فيها إحدى حفلات الموسيقى العربية. وقد ساهمت التعددية الثقافية والوجود العربي في المدن الأوروبية الكبرى في مزج الثقافات وتجاوز الفن العربي لحدوده الجغرافية. 

والسبب في رواج الموسيقى العربية إلى طبيعة هذه الموسيقى التي "تحوي دائما نوعا من "النوستالجيا" أو إحساسا بالشجن والحنين. وترى أن هذا الشعور ليس حكرا فقط على المجتمعات العربية في الخارج، لكنه إحساس يمكن أن "يصل إلى من لم يسمع تلك الموسيقى من قبل"، وأنه "يمكن أن يكون شيئا جديدا أيضا" ليس فقط حنينًا إلى الماضي.

وليس هناك شك في أن للموسيقى العربية سحرها الخاص، وربما حان الوقت لهذا النوع من الموسيقى أن يزدهر عالميا، مثلما أتاحت شهرة أغنية (غانغنام ستايل) (Gangnam Style) بوابة للجمهور العالمي إلى عالم موسيقى الـ"كيه بوب" K-Pop لملايين الجماهير من حول العالم".

فحين نستمع إلى أغنية Big Pimpin (المخطئ الكبير) للمغني جاي- زي سنلاحظ التأثير العربي بشكل واضح، من أغنية “خسارة” لعبد الحليم ألحان بليغ حمدى من عام 1957 وقد أصابت نجاحاً كبيراً، والتشابه هناغريب حقاً، وبالطبع هي ليست المثال الوحيد الذي يعكس تأثر الموسيقى العالمية بالألحان العربية. لعقود من الزمن كان منتجو الموسيقى الغربيون مثل تمبالاند و ني- يو يقتبسون الألحان من جميع المغنين والمغنيات العرب من" وردة" إلى "شيرين" لتحقيق أعظم نجاحاتهم.

وأغنية More Than a Woman للمغنية "آليا فى غناء المذهب - مع صولو "الأكورديون" لأغنية  "قالولي إنسى" للمغنية ميادة الحناوي، وكذا أغنية Train  للمغني "آيساب روكي" مع أغنية "مشيت سنين" للمغنية "أصالة" وأيضاً بين أغنية "بتونس بيك" لوردة الجزائرية مع أغنية  Don’t Know What To Tell Ya’ للمغنية "آليا"؛ كما اشتهرت المغنية الأمريكية "جينفر جراوت" بأدائها لأغنيات أم كلثوم وليلى مراد وأسمهان، وقراءتها المميزة للقرآن الكريم. وكذا أن كبار الفنانين العالميين مثل تمبلاند وسكوت ستورش يستخدمون أجهزة سلالم الموسيقى العربية وأكثر من ذلك.

الموسيقى العربية بين الصناعة والهوية

كذلك بدأت شركات انتاج عالمية، أشهرها "حبيبي فنك" (Habibi Funk)، التي أسسها الألماني جانيس شتورتز (Jannis Stürtz)، الذي لقب بعالم أركيولوجيا اسطوانات الفينيل العربية، بإعادة ترخيص وإصدار موسيقى عربية قديمة في شكل رقمي وأسطوانات فينيل وتوزيعها في الأسواق الأوروبية، مما سهل الوصول إلى هذا النوع من الموسيقى.

أما بالنسبة للفعاليات الثقافية العربية، فأصبح اسم شركة "مرسم" مرتبطا بعشرات الحفلات الدورية (في لندن) التي يحضرها المئات من مختلف الجنسيات.

يقول خالد زيادة، مؤسس شركة "مرسم" للتوزيع والإنتاج الفني، إنه لا يهتم بالربح في هذا المجال بقدر ما يهتم بـ "توصيل الثقافة العربية التي نعرفها في بلادنا" للجاليات العربية في بريطانيا، حيث يرى، أن للثقافة العربية زخما وقيمة تفتقدها الأجيال العربية المهاجرة.

وتستضيف "مرسم" العديد من الموسيقيين من الدول العربيّة بشكل دوري، وأحيت فرق شهيرة مثل (كايروكي)، و(مسار إجباري)، و(شكون) و(74 سول) حفلاتهم تحت رعاية "مرسم".

وهناك شواهد على أن المؤسسات البريطانية تشجع الثقافة العربية؛ وبدأ مجلس الفنون البريطاني بتخصيص منح دراسية لتتخصص في المزج بين الموسيقى العربية والإلكترونية، وخصوصا مع المواطنين ذوى الأصول العربية حيث يشعرون بالتواصل مع جذورهم العربية، وأثمر ذلك عن تنسيق الموسيقى العربية الكلاسيكية، ومزجها بشكل حديث.

ربما تصبح الموسيقى العربية هي الـ"ترند" العالمي الجديد، إذ يبدو أن هناك اهتماما كبيرا بها من قبل عدد من المؤسسات والشركات والموسيقيين، وقد أتاحت الوسائط الجديدة من خدمات بث للأغاني مثل تطبيقي (سبوتيفاي) و(أنغامي) إيصال هذه الموسيقى إلى جمهور أكبر وأسع.

ولدينا فى مصر  الآن - مئات الطلاب الذين يتواصلون مع المعاهد ومراكز تعليم الموسيقى سواء الحكومية أو الخاصة، ويرغبون فى دراسة الغناء العربي وتعلم الآلات العربية كافة (عود، ناى، قانون، طبلة، رق، دف بندير، مزهر).

تحياتى للفن العربى؛ الذى يجمع الشعوب على تحت مظلته، مؤكدين على وحدته وثقافته رغم تنوعها الثرى فى كل قطر من أقطاره؛ حفظ الله العرب أقوياء متحدين أمام أى غزو ثقافى أو فنى، وحفظ الفنانين العرب ليمتعونا بألحانهم الجميلة؛ والسلام.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه